إن المتتبع عن قرب لنظام الترقيات في جامعة الخرطوم بصفة عامة، ولنظام الترقية من درجة الأستاذ المشارك إلى درجة الأستاذ (بروفيسور) بصفة خاصة يجد أن جامعة الخرطوم ما زالت تحافظ على إرثها وتقاليدها الصارمة. ولم يصبح هذا الأمر في صفة الماضي بالنسبة لهذه الجامعة العريقة التي تخرج فيها علماء خدموا الوطن في شتى المناحي. يشترط للمتقدم لدرجة الأستاذية أن يكون قد أمضى أربع سنوات على الأقل بعد الترقية إلى درجة الأستاذ المشارك يكون خلالها قد أثرى البحث العلمي بأبحاث ومقالات محكمة في ،مجال تخصصه، تنشر في المجلات العلمية ودور المعارف العالمية والإقليمية والمحلية بالإضافة إلى التدريس في مرحلة البكالوريوس، والإشراف على طلاب الدراسات العليا، وتأليف الكتب المنهجية وخدمة المجتمع. ولا يمكن بأية حال من الأحوال لهذه الإضافات أن تتفوق أو تُرجح على النشر العالمي والإقليمي والمحلي للأبحاث العلمية في مجال التخصص. كما لا يمكن للنشر الإقليم? والمحلي أن يكون عوضاً عن النشر العالمي. وقد درجت عمادة البحث العلمي بالجامعة خلال الأربع سنوات الأخيرة على منح مكافاءات للنشر العالمي لأن أكثر من 80% من درجات التصنيف المعتمد عالمياً للجامعات تذهب للبحث العلمي. تُعرض السيرة الذاتية للمتقدم (والذي لا يقدم على التقديم للترقية إلا بعد الاقتناع التام بما يقدمه لما عرف عن هذه اللجنة من صرامة وتشدد وحالات إرجاع لطلبات قد يمتد لسنوات)، مع أبحاثه، إلكترونيا، على لجنة الترقيات بالجامعة، ولأهميتها القصوى يترأسها مدير الجامعة، وهو بالطبع في درجة أستاذ. وتضم في عضويتها أعضاء جميعهم في درجة الأستاذية من التخصصات العلمية والإنسانية والتربوية بالإضافة إلى عميد الكلية التي ينتمي إليها المتقدم، وعضو معاون في تخصص المتقدم. وفي حالة اقتناع اللجنة بأن ما قدمه المتقدم من أبحاث يت?افق مع شروط الجامعة للترقية، يمنح ترقية مبدئية فقط، أي اجتياز للمرحلة الأولية. ويشترط لقرار اللجنة أن يكون بالإجماع. يلي تلك المرحلة آنفة الذكر أن يرفع عميد الكلية لمدير الجامعة بسبعة أسماء لمقومين في درجة الأستاذية من خارج السودان في مجال التخصص، يختار مدير الجامعة ثلاثة من بينهم يُرفع إليهم الإنتاج العلمي لطالب الترقية لكتابة تقارير عنه، يتم على ضوئها منح الدرجة أو عدمه. لم تترك جامعة الخرطوم هذا الإرث والتقاليد الصارمة حيث تابعتُ في أواخر شهر نوفمبر الماضي اجتياز ترقية لدرجة الأستاذية في المرحلة الأولية. وجاء في خطاب السيد مدير الجامعة للمترقي بتاريخ 21/11/2011 يسعدني أن أنقل إليك قراري بإجازة ترقيتك إلى أستاذ في المرحلة الأولية. بعد الاستعانة برأي المقومين الخارجيين ولجنة الترقيات سيصلك قراري النهائي بإذن الله». إذاً الاستعانة برأي المقومين الخارجين الذين تعرض عليهم أبحاث المترقي لم تصبح فعلاً من الماضي. أسوق حديثي هذا وفي ذهني مقال بعنوان «ود البروف وطبيب عطبرة المزيف وما بينهما .. بقلم: بدور عبد المنعم عبد اللطيف نشر بموقع سودانايل الإلكتروني بتاريخ 15 ديسمبر 2011، تحدثت الكاتبة في جزء منه عن درجة الأستاذية وشروطها المتشددة وكيف أصبح الأمر هينا ليناً. وورد في مقالها عبارة « وكانت جامعة الخرطوم إبان عهدها الذهبي ترسل بهذه البحوث إلى ثلاثة أساتذة من خارج السودان في مجال التخصص المعني لتقييمها.» مما يترك انطباعا في ذهن القارئ بأن هذا أصبح أمراً في حكم الماضي بالنسبة لجامعة الخرطوم. خاصة وقد رثت الكاتبة «شه?دة الأستاذية (بروفيسور) التي أصبحت تمنحها الجامعات بكل سهولة شأنها شأن الإكراميات والأعطيات، وهي في الواقع لا تمنح صاحبها سوى الواجهة الاجتماعية فقط» . يُحمد لكاتبة المقال حرصها على التشدد في منح هذه الدرجة الرفيعة جداً ونطمئنها بأن جامعة الخرطوم التي يشرفني انتمائي لها، ما زالت متشددة وحريصة في هذا الأمر، الذي تشرف عليه أمانة الشئون العلمية بالجامعة. وإن ما دفعني لكتابة هذا المقال تبيان شروط جامعة الخرطوم القاسية للترقي والتزامها الصارم بتقاليد البحث العلمي، ولدرء الظلم عن من ترقوا إلى درجة الأستاذية في جامعة الخرطوم في السنين الماضية والتي تعتبر «غير ذهبية» في نظر كاتبة المقال. فهم أفنوا سني عمرهم منذ تخرجهم وتفوقهم بالتعيين بالجامعة، في بحث دؤوب ومست?ر، ومثابرة وعمل شاق في ظروف بالغة التعقيد والصعوبة ولهثاً وراء لقمة العيش، واضعين نصب أعينهم منظومة الأستاذ الجامعي ثلاثية الأبعاد «التدريس والبحث وخدمة المجتمع» فاستحقوا درجة الأستاذية بجدارة، لأنها تعني لهم كسباً حقيقياً وتتويجاً لكفاح عمرهم الأكاديمي، وليست واجهة اجتماعية فقط كما ورد في مقال الكاتبة. فلهم منا ومن كل قطاعات المجتمع كل تجلة وتبجيل وتقدير واحترام. والعلماء، كل في مجال تخصصه، باقون ما بقي الدهر. ولجامعة الخرطوم أنحني تقديراً وإجلالاً! * يمكن للقارئ مراجعة شروط الترقية لدرجة الأستاذية بموقع جامعة الخرطوم الإلكتروني. * جامعة الخرطوم