٭ لقد كتب د. عبد اللطيف سعيد في مقاله الأسبوعي بجريدة الصحافة العدد 0666 بتاريخ 31/2/2102 مقالاً مهماً عنونه (الترابي والصادق إصطدما بصخرة التضامن النيلي فتحطما) لقد لخص كل الحقب التاريخية للسودان الحديث في حوالي اربعمائة كلمة تقريباً، تاريخ لاكثر من مائة عام للسودان حصره عبد اللطيف فيما يعرف بحكم التضامن النيلي، واستدل بالوثائق التاريخية الدامغة، واكد ان هذا التضامن النيلي هو الذي اسقط الدولة السنارية وبعدها الدولة المهدية، وهو الذي اسقط الصادق ومن بعد اسقط الترابي. حقيقة هذا الكلام كبير جداً خاصة اذا صدر من شخصية في علم ومعرفة د. عبد اللطيف سعيد، وفي وسطية د. عبد اللطيف سعيد في سلوكه وفكره وجغرافيته قلت ان هذا الكلام كبير، ولكنه ليس بجديد، فقد ظلت الالسن تلوكه والاقلام تكتبه والصحف تسطره سنين عددا، ولكن السؤال من من جاء هذا الكلام هذه المرة؟ من عالم، عليم ببواطن كثير من الامور، لجغرافيته التي ينتمي اليها، وهى منطقة الجزيرة، ومن عرقيته، والتي اقرب الى هذا التضامن النيلي، إلا أنه قال في مجمل حديثه عن هذا التضامن.. أن التضامن يتشدد في الابقاء في جوهره دون مساس حتى انه لا يعترف بمن ها جرمنه الى مكان آخر، فالترابي والصادق من هناك، ولكن الهجرة المتقادمة افقدتهما عضوية هذا التضامن اليقظ، انتهى. ومن هنا يحس الانسان الذي يقرأ ما بين السطور ان عقبة عبد اللطيف تكمن في انه جزء من هذا التضامن، ولكن هجرته الى الجزيرة افقدته العضوية كما افقدت الجزيرة ابا وام درمان، الصادق والترابي شرف نيل هذه العضوية كما ذكر ذلك عبد اللطيف في سياق مقاله. ومن تحليلات الدكتور في هذا المقال ذكر ان التضامن النيلي لا يعتمد على الكفاءة الشخصية ولكنه يعتمد على التعاضد والتكاتف وواصل الدكتور حديثه قائلاً، فاذا راجعت كل قائمة أعضاء هذا التضامن لا تجد شخصاً واحداً له ما للترابي أو الصادق من مميزات شخصية. إذن الدكتور شرح القضية السودانية والتي إمتدت لاكثر من قرن من قول موجز لا تتعدى كلماته اربعمائة كلمة كما قلت، لا فض الله لك فاهاً ولا اسكت الله لك حساً ولا كسر لك الله قلماً يا دكتور عبد اللطيف. لقد ظللنا (ننبح) لسنين ان مشكلة السودان تكمن في هذه الفئة التي نخرت في عظم الوطن حتى بترت جنوبه، اكلت لحم الوطن والشحم حتى وصلت العظم فكسرت ثلثه، ولا زالت تتشبث وتلتهم في بقية البلاد ولكن للاسف كلامنا غير مسموع لأنه جاء من الهامش البعيد كمن يؤذن الذي في اسفل الجبل راجياً ان يسمعه الذي في قمته، اللهم إلا ان يجيبه رجع الصدى، أما اليوم فقد قال ذلك من هو اقرب لقمة الجبل، فلابد من ان تسمع كلماته، والسؤال هل سيستمر الدكتور على هذا المنوال الفريد ويواصل الطرق في هذا الموضوع القديم المتجدد، ام سيسكت؟ لا سيما ان اتصالات كثيرة قطعاً ستكون قد جرت معه بعد كتابة هذا المقال والامر قد جاء من احد علماء منطقة الجزيرة، التي فقدت ردحاً من الزمن الشخصية المحورية التي يمكن ان يلتف مواطنوها حولها، وهل سيصبح دكتور عبد اللطيف بهذا الفكر مانديلا الجزيرة؟ إذن النار ستكون قد دخلت الحوش الاول اذا إعتبرنا الحيشان ثلاثة تيمناً بأغنية صلاح بن البادية وهو ليس ببعيد عن المنطقة التي همشها هذا التضامن أيما تهميش، حتى الموظفون يستوردون لها من خارجها، وهم ومشروع الجزيرة كالعير تحمل الماء وقاتلها الظمأ. هذا التضامن النيلي، أو كما سماه وزير الاعلام الحالي في مقابلة سابقة في جريدة الوان بالنيليين، وآخرون سموه مجموعة الجلابة، او غير ذلك من المسميات، اوقد ناراً في قلوب الجميع حتى وصل الامر بأحد من أبناء الجزيرة العقلاء والتي تمتد اصوله اليهم يقول مثل هذا الكلام. ماذا بقى اذن؟ إن ما اراحني في هذا المقال أنه اكد ما ظللت اقوله، و رغم انه برأ الصادق والترابي من الإنتماء الى هذا التضامن، إلا ان معظم الاحزاب التاريخية ظل معظم اعضائها يعانون من هذه الجرثومة العرقية، والتي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بالنتنة، هذا النتانة يشتمها البعض وكأنها عطر عود الصندل، للغشاوة التي غطت الجوانب المشرقة في أجهزة الشم. أما واني لا اختلف مع الدكتور عبد اللطيف في مبدأ التجمعات الجهوية التي حكمت السودان، إلا اني اميز تماماً ما بين أهلنا النيليين من ملتقى النيلين وحتى الحدود مع مصر، والمجموعة الانتهازية التي تدعو بإسمهم وتدعي انها تسعى لحماية بيضة قوميتهم وديانتهم، هذه نقطة هامة جداً لابد ونحن نتناول مثل هذه المواضيع فصلها من قضية الإنتهازيين، فالمواطن السوداني في كل مكان في هذا البلد، مواطن طيب اجتماعي يحب الآخر ولا توجد فيه مثل هذه الارواح الشريرة، وبالطبع أهلنا الذين يقطنون جوار النيل بضفتيه لا علاقة لهم بمثل هذه التجمعات الخبيثة، وحتى هم فيهم المهمشون الذين يشتكون لطوب الارض ظلماً وتجويعاً وفقراً مدقعاً، وما إنكفاء الحلفاويين على أنفسهم إلا تعبيراً ورفضاً لهذا الظلم، وان إعتكاف المناصير في رئاسة ولاية نهر النيل إلا تعبيراً عن لفت الانظار على الظلم الذي وقع عليهم، وان شندي عاصمة الجعليين تعاني تخلفا كاي مدينة سودانية اخري ،اذا الي من يقدم التضامن النيلي خدماتة ؟ كنت قد ناقشت احد مواطني هاتين الولايتين اللتين تقعان على النيل وقلت له ما معنى هذه المشاريع التي نهضت بها المنطقة؟ رد علىَّ هذا الرجل بقول اذهلني ان هذه المشاريع ليست لهم وإنما الارض بيعت لأجانب وحتى يقتنع الاجانب بالحضور، لابد من إنشاء بعض البنيات التحتية، اذن مواطن هذه الولايات هو ايضاً واقع في حرور هذا التضامن النيلي، إذن السؤال ما هى هذه المجموعة؟ هى مجموعة من المثقفين والمتعلمين الذين بادر آباؤهم بتعليمهم ليكونوا ذخراً للدين والوطن واذا هم يقلبوا الطاولة على وجوه الجميع، هؤلاء ليس وحدهم لهم ادوات يستغلونها في كل انحاء الوطن، جعلوا منهم سلالم يتسلقون بها الى القمم. فهؤلاء مشاركون في جريمة تخلف الوطن، تقتيل المواطن، تقسيم البلاد، في جعل الوطن في دونية دول العالم اجمع، ليس التضامن النيلي وحده مسؤول عن كل هذه الفظاعات، وإنما بنونا الآخرون مشاركون في هذا الجرم العظيم منذ ما قبل الاستقلال والذي اصبح استغلالاً، وحتى يومنا هذا. هل من توبة؟ اقول لهم، اولاً النتائج التي وصلنا اليها بفعل هذه السياسات اكدت ان النقاء الدموي لن يعمر الارض وإنما يدمرها، وان العرقية لا تحمي الدين وإنما تطمسه، وهذا بالدلائل التاريخية الدامغة، إذن لابد من الجلوس مع النفس، ومحاسبتها، قبل محاسبة الآخرين، وأن الدكتور عبد اللطيف لاشك انه حاسب نفسه بعد ان توصل لهذه النتائج واحس انه مساءل دينياً ودنيوياً اذا لم يرح ضميره بالذي قاله، قطعاً انه ليس بعيداً عن هذا التنظيم بدليل انه قال فاذا راجعت كل قائمة أعضاء هذا التضامن.. إذن هو يعرف قائمة اعضاء التضامن، وشخصي الضعيف رغم جهدي وهو جهد سابق لعبد اللطيف إلا اني لم اعثر على هذه القائمة ولكن بقرائن الاحوال أفهم واعرف الكثير، فمحاسبة النفس أهم من كل محاسبة، مع علمنا التام أننا عجزنا في خلع هذا التضامن من سدة الحكم، ولكن الله لا يعجزه شئ في السماء والارض، ولكن قبل الوصول لتلك النهايات، يجب على هذا التضامن مراجعة مشروعه، فالنار دخلت الحوش الاول وهو واحد من الترياقات المضادة التي ظلت تحمي هذا التضامن في لحظة غباء او عاطفة جياشة، وقبل ان يكون عبد اللطيف مانديلا الجزيرة ارجو ان يكون واحداً من اعضاء هذا التضامن مانديلا السودان، او جورباتشوف السودان كما ذكر حسن محمد صالح في مقاله القيم، (وحلاً باليد ولا حلاً بالسنون).