الشاعر محمد عثمان محمد صالح كجراي الشاعر الكبير الذي ظل لما يقارب نصف قرن من الزمان في ساحة الشعر العربي، استحق أن يتوقف عنده نادي الشعر السوداني، والمجلس القومي لرعاية الثقافة والفنون، وسط حضور من الادباء والكتاب والمثقفين واسرة الشاعر كجراي. وقام بادارة الجلسة الاستاذ عامر محمد أحمد حسين الذي قدم المتحدث الاول محمد الجيلاني الذي قدم ورقة بعنوان: «الدلالات الشعرية/ التفكير الشعري عند كجراي».. مستهلا قراءته لكجراي بأن الشعر ملكة معرفية تشمل نظامي التقليد الجواني والظاهر.. وهو عبارة او نص يحمل معرفة بالعالم وفق درجة الحضور الذاتي في مستويات ما نملك من معارف في عصرنا. وبنص هذه الملكة في درجات منها الرؤيوي، والشارح والمقلد، بحسب امتصاص وتدرب الشعر، وهي قد تكون مكتملة بين الحضور في اللغة، ومعبرة عن الوجود في حركته. وقد عرف ابن سينا الشعر بقوله: كلام مخيل مؤلف من أقوال موزونة، والمخيل هو الكلام الي تذعن له النفس فتنبسط عن أمور وتنقبض عن أمور، من غير رؤية وفكر واختيار.. وبالجملة تنفعل له انفعالا نفسانيا غير فكري سواء أكان من المقول مصدقاً به او غير مصدق «ابن سينا كتاب الشفاء».. وهو يرجع ذلك إلى التخيل والتناسب والأثر. والتفكير هو عملية ذهنية تدرك الواقع وغيره وفق محددات هذا الجهاز المفاهيمي «الفكر». إذاً التفكير الشعري ، وعي العالم عبر الجهاز المفاهيمي - الظاهر/ الباطن، اي لحظة اندماج الواعي، غير الواعي كجهاز ادراكي، كمل أو لم يكمل وفق النموذج المطروح. ومن هنا ننظر إلى الشاعر كجراي بعيداً عن عدد من المناظير التي أجازت الشعرية عنده. /1 الآيديولوجيا، علوم العصر، /2 اللغوية النصية «الظاهرية» اللغة وأبنيتها 3/ الهوية - الذات والآخر. ولتطبيق هذا المنظور او النظرية في نص «الليل عبر غابة النيون»، نلجأ إلى المصطلح البنيوي التقليدي الذي يبحث عن الجوانية في حقل الشعر مثلا او اي حقل آخر.. للخلوص أو استنتاج البنية الثاوية خلف الدفع باللغة للتشكل، والاختلاف عن صفريتها «معناها في المحيط الثقافي المحيط»، ولانتاج الحكم على الشاعر ننظر في /1 الرؤيوية - 2/ التقليد - الشرح. «الليل عبر غابة النيون»: المعاني كما وردت في المعجم. /1 النيون = الإضاءة بمصابيح النيون. /2 النيون = NEON /3 النيون = العنصر العاشر. /4 النيون = ضوء النيون. الجملة المفتاحية «العنوان» في الدراسة البنيوية تمثل استراتيجية الفحص بالنسبة لمنهجنا، فإذا كانت كتلة النص المنطوق والأناوات الروحية او الباطنية سواء عرفت من اللفظ او اخفيت في المعنى، وهي العينة التي تملكنا درجة العلاقة بين اللغة، وما وراءها او في اعماقها التي نرصد المعنى عبرها. وجملة «الليل عبر غابة النيون».. لا تخفي جدلية بين عالمين: عالم الكاتب «الليل»، وعالم قاري او مفسر او مبدع ومحدث لعلاقات الليل في اللغة، الدال على الخفاء واللادراية.. والجملة المفتاحية «بمنهجنا» نقول الى رؤية اللا رؤية، او توضيح الخفي عبر غير الواضح. وهنا تبرز جملة الذات والهوية في مواجهة الحداثة «الطب والتقنية» كعلامة لهذه الحداثة، وجدل الطبيعة مع ثقافة الغير.. أو هو سؤال كيف أشياؤنا عندهم «النيون عنصر مشع».. إن اللحظة الشعرية تتولد في فضاء صراع كله عقل الشاعر «للتفكير الشعري».. الذي يرى الذات الجمعية في موقعه الناتج عن جدل الظاهر «الموروث» مع العصر «الحداثة». إن الجملة الشعرية عند كجراي تقع عندي محل الشارح شعرياً للحالة الجمعية «الهوية». والخطاب الشعري عند كجراي تحريضي عبر كسر الصمت، بين الدواخل ومواقع الرؤية، وقد يجد الباحث المدقق في الجمل الشعرية عند كجراي في نص «الليل عبر غابة النيون» بعض الاختلال الأسلوبي في علاقة اللغة والجملة والمفردة والدلالة المرادة بحيث تغيب العناصر أو الجمل المقابلة للحالات: الذات الآخر/ الشاعر/ الهوية إلى تقارير وإفادات ليست من صنع عناصر البيئة «ظاهر وباطن» .. بل في حالة آيديولوجية قومية تكاد تعم كثيراً من الشعر السوداني الرصين. ومن نماذجها ونصنع الحياة - يكفي عزاؤنا أننا نصارع الظلام ، نقول للناس ارفعوا رؤوسكم.. هذه الجمل ليست ناتج قول الشاعر ذات / آخر/ شاعر «تفكير شعري».. الأسلوب والدلالة والبنية الثاوية، ولا يؤخذ على الشاعر مخاطبة أنثى او مؤنث بالقول «لا تجرحي الصمت»، فإن مجرى العادة في الشعر كقصيدة أو كوعاء على قول الشاعر صديق المجتبى «موروث» الأسلوب، وهنا تبرز هوية الشاعر في التراث الأسلوبي والأمة من خلفه، والهوية كبنية ثاوية او معمرة أو قل على ما ذهبنا إليه الروح في مقابل اللغة «الجسر» للقصيدة ليأخذ الشعر مكان العقل تماماً. وقد قام الأستاذ محمد الجيلاني برصد مفردات في النص كالصمت والليل وتناول تأثر كجراي بالسيَّاب والبياتي وميله الى الرمزية، وتعويله على الأساطير.. القديمة والسردية الحكائية. وقد قدم مجذوب عيدروس ورقة حول موقع كجراي في خريطة التجديد للقصيدة أواخر الخمسينيات وما تلاها، وتناول دوره في الخروج من القصيدة العمودية الى فضاء من التجديد.. وقد نهل من ذاته المتمردة ما أكسب قصيدته حيوية ميزته عن كثير من أقرانه.. وقد أفاد من دراسته التقليدية لعلوم العربية، ومن محاولاته في التثقيف الذاتي.. وذكر بقصائده التي كانت تنشر في مجلة «الدوحة» القطرية بينما ضاق المجال هنا داخل السودان على الشاعر.. وكان ينوي إصدارها في مجموعة «كلمات إلى نيسابور».. ونوه إلى أن قراءة الفكر الفلسفي عند كجراي لا تكتمل بغير قراءة نظمه لرباعيات الخيام التي وردت في كتاب مصطفى عبد الله أحمد «أمادو» عن كجراي - حصائد واشارات.. كما أشار مجذوب عيدروس إلى كتاب الأستاذ جابر حسين عن كجراي شاعر الحرية والقول الفصيح. وقدم مجذوب قراءة لقصيدتين لكجراي لم تنشرا في الصمت والرماد والليل عبر غابة النيون. وتناول أيضاً بعض المضايقات التي تعرض لها الشاعر أوائل تسعينيات القرن الماضي، الأمر الذي دفعه إلى الهجرة إلى إريتريا حيث عمل مفوضاً للتعليم هناك. وأشار مجذوب إلى ضرورة طباعة دواوينه الثلاثة التي لم تُنشر من قبل، والتي تحوي شعراً متقدماً حافلاً بشتى الصور، متميزاً بقاموس شعري ضخم، ورؤية ثاقبة للعالم. ثم تحدث الشاعر عبدالله شابو قائلاً :التفكير الشعري تفكير حدثي ، بمعنى أن الشاعر يدرك العلاقة بين الأشياء ادراكاً مباشراً ، دونما أي تبرير ، مرحلة كجراي مرحلة يمكن أن نسميها مرحلة نضالية ثورية في شكل الشعر ومضمونه ، لأن الشهر انتقل من العمود الشعري أو الكلاسيكي التقليدي المبني على عروض الخليل بن أحمد والمبني على البلاغة العربية القديمة التي تقوم على الاستعارة ولتشبيه الخ ... وكان يسمى هذا برؤية العالم ، المرحلة التي قبلها مرحلة الحداثيين كانوا يطلق عليهم الرؤيين كانت لهم رؤية متجاوزة الواقع الانساني العادي?، وهي رؤية ليست متخيلة بل نابعة من الذات لأن هناك عالم أجمل من هذا ، كجراي كان شاعراً ممتازاً وقد كان متأثراً بالشاعر عبدالوهاب البياتي والسياب ولكن ينبغي علينا أن نحاسبه ونحاكمه بزمنه والمكان الذي ولد فيه ، في ذلك الزمن كانت هذه هي الرؤية السائدة بصورة لا يمكن أن يخرج منها شاعر ، وكان ذلك الزمن زمن ثورة فكرية وشكلية انتقل الشعر من العمودي التقليدي الى التفعيلة وطبيعي كان اسمها خاطئاً لأن السطر كان مبني على التفعيلة أيضاً لكن كان هناك ما يسمى بالبحور الصافية وهي ثمانية معروفة ما أود طرحه هل الشعر حالة فكري? عقلانية أم هو حدس ؟ وتفكير الفنان تفكير جدسي ولذلك كجراي كان شاعراً ممتازا ومناضلا وثوريا كما ذكرت ، محمد عثمان كجراي شاعر جاء في زمن ما كتب شعراً كان مؤثراً في زمانه وفي الثقافة السودانية ككل الشعراء .وأسهم اسهاماً رائعاً في الشعر السوداني وعلينا أن نقرأه . شهدت الأمسية مداخلات عدة استهلها د. أحمد صادق والدي أشار الى كتاب نشر خلال الخرطوم عاصمة الثقافة نشرت فيه جزء من ترجمة كجراي لرباعيات عمر الخيام ثم تحدث عن أن صوت الخطاب الشعري السوداني لكجراي صوت مختلف وكتابه الصمت والرماد صدر عام 1960م من بيروت بدعم سخي من دكتور احسان عباس الدي كان استادا بجامعة الخرطوم في ذلك الوقت وقد صدر مباشرة عقب غابة الأبنوس لصلاح أحمد ابراهيم ، وهي كتابة شعرية بذاكرة مختلفة من أي كتابة شعرية أخرى في السودان حتى رموز الشعر في السودان كتب كجراى بذاكرة مختلفة ما في داعي التي تغنى بها?وردي تختلف غيرها اضافة الى ما تغنى به ابراهيم حسين ، كجراي ظل لأكثر من 40 سنة يكتب وانتمى الى عالم الكتابة الشعرية بالتحديد ، هنالك اعتقاد بأن الخبرة الحياتية للراحل كانت متفردة وأصيلة جداً ولها بعدين كما أرى : الأول كان في التعليم الذي ظل فيه الى سن المعاش وأزعم أنها تجربة لها تجلياتها في الممارسة والخبرة الكتابية ، الأمر الثاني الذي يضئ لنا تجربة كجراي انه كان مناضل وحركي وهذا جانب من خبرته الحياتية ، خبرة الكتابة الشعرية عند كجراي اتجلت في ترجمته لرباعيات عمر الخيام ، كجراي لم يكن شخصاً عادياً لأنه سعى ?رفد مشروعه الشعري بترجمته لهذه الرباعيات . عز الدين ميرغني أضاف قائلاً كجراي من الشعراء الكبار الذين ظلوا في هذا البلد ، وهو من أكبر شعراء التفعيلة في الوطن العربي لا يقل عن صلاح عبد الصبور وغيره من كبار الشعراء ، هذا الجيل مظلوم في جانب الدراسات ويحتاج الى قراءات عميقة ، وأؤكد أن كجراي سيجد حظه من القراءة في مقبل الأيام وشعره واضح لا غموض فيه لكنه ليس شعراً مجانياً ولا يستطيع أحد أن يقلده لقةو المضمون وقوة الشكل واستفاد جداً من التفعيلة لأن التفعيلة ما زالت حتى الأن رغم أن البعض يرى أن شعر التفعيلة أصبح يتيماً بعد درويش لكنه مفتوح على الانسانية كل?ا لكن هذا الجيل استفاد جدا من هذه الطريقة الكتابية وكجراي ايضا استفاد منها وتحتاج دوواوينه الى قراءات عميقة لكن للأسف ليست متاحة لهذا الجيل تأمل أن تعيد الدولة طباعتها دون النظر الى تاريخه الأيدولوجي ، عبدالله حامد الأمين كان ينصحنا أن نقرأ لكجراي وكنا وقتها صغارا وقد عرغناه من خلال هذا الرجل وكان يقول بأنه سيجد في يوم من الأيام من يقرأه وسط الشباب وهو كمعلم استفاد كثيرا من هذه المهنة في الكتابة وهو من جيل الانجليزية الراقية وأعتقد أنه تأثر كثيراً في شعره باليوت وهذا ليس عيبا بل هو نجمة من نجوم الشعر في ا?سودان لا يمكن ان يتجاهلها أي دارس في هذا البلد .