يبدو أن بوادر ازمة وشيكة تقترب حثيثاً تثير تخوفات المواطنين وفقاً لتوقعات مختصين في هذا الشأن، وربما تأتي هذه الأزمة بسبب اهمال الجهات المختصة وعدم مراقبتها لما يدور في سوق الدواء، باعتبار انه سلعة تتعلق بحياة المواطنين ولا تقل اهمية عن الغذاء، وخلال الاشهر السابقة شهد سوق الدواء تقلبات متعلقة بارتفاع الاسعار وانعدام بعضها تماماً من السوق، فنسبة الزيادة العامة في الادوية وصلت الى 25% بحسب ما ذكرته احصاءات شركات الدواء التي تحدثنا اليها. ويقول أصحاب الصيدليات إن ارتفاع اسعار الادوية سببه عدة قنوات متشابكة لا تقف عند الشركات فقط، فهنالك أشخاص يحتكرون بعض الادوية وتصبح نادرة في السوق، ومن ثم يتحكمون في اسعارها، وآخرون يقومون بتهريبها.. فغياب الرقابة الحاسمة يترك مجالاً لأمثال هؤلاء ليتحكموا في السوق دون أدنى مراعاة الى ان هذا الأمر يتعلق بحياة الناس، وينظرون الى الارباح التي سيخرجون بها من مثل هذه المضاربات، وحذَّر اصحاب الصيدليات من أن اصحاب الامراض المزمنة هم اكثر المتضررين من ارتفاع اسعار الدواء. فالمصابون بأمراض السكر والكلى والضغط والقلب وما تبقى من مثل هذه الامراض التي تلازم الشخص الى حين وفاته اكثر المكتوين بذلك، وهم فقط من تحرقهم الجمرة، وقد عبرت ليلى التي وجدناها خارجة من احدى الصيدليات الكبرى عن ذلك بتفاصيل وجهها التي لا تسر، وسألناها عن الادوية التي بيدها إن كانت قد زادت أسعارها عن السابق، وما ان اكملنا حديثنا اليها حتى انفجرت وهي تقول لنا: «لولا انني رأيت الديباجات على صناديق الادوية لقلت ان صاحب هذه الصيدلية لص محترف، فهذا الدواء قد اخذته منذ شهر، ولكن الآن اختلف سعره بما يقارب الضعف». وه?ذا مضت بغضبها دون أن تزيد، إلا أننا لم نكتفِ بما قالته. وأثناء وجودنا في احدى الصيدليات دخل مواطن وسأل عن صيدلي معين، واجابه الصيدلي الموجود بأنه خرج وسيعود، حينها قال المواطن: «انا اريد دواءً قالوا لن اجده الا عنده»، وخرجنا وتركناه ينتظر ذلك الشخص الذي لديه عقار لا يوجد عند سواه، فكم مثله يستخدمون ذات الأساليب؟ فهل كلفت الجهات ذات الصلة نفسها بالتقصي عن امثال هؤلاء من المتلاعبين بأرواح البشر؟ وتحدث ل «الصحافة» في وقت سابق الأمين العام لجمعية حماية المستهلك ياسر ميرغني عن بعض الادوية التي تم سحبها من السوق، وقال إن من الأسباب التى ادت الى سحب الادوية التى تم استجلابها من مصر، ان طريقة الشراء التى تمت بها كمية الادوية مخالفة للائحة الاجراءات المالية والمحاسبية للمشتريات الحكومية، فعملية الشراء تمت بطريقة مباشرة دون عطاء أو مناقصة، وأصناف الادوية غير مسجلة، مما يعني أن هناك ادوية تدخل بطرق غير المتعارف عليها. وأبان ميرغني انه من المفترض أن يكون الشراء من مصنع ادوية او شركة، لكن من المؤسف أن هذه ا?أدوية التي استجلبت من جمهورية مصر تم شراؤها من محل لبيع الادوية بالتجزئة وليس مصنعاً او شركة أدوية، وبالتالي ضاع على الهيئة حق التعويض وأهدر المال العام. واضاف ياسر ان هنالك شركات سودانية وطنية ووكلاء لبعض الاصناف التى تم شراؤها من مصر، كان من الممكن أن يتم الشراء عن طريقهم كما في حالات سابقة، كما اتضح من المستندات أن هنالك مخالفة في تحويل المبالغ وكيفية استرداد المبلغ المتبقي، وتساءل ياسر: «كم كان سعر الشراء الذي تم الاتفاق عليه؟» واضاف ان هذا إن دل إنما يدل على فوضى الشراء. واكد ياسر ان الادوية التى استج?بت من مصر مخالفة للقانون لأنها غير مسجلة بالقانون، ولم تختم من المصنع او الشركة ولم تكتب عليه «الهيئة العامة للإمدادات الطبية» اضافة الى انها لم تخضع للتحليل قبل التوزيع، مشيراً إلى ان جمعية حماية المستهلك لم تقم بأي دور تجاه المشكلة غير انها اكتفت بالدور التوعوي فقط، وكنا نتوقع دوراً أكبر من لجنة الصحة بالبرلمان، لكن للأسف ذلك لم يحدث، ولكنه قال انه اتصل برئيس لجنة الصحة والسكان. وعلى ضوء هذه الممارسات جاء تحذير اتحاد الصيادلة من حدوث أزمة دوائية حادة حال عدم تدخل الحكومة وتوفيرها للنقد الأجنبي، وأعرب عن خشيته من أن انعدام الادوية سيفتح الباب واسعاً امام ظاهرة التهريب وادخال الادوية المغشوشة، واشار الى ارتفاع وتضاعف لافت طال بعض اصناف الدواء بسبب انعدامها، وعزا رئيس شعبة الصيادلة التابعة لاتحاد الصيادلة الدكتور نصرى مرقص، فى حديث ل «الصحافة»، حدوث الفجوة الدوائية إلى وجود خلاف نشب بين غرفة مستوردى الادوية والمجلس القومى للادوية والسموم، استمر زهاء الشهرين حول تسعير الدواء وارتفاع ?عر الدولار، مما دفع المستوردين الى ايقاف عمليات الاستيراد، بجانب توقفهم عن بيع الدواء للصيدليات خشية خسائر مادية محتملة، واضاف أن الأزمة مازالت فى عقابيلها. ولفت مرقص الى ان احد مستوردى الادوية استورد ادوية خاصة بمرضى الضغط نفدت فى جميع صيدليات العاصمة خلال «48» ساعة فقط، مبيناً أن ندرة الدواء من شأنها ان تؤدى الى خطورة وانحراف فى سوق الدواء، وقال: «نخشى على تأثر الممارسة المهنية للصيدلة بسبب ندرة الأدوية». ورأى انه لن يكون هناك انسياب فى الدواء بمستوى يفى بحاجة المرضى على مستوى السودان، واشار الى وجود شح فى الأدوية فى الصيدليات الطرفية فى العاصمة، خاصة ادوية الضغط وبعض الادوية المنقذة للحياة بجانب الشح فى الولايات. وحذر من تنامى ظاهرة تهريب الادوية وادخال ادوية مغشوشة الى الاسواق حال استمرار الأزمة الحالية وانعدام الدواء فى الصيدليات، وأشار الى ارتفاع لافت فى اسعار بعض الادوية بسبب انعدامها، وقال إن دواء الضغط ارتفع سعره من «60» جنيهاً الى «120» جنيهاً. ورأى أن المخرج من الأزمة يتمثل فى تشكيل «لوبى» من جميع فروع الصيدلة على رأسها الامدادات الطبية واتحاد الصيادلة، للعمل بيد واحدة للضغط على الحكومة لتوفير النقد الأجنبى بالسعر الرسمي، وزاد «لكن أية حلول أخرى ستكون حلولاً جزئية».