لولوة الخاطر.. قطرية تكشف زيف شعارات الغرب حول حقوق المرأة    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    مدير شرطة ولاية القضارف يجتمع بالضباط الوافدين من الولايات المتاثرة بالحرب    محمد سامي ومي عمر وأمير كرارة وميرفت أمين في عزاء والدة كريم عبد العزيز    توجيه عاجل من"البرهان" لسلطة الطيران المدني    جبريل إبراهيم: لا يمكن أن تحتل داري وتقول لي لا تحارب    حركة المستقبل للإصلاح والتنمية: تصريح صحفي    برقو الرجل الصالح    مسؤول بالغرفة التجارية يطالب رجال الأعمال بالتوقف عن طلب الدولار    لماذا لم يتدخل الVAR لحسم الهدف الجدلي لبايرن ميونخ؟    مصر تكشف أعداد مصابي غزة الذين استقبلتهم منذ 7 أكتوبر    هيومن رايتس ووتش: الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها ارتكبت جرائم ضد الإنسانية وتطهيراً عرقياً ضد المساليت.. وتحمل حميدتي وشقيقه عبد الرحيم وجمعة المسؤولية    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    مقتل رجل أعمال إسرائيلي في مصر.. معلومات جديدة وتعليق كندي    توخيل: غدروا بالبايرن.. والحكم الكارثي اعتذر    النفط يتراجع مع ارتفاع المخزونات الأميركية وتوقعات العرض الحذرة    النموذج الصيني    غير صالح للاستهلاك الآدمي : زيوت طعام معاد استخدامها في مصر.. والداخلية توضح    مكي المغربي: أفهم يا إبن الجزيرة العاق!    ضمن معسكره الاعدادي بالاسماعيلية..المريخ يكسب البلدية وفايد ودياً    الطالباب.. رباك سلام...القرية دفعت ثمن حادثة لم تكن طرفاً فيها..!    بأشد عبارات الإدانة !    موريانيا خطوة مهمة في الطريق إلى المونديال،،    ثنائية البديل خوسيلو تحرق بايرن ميونيخ وتعبر بريال مدريد لنهائي الأبطال    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل مصري حضره المئات.. شباب مصريون يرددون أغنية الفنان السوداني الراحل خوجلي عثمان والجمهور السوداني يشيد: (كلنا نتفق انكم غنيتوها بطريقة حلوة)    شاهد بالفيديو.. القيادية في الحرية والتغيير حنان حسن: (حصلت لي حاجات سمحة..أولاد قابلوني في أحد شوارع القاهرة وصوروني من وراء.. وانا قلت ليهم تعالوا صوروني من قدام عشان تحسوا بالانجاز)    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    الجنيه يخسر 18% في أسبوع ويخنق حياة السودانيين المأزومة    إسرائيل: عملياتنا في رفح لا تخالف معاهدة السلام مع مصر    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    الولايات المتحدة تختبر الذكاء الاصطناعي في مقابلات اللاجئين    الخليفي يهاجم صحفيا بسبب إنريكي    كل ما تريد معرفته عن أول اتفاقية سلام بين العرب وإسرائيل.. كامب ديفيد    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(56) شمعة على يناير ( 56)..! لماذا فشلت الدولة الوطنية ..؟!
نشر في الصحافة يوم 01 - 01 - 2012

لا جدال في انها شمعة مختلفة التي نطفئها هذا العام بمناسبة حلول الذكرى (56) على ميلاد بلادنا « السودان» وانعتاق شعبنا من ربقة الاستعمار. فهذه الشمعة باضوائها الخافتة ستحملنا شئنا ام ابينا الى جوانب مختلفة من تاريخنا الوطني الممتد منذ لحظة ان رفع الازهري ورفاقه علم الاستقلال فوق سارية الحاكم العام، وانتهاء باللحظات العصيبة والمظلمة التي نعيشها الآن، والتي القت بكلكلها فوق ارجاء البلاد. وتحمل هذه اللحظات ايضا اسئلتها التي لا تنتهي، حول كيف بلغنا هذه المرحلة، ولماذا فشلنا فى اختبار بناء الدولة الوطنية وارساء م?الم الهوية السودانية، ثم ذهبنا لنعلق فشلنا هذا على مشجب الآخرين. ونحن من حقق المستحيل حين انتزع استقلاله واجلى مستعمريه قبل اغلب دول المحيط العربي والافريقي. فهل الدولة السودانية الماثلة الآن هى الحلم الذي دفع ثمنه رواد الحركة الوطنية، واراقت من اجله، صفوف متلاحقة من المناضلين دماءهم النفيسة وبذلوا حياتهم رخيصة، ذلك السؤال يتجدد الآن، ولكنه ليس كما كل عام.
ليست دولتنا
ولم يتبقَ من جيل الاستقلال بالكاد احد، فربما ارادة السماء كانت بهم ارحم، لئلا يشهدوا معنا ما نشهده فى مثل هذا اليوم، لكن من بقى منهم يقف صارخا بالامس، ويقول ل» الصحافة»: لا.. هذه ليست الدولة التى رفعنا علمها، وكافح من اجلها الجميع فى ذلك الزمان. ثم ينتصب السيد محمد مراد ليواصل حديثه معنا بغضب: انا لا ارى الآن اي شئ مما ناضل لاجله رواد الحركة الوطنية، او مما عملوا لاجله وتعبوا!. ومراد ممن عايشوا ميلاد الحركة الوطنية وساهموا فى بنائها، وهو ايضا ممن كدحوا لتنال البلاد استقلالها، وشخصت ابصارهم لحظة ان رفع الع?م الثلاثي الالوان لاول مرة فى القصر الجمهوري، وللمره الثانية مساء ذات اليوم فى منزل الازهري.
ولان القطب الاتحادي الكبير مراد لا يغشاه فى مثل هذه السنوات ما يشعره بفرحة حقيقية، فان يوم الفرح الاكبر والاوحد عنده كما علمنا هو يوم تجدد ذكرى الاستقلال المجيد. يقول محمد مراد « ان هذا اليوم عظيم.. عظيم، لان الفاتح من يناير يمثل فرحة الشعب السوداني الكبرى، ويمثل نضال السودانيين ضد التسلط والاستعمار والهيمنة والعبودية». ويشير: هذا اليوم يذكر بتطلعات الشعب فى يناير 1956، ونقول لمراد: وما كانت تطلعات السودانيين فى ذلك اليوم البعيد؟، يبتسم و يمضي: حياة سعيدة!، ثم حرية وديمقراطية وان تكون بلادهم فى مقدمة صفوف?البلدان الاخرى قوية الارادة عزيزة المنال. ويرسل محمد مراد تهانيه الحارة للشعب السوداني بحلول ذكرى الاستقلال المجيد، ويقول عن عظمة هذه المناسبة» هذا العيد دون شك عيد الحرية والاستقلال وجلاء الاستعمار من ربوع البلاد والعمل المجيد الذي قام به الشعب السوداني مجتمعا»بخاصة المرأة السودانية التي كان لها قسط وافر جنبا الى جنب مع الرجل بل انما كان لها القدح المعلى في مسيرة النضال من اجل نيل الاستقلال .
سؤال الدولة الوطنية..!
ولكن ما الذي حدث، وما الذي دفع الى فشلنا فى انجاز مشروع الدولة الوطنية فى السودان، يذهب السيد محمد مراد الى تعليق مسئولية ذلك الفشل على رقبة التدخلات العسكرية والانقلابات التي تمت على امتداد تاريخ البلاد، ويقول « تدخلات العسكر فى السياسة هى سبب البلاوى كلها»، ويضيف» هى التي جعلتنا نصل الى هذا الوضع الغريب وغير الكريم بعد (56) من الاستقلال. وزاد: رأى الجماعة لا تشقى البلاد به رغم الخلاف، ورأى الفرد يشقيها» ويرى مراد ان التجربة الديمقراطية فى السودان لم تجد فرصتها بعد الاستقلال قط، مشيرا ان الانقلاب الاول ت? فى العام (58)، وان الديمقراطية لم تتح لها فرصة كي تبني السودان والدولة الوطنية حسب الخطة الموضوعة ووفقا للمبادئ السليمة التي كانت ستضع السودان فى مكانه الصحيح من العالم. ولا يعتقد محمد مراد بان رجال الحركة الوطنية ، وهم من جلبوا الاستقلال، كما يلفت يجب ان يحملوا اخطاء من سعوا للسلطة بشكل اعمى فدمروا مستقبل السودان، وعطلوا مسيرة بنائها ونهضتها، وحطموا احلام وتطلعات الشعب فى (56). وشدد مراد على خطورة تزييف الحقائق والتاريخ على وعي الاجيال المقبلة، لان البعض يتجه منذ سنوات الى ترسيخ فرية خطيرة باتهام النظام?الديمقراطي فى السودان بالفساد، سعيا من وراء تشويه صورته والتحلل من مسئولية خطاياه، ويقول مراد ان ان هذا الاتهام يوجه فى الوقت الذي حقق فيه هذا النظام اهم وابرز الانجازات التي تمت بعد الاستقلال. وان الشاهد على ما فعله هؤلاء الانقلابيون انفصال الجنوب وتآكل البلاد من اطرافها واحشائها ويقول بحرقة هذا ما حدث لوطننا الذي غنينا من اجله « جدودنا زمان وصونا على الوطن، على التراب الغالي الماليو ثمن». ويشدد مراد على ان رجال الاستقلال لم يخدعوا احداً كما يروج البعض، مؤكد على انهم عالجوا «مسألة الجنوب» بشكل ديمقراطي لا?ه قد جلس مع الجميع فى طاولة واحدة،وشارك الجنوب فى الانتخابات الاولى على مستوى كل المديريات» اعالي النيل، بحر الغزال، الاستوائية»، كما ساهم نوابه فى اعلان الاستقلال مع رصفائهم من كل انحاء السودان، بقلب رجل واحد، وانهم كانوا ايضا ممن بادروا بالمناداة باعلان الاستقلال من داخل البرلمان. ولم يبرح السيد مراد هذه المحطة قبل ان يضيف: رجال الحركة الوطنية لم يمارسوا اي نوع من الخداع مع الاخوة فى الجنوب، وتصويت الجنوبيين للاستقلال تم بارادة حرة وصورة ديمقراطية ، وزاد: لم يكن هناك قط تأثير تضليلي عليهم، ولقد ساهموا مع?الآخرين جماعيا، كسودانيين،في الوصول الى لحظة رفع العلم. والدليل الذي يسوقه القطب الاتحادي الكبير فهو ان ابرز القيادات الجنوبية المؤثرة كانت تنتمي الى الاحزاب الوطنية مثل الوطني الاتحادي والامة والحزب الجمهوري الاشتراكي والجبهة المعادية للاستعمار، رغم توافر مواعين سياسية مناطقية كان من الممكن ان تحتويهم، مثل « كتلة الجنوب»، لكنهم كما يضيف «فضلوا ان يكونوا جزءا من الحركة السياسية القومية بتوجهاتها الاستقلالية الوطنية».
خلافات ماقبل الخلافات
ونستمع معنا ايضا الى د. عبدالله حمدنا الله الكاتب والمفكر، وهو من العقول التي لا نمتلك الا ان نقف عندها ونتكئ على مصداقيتها، لنفهم نحن والاجيال القادمة ماذا حدث. وما يقوله حمدنا الله ل» الصحافة» يتقاطع مع ما تفضل به السيد محمد مراد، فحمدنا الله يؤكد ان السودانيين كانوا مختلفين حول الاستقلال، وان الخلاف كان يدور حول اعلانه فى لجنة الحاكم العام وبين الاحزاب والافكار السياسية، ويدلل على ان لا احد كان يعلم فى الاول من ديسمبر (1955)، بان اعلان الاستقلال سيتم فى يناير من العام الجديد. وهو الذي يدفع بالرجل لان ي?ول: ان كانوا مختلفين حول الاستقلال، فما بعده اولى بالاختلاف. ويضيف» ان الفشل التاريخي فى بناء الدولة الوطنية ما بعد الاستقلال لهو نسخة للخلافات المستشيرة ما قبل اعلانه». غير ان حمدنا الله يصمت لبرهة ثم يعود ليزيد عبر الهاتف، اننا لم نصبر على بعضنا ولم نصبر على الديمقراطية، نحن كسودانيين لم نسع الى استقلال ذاتي حقيقي، ولو كنا فعلنا ذلك لما نظرنا الى الخارج قبل ان ننظر الى الداخل. والعبارة الاخيرة لعميد كلية الدراسات العليا بجامعة افريقيا العالمية تحتاج لتفسير، لا يتأخر الرجل عنه لكنه يشير اولا لدولة الهند ا?جوهرة الثانية فى مستعمرات صاحبة الجلالة اليزابيث الثانية، ويوضح انها على خلاف السودان اهتمت ب « ما يكتنفها من خلافات دينية وعرقية»، والتفتت الى الداخل اولا لتبني نفسها وتقوي نسيجها الاحتماعي، وتصنع رغم كل ما يكتنفها ديمقراطية راسخة. ولا يصمت الرجل، فهو يشير الى ما فعلناه نحن فى المقابل، ويقول: اما نحن فانشغلنا بالخارج، دون ان نلتفت الى الداخل، انشغلنا بحركات التحرر الافريقي وبالوحدة العربية، انشغلنا بمسألة الحياد، وبعد الانحياز، وتركنا « ادواء الداخل تنخر»، والنتيجة كما يردد ساخراً حمدنا الله:» لم نكسب كس?دانيين الخارج،ولم نحافظ على الداخل».
لسنا وحدنا
ولا يذهب د. عبدالله على ابراهيم الى لب السؤال مباشرة، فالكاتب والمفكر اللامع يقول ل» الصحافة» : طبعا لم نفشل لوحدنا، وعلى الناس ان لا يعتقدوا ان الفشل مرتبط ب»جينات سودانية»، فالدولة الوطنية مشكلة كبرى على الاقل في افريقيا، فمن حولنا لم يتقدموا كثيرا فى هذا الصدد. ثم ان هذا السؤال مطروح فى مواقع كثيرة، وربما في كل موقع في افريقيا. ويشير عبدالله على ابراهيم انه فى كل الحالات التي تم فيها الاستقلال، كان خروج المستعمر يتم على يدي جماعة قومية من بين قوميات اخرى متواجده فى ذات البلد، وان تجارب نيل الاستقلال ف? الدول المجاورة مثل كينيا وغيرها تدلل على ذلك. وان الاستقلال فى السودان تم على يد مؤتمر الخريجين او «الجماعة العربية المسلمة على النيل»، وان هذه الجماعة ،كما يؤكد عبدالله، كانت لسبب ما فى موقع يقود الحركة الوطنية لنيل الاستقلال، الا انها لم تعمل على استصحاب الجماعات الاخرى في الوطن، ومن نافلة القول فان من ابرزها من الوهلة الاولى كان وجود جماعة أخر اسمها» الجنوبيون». وهؤلاء، كما يلفت عبدالله على ابراهيم، ظلوا يرددون حتى قبيل الانفصال بقليل انهم لم يجدوا انفسهم فى جزء من صورة الوطن. اي انهم لم يشعروا بالموا?نة داخل هذا البلد. لكن النقطة الاساسية فى هذه القضية كما يستطرد الكاتب والمفكر في حديثه ل» الصحافة»هي ان الحركة الوطنية « او حركة الخريجين الوطنية كما يسميها»، فشلت فى استصحاب الجماعات القومية الاخرى ودمج ثقافتهم فى صورة الوطن، او صورة وطن يقوم على مبدأ المواطنة والندية. ويحمل عبد الله ما يطلق عليه « المحدودية الوطنية» للجماعة القومية التي حررت السودان من الاستعمار، اقصاء جماعات قومية كثيرة لم تجد نفسها فى هذا الوطن، ولم تجد بالتالي حقوقها في كثير من الاحيان، وهو ما ادى الى قرار بعضها بالانفصال .. وهو ما ?دث، ويحدث فى اول دولة وطنية فى افريقيا. ولم يقف الكاتب والمفكر عند هذا التحليل لاسباب فشل الدولة الوطنية، وتشظى الوطن، فقد حذر قائلا: بعض هذه القوميات ينتظر!؟. ويضيف ابراهيم ان هذا برأيه من اسباب فشل الدولة الوطنية، اذا ان هذه الدولة بنيت من ثقافة وارث جماعة واحدة، لم توطن ولم تستصحب الجماعات الاخرى على مبدأ المواطنة والندية. على ان عبدالله يزيد بالاشارة الى ان الجماعة القومية المعنية ادارت الاستقلال والبلاد ، وهي ليست حتى» حاجة واحدة». ويفسر ذلك بانها تضم قومية الخريجين، وقومية الحركة النقابية، وقومية ال?ساء. وان بين تلك القوميات ما بينها من نزاع وصراع. اي ان هذه الجماعة نفسها لم تستصحب معها كذلك اطرافها الاخرى مثل العمال والمزارعين والنساء. ويخلص الكاتب والمفكر الى ان الازمة ليست على الاطلاق « مسألة هامش ومركز». ويسوق ابراهيم دلائله على ذلك بالاشارة الى ان داخل المركز كانت توجد خلافات مقدرة، ما بين الدولة الجديدة والحركة النقابية، وكذلك قطاعات النساء والزراع، ويكفي ان اول ضحايا دولة الاستقلال كان «مزارعي جودة» فى العام (56)، الا انه يستدرك ليقول ان احداث (55) كانت مختلفة لانها كانت حركة عسكرية، فيما كان «?زارعو جودة» مدنيين يلاحقون حقوقهم. ويشرح ابراهيم ان تمترس هذه الفئة اخذ اشكالاً مختلفة، فقد بدأ بحركة الخريجين التي كانت علمانية، ثم انتقل الى القوات المسلحة فى الانقلاب الاول، فالحركة السياسية بعد اكتوبر(64)، ثم الى نميري لحد ان اصبح السودان دولة دينية صريحة، ثم عدنا الى الحركة السياسية، ثم جاءت في آخر مرحلة «دولة شمالية عربية قحة». ويخلص عبدالله علي ابراهيم الى ان الصراع فى الاصل هو صراع سياسي اجتماعي، اي ليس صراعاً بين المركز والهامش. ويبين: فهذا الصراع ايضا قائم في اطار المركز!، ويزيد « مسألة حل الحزب ?لشيوعي تقرأ فى هذا الاطار، فالحزب حل لان هذه المجموعة قالت انها لا تريد ان تنزعج بما يود ان يقوله هذا الحزب».
من المسئول..؟
ولا يمضي يوم ايضا دون ان تحمل جميع القيادات السياسية السودانية مسئولية فشل بناء الدولة الوطنية فى البلاد، ورغم ان هذا الاتهام اصبح يتداول كالكرة بين اللاعبين فى الساحة السياسية، فان تبعاته اضحت من العقبات الرئيسة امام تفاعل الشعب مع الاطروحات المختلفة الموجودة والعملية السياسية باكملها، اذ يذهب معظم المحللين السياسيين ان القبيلة فى السودان اضحت الآن هى الوحدة السياسية الغالبة، وان عملية الانتماء لوحدة حزبية ولت لتحل محلها رجعة بائنة الى الولاءات العصبية الاصيلة فى المجتمع والتي كانت في طريقها للاضمحلال بف?ل روح الاستقلال التي سرت اوساط السودانيين . ولا يستنكر ذلك الوضع المقلق محمد مراد اذ يرى ان القيادات السياسية الموجودة الآن فى المعترك السياسي امتداد للاوضاع القائمة، مؤكدا ان هذه القيادات ما هي الا ديكتاتوريات فى ثياب مدنية، وان العمل السياسي لم يعد يتحلى بالمبادئ واصبح يدور حول تحقيق المصالح الذاتية والخاصة ويعلي من شأن المكاسب الحزبية والطائفية والعائلية والاسرية، باكثر من اهتمامه بقضايا السودان او الشعب. واضاف مراد: ما يشوب العمل السياسي الآن لن يساعد فى اخراج البلاد من وهدتها، ولا يبشر بأن يحدث ذلك قر?با. وقبل ان نفارق مراد نهض من مكانه مسرعا ليحضر لنا وريقة مطوية، طلب منا ان ننشرها كي يعلم الناس كيف كان قادة الاستقلال ومن كان معهم، ومن هم قادة ما بعد ذلك، علنا نتبين ما يحدث للسودان الآن. والورقة التي قدمها لنا السيد مراد عبارة عن صورة لخطاب قديم من اسماعيل الازهري الى رجل الاعمال بشير النفيدي يطلب ازهري من النفيدي فيه عبر كلمات خجولة ولكنها واضحة تسليفه مبلغ (136) جنيه سوداني، مع وعد ببداية السداد منتصف العام المقبل، على ان الازهري اشار فى ذات الخطاب لدين سابق مستحق للنفيدي يبلغ (100) مع وعد ايضا بايف?ئه مع الدين الجديد. وتاريخ الخطاب يعود الى العام 1964 اي الى الوقت الذي كان يتنسم فيه الزعيم مقعد رئيس مجلس السيادة فى السودان!. وهو ما يعني ان بمقدور الرجل حينها كرئيس لمجلس السيادة ان يأمر مرؤسيه فيأتي ما يريد من مال، كما يحدث الآن. ولا يتركنا السيد مراد ايضا الا ان يعود بنا الى ذاكرة الرجال الذين قادوا السودان فى مراحل مختلفة ومنهم الشريف حسين الهندي، ويقول مراد انه كان فى منزل الشريف صبيحة احد الايام، فجاءت الى المنزل تظاهرة من الشباب الاتحاديين تحمل مطالب الى الشريف، وكان حينها وزيرا للمالية،وفحوى الم?الب التي استمع اليه مراد مع الوزير تتلخص فى تعيين عدد كبير من شباب الحزب فى الوزارة وغيرها تحت بند البطالة، فرفض الشريف مطلبهم بعد ان علم ان الكشوف التي يحملونها(16) كشفاً، لا تحمل غير اعضاء الحزب الاتحادي، امر مراد باتلاف هذه الكشوف ورميها فى سلة المهملات، ولقن الشريف بعد ذلك هؤلاء الشباب درسا فى الوطنية حين قال تحت مسامع محدثنا مراد: انا وزير لحكومة السودان، ولست وزيرا للحزب الاتحادي. ويضيف مراد قبل ان نغادر» هناك الكثير من النماذج المشرفة لرجال ذلك العهد الذي مضى، نماذج تبين معاني الوطنية الحقة، وتؤكد ا?مانهم بان السودان للسودانيين جميعا، وان الكفاءة كانت هي المعيار للترقي والتقدم، ليس الحزبية او الجهوية او المصالح الشخصية.
شعارات خاطئة
ويعود د. عبدالله حمدنا الله ليعبر عن قناعته بان المسئولية فيما حدث تتحملها كل الاجيال، لكنه يشير الى ان رجال الحركة الوطنية، برغم التضحيات العظيمة التي قدموها من اجل الاستقلال، كانت تنقصهم افكار ما بعد الاستقلال، وبرامج ما بعد التحرر من الاستعمار، ولهذا كان شعار اول حكومة وطنية خاطئا وهو « تحرير لا تعمير». ويبرر حمدنا الله ل» الصحافة» ما ذهب اليه بان لا تحرير بدون تعمير، وان خروج المستعمر» لا يعني تحرير الارادة الوطنية اذا كانت تعتمد فى مواردها عليه»، ويضيف عميد الدراسات العليا فى افريقيا العالمية: وهكذا ?والت اخطاء الشعارات، فقد جاء بعده شعار انقلاب عبود « احكموا علينا بأعمالنا»، وشعارات اخرى. على ان عبدالله حمدنا الله يعود في حديثه مع» الصحافة» بالامس الى التشديد على نفي مقولة شائعة ، وكانه يخشى ان تصبح حقيقة راسخة لدى الاجيال المقبلة، يقول الرجل موضحا ان مسئولية الفشل الذي لازمنا لا يتحملها جيل الاستقلال وحده، كل جيل لاحق مر على البلاد كان يمكنه ان يصحح اخطاء سلفه، ولكن هذا ما لم يحدث فلم يتلاف جيل ابدا اخطاء سابقيه.
سياسات الأنظمة
وقد لا يتلازم ذلك مع رؤية الناطق باسم الحزب الشيوعي يوسف حسين، وان تشابه فى الإطار العام لتحليل المسببات، فبرأيه وبالتالي رأى الحزب العتيد فان ما أضعف من جنيْ ثمار الاستقلال لمصلحة صانعيه، «سياسات الأنظمة التقليدية التي تعاقبت على كراسي الحكم».وان في هذا الإطار» تتحمل الأنظمة الدكتاتورية العسكرية التي فرضت على شعبنا نهج التبعية وسياسات التحرير الاقتصادي المسئولية الأكبر». وبين هذه الأنظمة يحمل يوسف حسين «نظام الإنقاذ» نصيب الأسد في ضرب الركائز والمقومات التي تحمل وحدة السودان على ظهرها». ويشير القيادي الشيوعي : لقد بلغت فترات حكم هذه الأنظمة (80%) م? سنوات ما بعد الاستقلال،وان نسبة إل (20%) المتبقية ، والتي هي فترات الديمقراطية الثلاث، كانت قصيرة ومتقطعة لا تتجاوز الواحدة منها 3 أو 4 سنوات تقريباً. وهذه لا تسوى شيئاً بالنسبة للفترات الطويلة للحكم الدكتاتوري التي كانت (6) سنوات ثم (16) سنة ثم (22) سنة على التوالي.
ديمقراطي أم لا..!؟
ولا تمر هذه المناسبة دون ان تعاد مراجعة التجربة السياسية السودانية برمتها، وليس غريباً ان تتلمس بعض هذه المراجعات موقع الشعب السوداني نفسه من المعادلة التي نجني ثمارها الآن،لكن اللافت ان تذهب بعض مراجعات الكبار الى تحميل الشعب نفسه مسئولية فشل الممارسة الديمقراطية فى البلاد. فهل نحن بالفعل شعب لا يصلح للديمقراطية، وان الديمقراطية عباءة لا تناسبنا حاولنا ان نتلبسها، فما نجحنا لانها تتعارض مع مكوناتنا الاجتماعية ومواعيننا المتوارثة منذ قرون؟. هل صدق السيد الصادق المهدي حين قال فى كتابه» تحديات التسعينيات» ،خطه الامام بسجن كوبر (89)، اننا فى حاجة لنوع محد? من الديمقراطية، ليس له علاقة بالديمقراطية التي مارسناها فى ( 53) و( 64) و( 85).
يبتدر الافادات هنا السيد محمد مراد، ومراد عاصر التجارب الديمقراطية الثلاث، وكان مرشح الاتحادي الدميقراطي فى الانتخابات الاخيرة بدائرة «بري»، الدائرة 28 الخرطوم شرق الآن، ورغم انه شاهد فى تلك المعركة الانتخابية اساليب لا علاقة لها بمفاهيم الديمقراطية والتنافس الشريف، فانه يهاجم بشدة كلا من يحاول ان يسبغ عجزه عن « ممارسة الديمقراطية قولا وفعلا، فى بيته وحزبه وعمله العام» على الشعب السوداني. ويضيف مراد: المشكلة فى هؤلاء القيادات هي عدم تجردهم من المصالح الشخصية والاهواء، والشعب برئ من ما ارتكبوه باسم الديمقر?طية، رغم انه وثق في قيادتهم وقدم لهم الفرص. بيد ان السيد مراد يعود ليعبر عن قناعته الشخصية الكاملة بان « الممارسة الديمقراطية لم تمنح الفرصة، ليطور الشعب والقيادات السياسية معا من قدراتهم على فهمها والتعامل معها». ولا ينتظر عبدالله حمدنا الله ان نكمل عليه هاتفيا طرح ذات السؤال، فقد قاطع « الصحافة» ليرد بسرعة بالقول: هذا كلام غير حقيقي بالمرة.. هذا غير حقيقي تماما!»، مضيفا ان الشعب السوداني ديمقراطي بطبعه، فهو متسامح ومتجانس مع ذاته وهما من دلائل توفر شروط الديمقراطية. ويشير عميد كلية الدراسات العليا بجامعة?افريقيا العالمية ان من ما يدعم ذلك، انه حتى المجتمعات القبلية السودانية تقوم على عقد اجتماعي غير مكتوب، ويتمثل فى ان يحترم « شيخ القبيلة» كل افرادها ويلي كلامهم التقدير، وان لم يفعل ذلك فلن يستمع اليه احد. وان هذا ما يفسر وجود مجالس الشورى والاجاويد التي تتدارس فيها المجتمعات القبلية ما يهمها. ويزيد حمدنا الله : الا يفهم من ذلك ان الشعب السوداني ديمقراطي بطبعه!؟. اذن اين المشكلة، ولما فشلنا فى الممارسة السياسية للديمقراطية، مما استتبع عدم انجازنا لمشروع الدولة الوطنية رغم مرور(56) عاما على استقلالنا من الا?جليز؟. يرى عبدالله حمدنا الله ان المشكلة الاساسية تكمن فى ان الشعب السوداني لم تتح له الفرصة لكي يمارس الديمقراطية، وهو يتفق في هذا مع ما ذهب اليه مراد، لكن حمدنا الله يضيف ل» الصحافة»:» حتى التجارب القصيرة التي تمت كانت سمتها النقصان، اي ان ما مورس هو « الديمقراطية الناقصة»، وهي ناقصة ،بحسب حمدنا الله، لانها كانت سياسية وابتعدت عن الديمقراطية الاجتماعية!. ويفسر الرجل بقوله: لن تتحقق الديمقراطية السياسية بدون مسايرة الديمقراطية الاجتماعية، كما انها لن تتحقق على مستوى الانتخابات والحكم، حتى تتحقق داخل الاح?اب نفسها!؟. ويرد د. عبدالله على ابراهيم بقوله ان اتخاذ جماعات لهذا التفسير لفشل التجربة الديمقراطية لهو « تبسيط سخيف».ويضيف ابراهيم ل» الصحافة» : لا .. ابدا، طالما طالب الشعب بحقوقه وخرج ثائرا لمرتين، فهو يمتلك ثقافة ديمقراطية. ثم ان الشعب السوداني كما يشير ابراهيم خرج اكثر من مرة ليسمع صوته بانه لا يريد ديكتاتورية ولا استبداداً، ولا يريد بالخصوص ان يسيطر صوت واحد، فكيف يتهم بعد ذلك!؟.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.