لأول مرة أجد نفسي متفقاً مع الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة،التي تبنى بعض رموزها في الفترة الأخيرة مواقف متشددة في قضايا لا تتطلب ذلك، وظل يوزع فتاوى التكفير والاستتابة يميناً ويساراً، وانتهجوا خطاباً يفرق المسلمين ولا يجمعهم، ولم ينتج ذلك إلا أحداث العنف وحرق الأضرحة والقباب والاستقطاب بين الطوائف الدينية، وما جرى في ميدان المولد بأم درمان الأحد الماضي ليس ببعيد. اتفق جملة وتفصيلاً مع موقف الرابطة من الأحداث في سوريا ، وأعتقد أنه يصب في مصلحة السودان حكومة وشعباً ويشبه السودانيين الذين يكرهون التسلط والتجبر واسترخاص قتل النفس والإذلال. فقد دعت الرابطة الحكومة السودانية، إلى تنفيذ حزمة من المطالب بشأن الأوضاع بسوريا من بينها سحب ممثلها في بعثة المراقبين، الفريق محمد أحمد الدابي، والتحقيق الفوري معه في ما سمته التواطؤ مع النظام السوري ومساندته. ودعت أيضاً إلى طرد السفير السوري من الخرطوم، وأن تعلن الحكومة رسمياً مساندة الشعب السوري ضد نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، الذي وصفته بالطاغية، وقطع العلاقات كافة مع الأسد. وعابت الرابطة، في مؤتمر صحفي الأحد الماضي، على الحكومة التأخر في مناصرة الشعب السوري، مؤكدة أن موقفها يخالف تطلعات السودانيين في نصرة المظلوم، ودعت جميع الدول العربية إرسال قواتها إلى سوريا لدعم الجيش الحر، ووصفت الدور الذي يقوم به فريق المراقبة العربي بأنه بائس وأنه يعمل على تحسين صورة نظام الأسد. وأكدت أن تصريحات الفريق الدابي منذ تقلد مهامه تدل على التواطؤ ومساندة بشار ضد الشعب الأعزل، مطالبة الحكومة بتحسين الصورة الشائهة التي خلفها الفريق الدابي. ودعت جميع الدول العربية أن توقف التعامل مع النظام السوري، وأكدت عدم كفاية تعليق عمل بعثة المراقبين، بل طالبت الدول بإرسال قوات إلى سوريا لدعم الجيش الحر. برافو يا رابطة العلماء ، هذا موقف صحيح وينطلق من ضمير حي يساند المظلومين،وما لم أفهمه حتى الآن موقف حكومتنا من الفريق الدابي الذي لطخ سمعتنا وعفر وجوهنا بالتراب،وهو لا يعي أنه يسود تاريخ وطنه وشعبه بوقوفه مع نظام فاسد يقتل شعبه ولا يفرق بين صغير وكبير ورجل وامرأة وطفل،نظام خائب يوجه أسلحة جيشه إلى صدور عارية بدل أن يرسله إلى الجولان لتحريرها من الاغتصاب الإسرائيلي،نظام فقد مقومات بقائه وشرعيته ولم يعد له إلا شرعية القتل والسحل،فهل مطلوب من الدابي أن يبرر ما يجري. ولم يأت اتهام الدابي بالتواطؤ مع نظام الأسد من المعارضة السورية والمجلس الوطني والشعب السوري فحسب ، بل حتى أعضاء بعثته، فها هو أنور مالك، العضو السابق في بعثة المراقبين العرب الذي استقال احتجاجاً على تدهور الأوضاع وعدم نزاهة البعثة. وقال مالك وهو صحفي جزائري : "إن العنف في سوريا تصاعد في الأيام الثلاثة الأخيرة، بالرغم من أنه متصاعد منذ اليوم الأول، الذي وصل فيه المراقبون إلى سوريا". وأضاف: "بل مرت مراحل أكثر سخونة مما جرى أخيرًا، فيما يزعم الدابي في تقريره أن الأمور هادئة"، وأكد مالك أن "الأخطر هو تواصل الكذب، وجعل المراقبين بين نارين". وتابع: "يجب أن تعترف الجامعة العربية بالحقيقة، وتفضح الدابي وتقاريره المتواطئة، ويجب إقالة نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية على هذه الورطة ". ينبغي على حكومتنا أن تستعجل سحب الدابي، ويكفي خسارة أخلاقية وسياسية، الشعب السوري الصامد في وجه الطاغوت والجبروت سينتصر بإرادته حتى لو خذله الأقربون وبعض بني جلدته، لكن معركة بهذه الشراسة الداخلية والتجاذب الإقليمي والدولي قد تؤدي إلى تفجير سورية وإغراقها في حرب أهلية مديدة، وهو ما لا يجب أن نكون طرفاً فيه.