ظلت السَّحَّارة، ذلك الصندوق الخشبي السحري، اهم اثاثات المنزل حتى مطلع ستينيات القرن الماضي، ويتم توفيرها في الايام الاولى من رحلة الزوجية.. وكانت السَّحَّارة بمثابة الخزنة، اذ توضع فيها الاشياء ذات القيمة العالية من مشغولات ذهبية وغيرها من الثروات، وهي لسيدة المنزل بمثابة الدولاب الذي يضم او يحتوي على احتياجات المرأة الضرورية مثل الريحة والمواد التموينية، اذ توجد باحجام مختلفة. «الصحافة» من خلال جولتها في سوق ام درمان وخاصة اماكن صناعة العناقريب ومحلات بيع الجرتق والاشياء التراثية، لاحظت ظهور السَّحَّارة التي كانت لافتة للنظر، غير ان عودتها جاءت بشكل مختلف.. حيث اصبحت توضع في المنازل في شكل ديكور وزينة. وبحسب افادات بعض المواطنين الذين التقت بهم «الصحافة» باحد المحال بسوق ام درمان، فإن ان وجود السَّحَّارة في بيوتهم يعود الى زمن الاجداد، غير انهم عمدوا الى ازالتها والقذف بها الى المخازن. وظهورها من جديد دفع البعض نحو العودة الى المخازن لاخراجها واعادة اصلاحها وعرضها باعتبارها نوعاً من التراث القديم، خاصة انها تتميز بنوع من المتانة وسهولة الاصلاح، كما أنها ثقيلة في الوزن وأشبه بصندوق مقوص. تقول فاطمة احمد وهي سيدة في العقد الرابع من عمرها تقطن بحي العرب، إن السَّحَّارات عادة ما توجد في البيوت الكبيرة، بيوت الاجداد والحبوبات، وكانت بمثابة الدولاب، وشكلها عبارة عن صندوق له أرجل ومقوصة الجانب، وتمضي فاطمة إلى القول إن العفش في ذلك الوقت كان عبارة عن تلك السمات، ومع السَّحَّارة توجد بعض العناقريب، حيث توضع في السَّحَّارة الاواني والريحة والمواد التموينية، بالاضافة الى الملابس وكل ما يخص المرأة من احتياجاتها. وذكرت أنها وجدت احد اصحاب عربة الكارو يحمل سَّحَّارة قديمة ونفايات كان يقلها الى احد مكب?ت النفايات، وسألته هل يمكن أن تشتري منه تلك السَّحَّارة؟ وبالفعل اشترتها منه وقامت بأخذها لتصليحها، وهي الآن من اجمل مكونات منزلها، وفخورة بوجودها، حيث اصبحت جديدة وجميلة. وتمضي فاطمة في القول الى انها تحبذ الاحتفاظ بالاشياء القديمة التي تعتبرها تراثاً اصيلاً فيه رائحة الاجداد. ودعت فاطمة الى وجود السَّحَّارة في اي بيت سوداني، اضافة الى صينية الجرتق، فهي اشياء جميلة ومقدسة بالنسبة لها. ويقول مدثر إبراهيم حسين صاحب أحد المحال التي تهتم بصناعة الاشياء التراثية مثل العناقريب والقرب والسَّحَّارات وغيرها، إن هناك بعض الذين يعرفون السَّحَّارة وقيمتها، وبالتالي يهتمون بها وبوجودها في البيت، ويضعونها في شكل زينة في غرف الاستقبال والصوالين، وبعض الزبائن يطلبونها بمقاسات صغيرة لوضع مصلاة الصلاة عليها. وذكر مدثر أن السَّحَّارة كانت تبطن من الداخل بالجرائد «الورق» وتكون بالالوان التي تسمى «التفتة»، وهي الالوان التي تلون بها البروش، حيث تذوَّب بالماء الحار، وحالياًاصبحت السَّحَّارة شكلاً مواكباً للم?ضة، وبها نوع من الحداثة في التزيين والالوان، رغم انها مازالت محافظة على شكلها القديم، حيث أدخل فيها فن النحت وعمل النحاس الذي يقطع على شكل مثلثات ودوائر صغيرة للتزيين وكذلك الصفيح، وتكون بالالوان الثابتة بالجملكة، كما تبطن من الداخل بالقطيفة حيث اصبحت عصرية أكثر مواكبة لتطلعات العصر. وأضاف مدثر أن هناك سَّحَّارات تأتي من الدول العربية خاصة السعودية والصين وباحجام صغيرة لوضع الاوراق المهمة والمجوهرات. وذكر أن السَّحَّارة المصنعة محلياً أكثر متانة وبمقاسات مختلفة تلبي طلب الزبون. ويمضي مدثر في القول إلى إن ا?سَّحَّارة قديمة قدم التاريخ، وهناك صورة مشهورة تحتوي على مقتنيات الرسول «ص» من المكحلة والحذاء والسيف، ومن ضمنها كانت سَّحَّارة السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها. واضاف قائلاً: «حاليا رجعت السَّحَّارة وتزايد الطلب عليها، حيث تأتي ضمن «شيلة» العروس وتوضع عليها العطور والكريمات» وذكر مدثر ان السَّحَّارة موجودة بالمعرض وتتراوح اسعارها ما بين 250 الى 450 جنيهاً. وقالت ناجية أبو القاسم وهي من دولة ليبيا، إن السَّحَّارة توجد في بلادهم بنفس الشكل والمسمى، وتدخل ضمن قائمة الأشياء التراثية، إلا أن وجودها في ليبيا كثير جداً، حيث توضع فيها لوازم فصل الشتاء من البطاطين وملابس صوفية، وتتميز بالحجم الكبير مثل الثلاجة الديب فريرز.