يبدو ان معاناة المواطنين والنازحين بولايتى النيل الازرق وجنوب كردفان بفعل الحرب وماخلفته من آثار سالبة على حياتهم ومعاشهم مرشحة للظهور مرة اخرى ، وذلك من خلال التقارير والتحذيرات المتواترة من احتمال حدوث فجوة غذائية ومجاعة بسبب عدم مقدرة المزارعين على الزراعة بسبب عدم الاستقرار فى الولايتين ، كما ان هنالك ولايتين أخريتين مرشحتان للتعرض لفجوة غذائية وهى شمال دارفور والقضارف. فطبقا لتقارير متطابقة وافادات شهود عيان فان المناطق الزراعية الرئيسة فى ولاية جنوب كردفان مثل ام دورين وبرام وهيبان وتلودى وكلوقى لم تتم فيها الزراعة هذا الموسم بسبب عدم الاستقرار ووقوع بعضها تحت قبضة عناصر الجيش الشعبى ، وشح الامطار فى البعض الآخر.وتعتبر مناطق امدورين وتلودى وبرام من اكثر المناطق انتاجا للمحاصيل الزراعية والتى تغذى بقية اجزاء الولاية وبعض المناطق فى ولايات السودان الاخرى. ويقول الخبير فى شئون المنطقة والكاتب الصحافى الدكتور صديق تاور كافى ان المساحة المستزرعة فى الولاية فى الوقت الحالى ?اتتجاوز 25% من المساحة الكلية. وقال (للصحافة) من مكتبه بجامعة النيلين يوم امس ان جنوب كردفان مرشحة للدخول فى مجاعة فى حال استمرار الوضع على ماهو عليه الآن واضاف قائلا: «هنالك عدم استقرار كامل فى الولاية بسبب الحرب ، كما ان الامطار لم تهطل بكميات كافية وجاءت بكميات قليلة ، هذا فضلا عن ان مناطق كثيرة فى الولاية لم يزرع فيها المزارعون اصلا بسبب وقوعها فى سيطرة قوات الحركة الشعبية». ويؤكد تاور الذى كان عضوا نشطا فى مبادرة جامعة الخرطوم لحل الازمة فى جنوب كردفان انه فى حال عدم اتخاذ تدابير من السلطات الحكومية ا?محلية والاتحادية فان خطر المجاعة يمكن ان يؤدى الى اوضاع كارثية فى المنطقة. اما فى منطقة النيل الازرق ، التى شهدت عمليات عسكرية واسعة بين القوات المسلحة والجيش الشعبى لتحرير السودان ، فقد شهدت نزوحا كثيفا من سكانها والذين يحترف معظمهم مهنة الزراعة. وفى هذا الصدد قال النائب البرلمانى عن المنطقة يحى صالح خلال تصريحات صحافية فى وقت سابق ان الموسم الزراعى قد فشل كلية فى الولاية. وعزا صالح فشل الموسم لعدة اسباب منها اهتمام الحكومة بالجوانب الامنية والعسكرية لازمة المنطقة وتناسيها للموسم الزراعى ودخول قبائل وافراد من قبائل رعوية بماشيتهم كثيرة العدد والتى قضت على ماتبقى من الاخضر وال?ابس . واشتكى والى ولاية شمال دارفور محمد عثمان يوسف كبر خلال لقاء اعلامى امس الاول بالخرطوم من وجود فجوة غذائية فى ولايته بسبب شح الامطار. وقال ان حجم الفجوة الغذائية غير محدد لكنه سيعود الى الولاية لتقدير حجمها ، ودعا الحكومة المركزية للاستعداد لتقديم المساعدات العاجلة له. وخلفه فى نفس الاتجاه يوم امس الاثنين والى ولاية القضارف كرم الله عباس حينما اكد خلال حوار اجرته معه الزميلة «الرأى العام» ان الموسم الزراعى قد فشل فى ولايته. واضاف قائلا « الموسم الزراعي في ولاية القضارف الآن يمكن ان نصفه بالفاشل لسبب قلة?الأمطار وهذا يعني ان هناك إشكالات كبيرة ستواجه المزارعين واعلان عن اعسار مبكر لكبار المزارعين الذين قامت البنوك بتمويلهم ولذلك نحن اتصلنا بالبنوك وبشركة شيكان للتأمين للقيام بزيارات ميدانية للمزارع والمشاريع حتى نتفادى مسألة السجون كما يحصل في المواسم السابقة ونريد ان نخلق علاقة ثقة بين البنوك والمزارعين». وعلاوة على ذلك ، فان تجار سوق المحاصيل بالولاية والتى تعتبر الاكبر على مستوى البلاد قد دخلوا فى اضراب عن العمل بعد قرار حكومة الولاية بزيادة رسوم جديدة على الانتاج مما ادى الى اغلاق البورصة بشكل كامل ?وم امس الاثنين . كما يحذر الخبير الاقتصادى الدكتور عبد الوهاب بوب من خطر المجاعة الذى قد يؤثر على معظم ارجاء البلاد. وقال (للصحافة) خلال اتصال هاتفى « اننا نخشى من مجاعة قد تحدث في شهر ديسمبر المقبل بسبب خروج مساحات تقدر مابين 40 الى 50% من الانتاج الزراعي بسبب التوترات الامنية في جنوب كردفان والنيل الازرق وسنار الى جانب شح الامطار وانعدام التمويل للموسم الحالي «. ازاء هذه الصورة القاتمة يطل السؤال الجوهرى حول كيفية تدارك الاوضاع ومنعها من الوصول الى مستويات كارثية. ويرى تاور ان الحل الآنى فى جنوب كردفان والنيل الازرق هو اتفاق الحكومة والحركة الشعبية على ايقاف كامل للعمليات العسكرية فورا ودون ابطاء ومن ثم البحث عن حلول سياسية عاجلة للمشكلة فى المنطقتين. واوضح قائلا: «هنالك العشرات من النازحين والعالقين فى عدد كبير من مناطق جنوب كردفان وهؤلاء لايمكن الوصول اليهم فى حال استمرار العمليات العسكرية، والافضل ان تتوقف هذه العمليات لايصال المساعدات فى المناطق المحاصرة والم?اطق التى لم ينجح فيها الموسم الزراعى». ومع ان والى القضارف قد اكد خلال حواره السالف الذكر انه لامجال من حدوث فجوة غذائية بقوله « الحكومة الإتحادية اشترت كميات كبيرة من الذرة مخزنة ولن تحدث أزمة أو فجوة غذائية في الولاية، باقي الاشكالات مقدور عليها، وأسعار الذرة أقل من تكاليف انتاجها هذا الموسم، فالدولة أمنت الغذاء تماماً». الا ان الدكتور موسى بشير موسى القيادي البارز بالمؤتمر الوطني والمعتمد السابق قد حذر هو ايضا من كارثة ودعا الى اتخاذ عدد من التدابير لتفاديها بقوله « الموسم الزراعي فاشل وعدم توفير الم?اه والمرعى ينذر البلاد بكارثة قادمة تحتاج إلى رؤية سياسية واضحة في كيفية مواجهة تلك المشاكل وطالب الحكومة بالاستفادة من البعد السكاني في الأقاليم المجاورة لإثيوبيا في تنشيط العملية التجارية والتبادل». اما الكاتب الصحافى فيصل محمد صالح فيرى خلال اتصال هاتفى مع (الصحافة) ان على الحكومة الجديدة المرتقب تكوينها يجب ان تعترف بالمجاعة بشجاعة شديدة ، وان تكون اولى اولوياتها هو العمل على تفاديها او التقليل من مخاطرها على أقل تقدير!