ماحدث في «هجليج» لن يكون نهاية المواجهات بين الدولتين المنفصلتين حديثاً، ففرضيات الواقع وماجري تحت جسر الشهور التي مضت منذ اعلان دولة جنوب السودان الوليدة يكذب ماذهب اليه المحللون ويرمي بسيناريوهاتهم الي قارعة الطريق، فالحرب التي حذر من عودتها اكثر من طرف في الدولتين واعتبرها الرئيس البشير ان وقعت ستكون بمثابة السيناريو الاسوأ لفقدان البلاد جزء من اراضيه وخسرانها السلام، اذن ما خافه الجميع هو الان سيناريو المرحلة. لكن قبل كل شئ لنتمعن هذه الكلمات بدقة لخصوصية قائلها «الافتراض الجوهري لاتفاق السلام الشامل لم يتحقق وها نحن نخوض حربا رسمية مع دولة الجنوب علي الحدود» هذا الحديث قاله غازي صلاح الدين العتباني احد مهندسي اطار اتفاق السلام الشامل او ماعرف باتفاقية ميشاكوس، ويمضي العتباني في حديثه امس بمركز التنوير المعرفي ويضيف ان التحدي الامني عقب الانفصال يعود الي عدم تطبيق الاتفاقية بسبب غياب الضامنين الدوليين. قبل ان يعتبر ما يجري اختبارا لقدرات الصمود بين البلدين وحرب موارد، لكن عدد المراقبين للمشهد بين الدولتين ينظرون الي ما يجري الان يقف خلفه الاستحقاق الداخلي لكل دولة وفشل انظمتها في الايفاء به بجانب الملفات الشائكة بين الطرفين والتي تتعلق بالحدود ومناطق النزاع، ففي اخر تقرير حذرت منظمات دولية عاملة بالمنطقة من ان النزاعات المحدودة بين البلدين يمكن ان تقود البلدين الي اتون حرب مفتوحة لا يعرف لها نهاية، الان الخرطوم التي تحاصرها مطالب المبعوثين بضبط النفس والعودة الي طاولات الحوار لاتملك سوي اجابة واحدة «لاتفاوض قبل استعادة هجليج» ذات المطالب الاممية او التي حملها مبعوثو الدول تبعث لها جوبا باجابة واحدة «أبيي مقابل هجليج» وهو ما قاله الرئيس سلفاكير غداة احتلال قواته للارض السودانية، ومابين تجهيزات الخرطوم واستعدادات مقاتليها وحملات الاستنفار والتعبئة التي اعلنتها وتمسك جوبا بعدم مبارحة الارض يعتبر المراقبون ان مهمة اعادة الاطراف الي التفاوض في العاصمة الاثيوبية اديس ابابا باتت في غاية الصعوبة،رغم عصا المجتمع الدولي التي اعلنها مجلس الامن داخل جلسته امس الاول ونيته في تقديم مشروع قرار لمعاقبة الدولتين . في الاثناء ينتظر ان تكون طائرة المبعوث الخاص للرئيس الامريكي برنيستون ليمان حطت بالخرطوم ليل أمس، لينخرط الرجل في لقاء المسؤولين بالدولة بعد زيارة مماثلة قام بها الرجل الي جوبا والتقي فيها سلفا كير. زيارة ليمان التي سبقتها رسالة واحدة وجهتها الولاياتالمتحدةالامريكية للطرفين في دولتي السودان وجنوب السودان والتي كان مفادها «نحن بحاجة لوقف العنف فورا وبدون شروط وان يعود الطرفان الى طاولة المفاوضات برعاية الاتحاد الافريقي» حسبما اعلن ذلك المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية مارك تونر وزاد عليها بأن ليمان سيدفع بذات المطالب التي ابلغها لسلفا عند لقائه المسؤولين في الخرطوم. لكن الخرطوم عشية زيارة ليمان المرتقبة اعلن فيها الرئيس البشير ان لا تفاوض قبل اعادة الاراضي السودانية وتابع اما سقوط جوبا او الخرطوم، بيد ان موقف المعارضة السودانية التي طالبت بسحب الجنوب لجيشه وتمسكت بشمالية هجليج تري ان العودة للتفاوض هي المخرج من نفق الأزمة وشدد رئيس حزب الامة الصادق المهدي علي ضرورة العودة الي التفاوض وانهاء العنف فورا. زيارة ليمان التي ينتظر بدايتها للخرطوم ليل أمس ،سبقتها دعوات السفيرة الأمريكية لدى الأممالمتحدة سوزان رايس التي شددت على ضرورة أن تسحب دولة جنوب السودان قواتها من منطقة هجليج ،وهو ذات الموقف الذي جدده تونر في مؤتمره الصحفي ،بضرورة انسحاب قوات الجنوب من المنطقة في الوقت نفسه طلب من القوات السودانية وقف القصف الجوي داخل الجنوب ،الامر الذي نفته الخرطوم . غير ان محاولات التهدئة الأمريكية لم تكن الوحيدة التي عرضت على طرفي النزاع فقد سبق وصول ليمان الي عاصمة الجنوب عقب مغادرة وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو بعد قدومه من الخرطوم و أجرى مباحثات ماكوكية واخبر الصحفيين ان مايقوم به لم يصل مرحلة المبادرة ، واضاف لازلنا نتلمس المواقف لكن تصاعد المواجهات بين البلدين دفع بمجلس الأمن الى اصدار بيان رئاسي نهاية الاسبوع المنصرم وطالب الطرفين الى ضبط النفس وحل الأزمة عبر التفاوض. وبينما يستمر القتال المتواصل بين الطرفين لاتزال الجهود الدولية محلك سر دون تقدم ملموس فالجنوب اعلن بقاءه دون تحرك في وقت تجهز الخرطوم من قدراتها لاستعادة الاراضي. لكن المتتبع لتحركات الخرطوم في ادارتها للأزمة يلحظ انها اتخذت شكلين فالمواجهة العسكرية واستعادة الاراضي السودانية امر اجمع عليه الجميع ، لكنها حركت الدبلوماسية للعب دور اخر فالمطالب التي تقدم بها مدير ادارة العلاقات الدولية بوزارة الخارجية السفير عمر دهب امس في مؤتمر صحافي بمباني الوزارة ونادى فيها بدور مجلس الامن الدولي ليقوم باعبائه والزام الدولة الوليدة بالانسحاب الفوري من الاراضي السودانية قبل ان يتحدث عن امكانية فرض العقوبات على الطرفين، واضاف «لانرى فرصا لتدابير اخرى دون انهاء الاحتلال» وسبقه اعلان وزير العدل محمد بشارة دوسة اعتزام حكومته مقاضاة دولة جنوب السودان، مشيراً في ذات الوقت الى قانونية مقاتلة قوات الجنوب بعد اعتدائها على منطقة هجليج . في مقابل هذا الحراك المحموم على كل الاصعدة سياسيا ودبلوماسيا وقانونيا لتلافي تحقق السيناريو الاسوأ فان الطرفين يمضيان قدما على خط التصعيد فقد اعلن الرئيس البشير مساء امس ان السودانيين موعودون باخبار سارة خلال ساعات قليلة مما يعني ان القوات المسلحة على وشك احراز تقدم في الميدان العسكري، وايضا اعلنت دولة الجنوب على لسان كبير مفاوضيها انها بصدد اعلان اخبار سارة للجنوبيين متعلقة بأبيي مما يعني ذات النتيجة.