٭ كنت مديراً مناوباً بالتلفزيون عندما زارني الأمين العام لمجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني العقيد الركن عبد العال محمود إبراهيم «اللواء معاش حالياً» وسلمني قرار الرئيس بانشاء قوات للدفاع الشعبي يقودها ضابط من القوات المسلحة برتبة عميد ويفصَّل القرار المهام والواجبات والتمويل والتبعية وما إلى ذلك . وعندما أذيع الخبر ضمن النشرة الرئيسة للتلفزيون لم يتوقف عنده كثير من الإعلاميين «ألم يقل أحدهم بأن هذه الثورة أذكى من إعلامها؟» .. نفس هذا المعني تحدث حوله بالأمس الأستاذ علي عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس الجمهو?ية في ملتقى قضايا الإعلام بالفاشر .. وانطلقت معسكرات الدفاع الشعبي في القطينة بغلاة الملتزمين الإسلاميين قبل أن تنداح الفكره لتشمل كل تفاصيل المجتمع السوداني ومفاصله.. وشملت الفكره كل حي ونادٍ ودخلت كل بيت ومدرسة وجامعة.. وأزيحت اللافتة التي تقول «منطقة عسكرية ممنوع الإقتراب والتصوير» فدخل المدنيون في خضم الجيش أفواجاً وأمتلأت أجهزة الإعلام المرئي والمسموع بالأناشيد والأهازيج والجلالات وحتى الزي المدرسي تحوَّل إلى الزي العسكري المموَّه وإستحال الدفاع الشعبي إلى مدرسة قائمة بذاتها ومضت الأيام.. ٭ إثنان وعشرون عاماً .. وقصة فريدة لشعب عُرف عنه التفرد.. قصة دفاع شعبي استحقت فكرته الإحتفاء.. ولإدائه كل التقدير والوفاء.. ولشهدائه وجرحاه رفع ذكرهم في الدنيا إلى عنان السماء.. وللمجاهدين التحية.. ولمن يعينوننا ومن يرابطون على الثغور أصدق الدعاء.. رسالة وردت لهاتفي فانتبهت لأمر تراجع في ذاكرتنا «الضعيفة أصلاً» وتذكرت تلك الأيام .. وتذكرت كتائب الأهوال والأنفال وصيف العبور.. وفشلا.. تذكرت العميد بابكر عبد المحمود أول قائد لقوات الدفاع الشعبي الرجل الفارس الجحجاح شيخ العرب.. وتذكرت قائد ثاني قوات الدفاع ال?عبي العميد الركن معاش كمال بابكر سيد أحمد عكود.. العسكري المنضبط والشاعر المرهف .. شفاه الله وهو يتلقي هذه الأيام العلاج من حسابه الخاص بدولة قطر حتى لا يمد يده لأحد.. أفسحوا له في إحتفالاتكم هذا العام مساحة تواصل .. وسرت مع الذكريات في جسمي رعشة مهابة وأنا أتذكر الأساتذة وقد تركوا الجامعات والطلاب وقد هجروا المدرجات والعمال والزراع والصناع وكل من استطاع حمل السلاح وقد يمموا وجوههم شطر الجهاد والاستشهاد وتحُّمل الجراح وقد أصابهم النصب والتعب والظمأ والمخمصة .. وقد قطعوا كل وادٍ يغيط الكفار ونالوا من العدو ?ل نيل .. حتى إذا ما دعا داعي السلام إلتفتوا إلى مواجهات أخرى لبناء الوطن والعمل على رفعته وعزته. فقدموا بالفعل تجربة فريده قلَّ نظيرها وألهموا أمهات السودان التسامي فوق الجراحات والانكفاء على الذات فقدَّمن فلذات أكبادهن بكل طيب خاطر وزغردن لاستشهادهم.. وضرب قادتنا أروع الأمثلة فلم يدَّخروا أبناءهم ولا إخوانهم بل تقدموا الصفوف وسمعنا بالشهداء من الوزراء والأطباء والمهندسين والأساتذه وطلاب النهائيات وأنتظمت أعراس الشهداء.. وكان المتمردون أخوف ما يخافون من «الجيش أبو دقن» يعني مجاهدي الدفاع الشعبي الذين رضعوا?من ثدي القوات المسلحة الأم الرؤوم لهم فقد احتضنتهم ودربتهم وسلّحتهم .. قال لي عبد الله حسن أحمد البشير قبل أن يلتحق بالجيش في تخصصه «الحقيقة نحن في الدفاع الشعبي كنا بنستمد معنوياتنا من رجال الجيش وليس العكس.. ديل يا أخي أخوهم يفجرّوا لغم ولحمو يتطاير في أغصان الشجر فلا يلتفتوا إلا على مواجهة العدو حتى ينجلي الكمين .. أنا ما شفت حاجه زي دي ابداً» كان ذلك أيام الزحف على مقوي .. وفرجوك.. ومَرَبُو.. أيام الأمطار الغزيرة وسياسة الأمريكان بشد السودان من أطرافه فما نالوا غير الهزيمة والذل والهوان في كل معركة.. ٭ لم يكن هناك خير ولا خيار غير السلام الذي لم يكن ليأتي لولا بسالة قواتنا المسلحة وجهاد المجاهدين من قوات الدفاع الشعبي والشرطة الموحدة والشرطة الشعبية والأمن ومن خلفهم جموع الشعب السوداني البطل الذي قدم كل مرتخصٍ وغال في سبيل وحدة بلادنا وعزتها وكرامتها.. وكان ثمن السلام غالياً وقد تقدم ركبه سيد شهداء الإنقاذ المشير الزبير محمد صالح النائب الأول لرئيس الجمهورية ورفاقه وتلاه الشهيد إبراهيم شمس الدين ورفاقه وسبقهم شهداء عدارييل .. وأبو قصيصه.. وأحمد الرضي جابر .. وكمال علي مختار.. وموسى علي سليمان .. وموسى ?يد أحمد.. وإخوانهم ولن تستوعب الذاكره شهداء الدفاع الشعبي محمد أحمد عمر .. ومحمود شريف.. وعبيد ختم .. والمعز عبادي.. وسلسلة طويلة من الأقمار الأخيار .. أبدلهم الله داراً خيراً من دارهم وأهلاً خيراً من أهلهم. ٭ التحية لقوات الدفاع الشعبي المجاهدة ولكل من أسهم في ذلك العمل الوطني الخالص الذي ليس له ثواب في هذه الحياة الدنيا .. فمن يبذل روحه في سبيل الله هو أسمى منَّا جميعاً بل نحن الأحوج لشفاعته يوم القيامة . والدعوة للقائمين على الأمر أن يجتهدوا أن لا تنطفئ هذه الشعلة التي أوقدها الشهداء بدمائهم ونعلم أن الجهاد ليس هو القتال وحده. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.. وهذا هو المفروض