لقد عشت جزءاً من «الإشكال» الذي ساهم في رفض د. عبد الحميد كاشا تولي أمر ولاية شرق دارفور بحكم إنتمائه إلى دارفور وإلى الدائرة الأضيق التي ينتمي اليها عبد الحميد كاشا، والحقيقة أن تقسيم ولاية جنوب دارفور، خاصة بعد إنتخاب كاشا والياً عليها، أثار كثيراً من اللغط في كيفية تنحي كاشا المنتخب، وأذكر قبل سبعة أشهر تقريباً إستنطقتني صحيفة «الأحداث» حول الأمر فكان ردي الآتي أولاً: أن الأمر ليس أمر ولايات جديدة وإنما الأمر هو كيفية إعادة الوئام والسلام لدارفور، والولايات تقسيمها لم يكن في يوم جزء من الأزمة، ولكن ما دام الوالي إنتُخب بواسطة الشعب على زعم حزب المؤتمر الوطني، فلا مناص من أن يبقى الوالي المنتخب في منصبه ويتم إختيار واليين آخرين للولايات المنشقة بشرط أن لا يترشح هو لمنصب الوالي بعد الفترة المؤقتة التي يتولى خلالها إدارة الولاية، وعندما سألني المحرر في إنتهاء شرعية الوالي بتقسيم ولايته، قلت إن الرئيس عمر البشير إنتخب والجنوب جزء من الوطن وإنشطر الجنوب وبقى الرئيس هو الرئيس. ورفض عبد الحميد الآن لتولي أمر ولاية الضعين ينطلق من هذه النقطة التي لم يجعلها سبباً أساسياً لرفض الولاية، ولكنه تحدث عن فروع الأزمة كعدم التهيوء النفسي لإدارة الولاية، وإشكالاته السابقة مع الوزير علي محمود، وتخوفه من ملف الجنوب الدولة المجاورة لولايته. رفض عبد الحميد أثر سلباً على فرحة المواطنين بانشاء الولاية ولقد كنت بالأمس معهم في الضعين، وعندما قلت لقد عشت جزءاً من الإشكال فقد كنت الاسبوع الماضي عندما صدر قرار التعيين للولاة في غرب ووسط وجنوب وشرق دارفور، وعرفت أن عبد الحميد رفض المنصب الجديد، واجتمعت معه بأكثر من ثلاثين شخصاً لإقناعه، ولكنه ثقفنا بقضيته التي وجدنا فيها كثيراً من الموضوعية والصدق مع النفس والناس ولكن حجتنا أن قراراً جمهورياً قد صدر، والقرار كالطلقة، إن خرجت من البندقية، أو كالطلاق إذا خرج من لسان الرجل، فلا معالجة في الوقت الحاضر إلا بالنفس الطويل، الذي لم نجده في عبد الحميد رغم طول قامته المديدة والحمد لله، أعتقد أن هناك تطوراً ديمقراطياً حصل لتركيبة عبد الحميد كاشا، الأمر الذي لم يواكبه حزبه، فمثل هذا السلوك يكون عند الأنظمة الديمقراطية وليست الأنظمة الشمولية أو ديمقراطية نصف رباط، عبد الحميد يعلم أن نظامه ليس كثير الشورى لأعضائه، ولقد طبق عليه هذا الأمر شخصياً أكثر من مرة، لذلك كنا نتعشم أن تنطوي هذه الصفحة بسرعة تقديراً لهذه الولاية الجديدة الحدودية، مع دولة جارة مشاكسة وبلد تتكدس فيها آلاف الأسر النازحة سواء من شمال دارفور أو شرق برام أو حتى من جنوب السودان، بلد غنية بأهلها ومواردها ولكنها فقيرة فقراً مدقعاً من دولتها وحكوماتها المتعاقبة، خاصة الإنقاذ الاطول مدة بقاءً، ولم تفعل إلا حشد الناس في الحروب وعندما تغمد السيوف لا يتذكرها متذكر ولا في حرب قادمة لاحت سيوفها كالبرق لذلك كنا نتعشم في الإنقاذ أن تتشاور أولاً مع واليها الجديد وتستشيره لا تسوقه كفحل الضأن «الحُر» من زريبة إلى أخرى وهذا ما أثر بشدة في نفسية عبد الحميد كاشا. طبعاً. الإنقاذ لا تعتقد أن أي شخص يرفض مثل هذا المنصب، وكل ما في عقليتها أن اللعاب يسيل من كل رجل وإمرأة لمناصبها، وإذا كان الأمر كذلك لماذا نستشير؟ ولكن عبد الحميد «الرزيقي» لقنها درساً لن تنساه، مع اختلافي معه في مبدأ الرفض بعد إصدار القرار الجمهوري، إلا أني أُشيد بأمانته مع نفسه ومبادئه الوليدة. الإفراز السيء الذي ولدته مواقف عبد الحميد الأخيرة، هو بروز الخلاف العلني بينه وأخيه وزميله وزير المالية علي محمود عبد الرسول، عرفنا أن الحركات المسلحة يمكن أن تختلف لأنها دخلت الغابة وربما يكون قانون الغابة هو الذي يحكمها فقه الضرورة، إذا إختلف قادتها، ويمكن لقبائل دارفور أن تختلف للجهل المطبق الذي فرضه عليها المركز، وضيق الموارد، وفقدان هيبة الدولة مع الإنفراط الأمني، ولكن ما بال شخصين مغمورين في بداية عهد «الإنقاذ» ثم فاضت عليهما الإنقاذ بخيراتها حتى غطهما العسل إلى أذنيهما، فمال بالهما لا يتحملان النعمة، بدأت خلافاتهما من نقة صغيرة في تنافس في الترشيح لولاية جنوب دارفور، وحُلت المشكلة بأحسن حلول إنقاذية هذا تولى أمر الولاية، والآخر تولى ولاية خزائن الأرض وباطنها في الدولة السودانية، ماذا يريدان أكثر من هذا، وأسأل علي محمود مباشرة لماذا هذا الإيغال في رجم إبن العم ألا تعلم بالمثل القائل إذا إبن عمك قتلك لا بد أن يجرك إلى الضُل حتى إذا كان جُثة. ألا يكفي أن تكون أميناً على عبد الحميد كما أنت أميناً على أموال الولاة الآخرين، إن عبد الحميد تحدث إلى خاصته عن مرارات ذاقها من ولاية علي محمود على المال العام، ولكن الأمر المدهش أن عبد الحميد نجح نجاحاً باهراً في جنوب دارفور، رغم النقص المادي بشهادة الجميع، فإذا كان الأمر كذلك، لماذا لا يتركوه هناك نسبة للنجاحات التي حققها لحكومته، ويختار أي من السودانيين لولاية شرق دارفور الجديدة، لا سيما أنها فترة مؤقتة يختار بعدها والي بالإنتخاب. من هنا يتضح تماماً أن الحكومة لا تريد إستقراراً في دارفور ولا يحزنون، إلى متى يفهم منسوبو المؤتمر الوطني من أبناء دارفور هذا الدرس؟! إن من أبحديات علم الإدارة أن النجاح يصنعه الأشخاص ومتى وجدت شخصاً صنع لك نجاحاً، تتركه فيه إلى حيث اكتمال مهمته ثم أن من أبجديات علم الإدارة أن الشخص الناجح يُرقى إلى أعلى وليس إلى أسفل وولاية الضعين بالنسبة للنجاح الذي حققه عبد الحميد كاشا في نيالا فهي الإنحدار إلى أسفل، الأمر الذي فهمه عبد الحميد ولم يبح به إلى أحد. الآن «الإنقاذ» فتحت لنا جرحاً بدأ بنقة وسوف ينقلب إلى زوال نعمة، ويا ليت هذا الزوال وقف عند عبد الحميد وعلي محمود، وإنما ألمح من بعيد شرارات قبلية تزكى بقصب «الدرت» ونُحذر كل ألقى السمع وهو شهيد، أن الرزيقات والتعايشة بريئون من هذه النقة براءة الذئب من دم إبن يعقوب، وإنما الإشكال هو في قيادة المؤتمر الوطني لأعضائه، وإستغفاله لهم، ولا علاقة لدارفور والقبائل بهذه الصراعات، كفانا الفينا والفينا مشهودة..!!