٭ الثقافة السياسية في الوطن العربي عرفت برقيات التأييد للانقلابات العسكرية من نوع (أضربوا بيد من حديد على الخونة والمارقين). ٭ ولعل قصيدة محمد مهدي الجواهري، الذي رحل في (السابع والعشرين من يوليو) من العام 1997م، لعل قصيدته التي كتبها عقب انقلاب العميد بكر صدقي في العراق العام 1936م، والتي وجهها إلى رئيس وزراء حكومة الانقلاب حكمت سليمان تعتبر أوضح مثال على ثقافة بيانات التأييد. ٭ قال الجواهري مخاطباً حكمت سليمان: أقدم فأنت على الإقدام منطبع وأبطش فأنت على التنكيل مقتدر وثق بأن البلاد اليوم أجمعها لما ترجيه من مسعاك تنتظر فحاسب القوم عن كل الذي اجترحوا عما أراقوا وما اغتالوا وما احتكروا للآن لم يبلغ شبر من مزارعهم ولا تزحزح مما شيدوا حجر فضيّق الحبل وأشدد من خناقهم فربما كان في إرخائه ضرر ٭ والمعادل السياسي لهذه القصيدة التي تبدو جميلة هو أضربوا بيد من حديد على الخونة والمارقين. ٭ وشاعرية الجواهري متفق عليها وإن كانت مواقفه السياسية محل خلاف، فالجواهري الذي مدح عبد الكريم قاسم ، هو ذات الجواهري الذي مدح الملك فيصل. ٭ وعلاقة الجواهري بانقلاب صدقي تجاوزت برقيات التأييد إلى لسان الحال الناطق، حيث أصدر جريدة أسماها (الانقلاب)، ويبدو أن الجواهري كان واضحاً جداً فلم يسم جريدته (الثورة) أو (الانقاذ) أو خلافه فسماها (عديل) الانقلاب. ٭ ولكن بعد سقوط حكومة حكمت سليمان سارع الجواهري إلى تبديل اسم (الانقلاب) باسم جديد هو (الرأي العام) وبهذا أصبحت الرأي العام نسخة مخففة من الانقلاب. ٭ الجواهري جمع في راحة اليد الواحدة ما بين الماء والنار، كما كان يقول عن نفسه، ولد في مدينة النجف الأشرف بالعراق في العام 1899م، وكان مقدراً له أن يكون شيخاً معمماً لكن بركان الشعر اقتلعه فنذر له نفسه باكراً. ٭ عمل في بداية حياته معلماً في المدارس الإبتدائية ثم استقال ليصدر جريدة (الفرات) وهو الاسم الذي أطلقه على أول مولود له، وكانت (أبو فرات) هي كنيته المفضلة. ٭ والجواهري شاعر غزير الإنتاج لم يترك مناسبة وطنية أو قومية إلا ولاحقها بقصائده، ولم يترك قرضاً من إلا وطرقه رغم رأيه السييء في شعر الغزل. ٭ روى سعيد عقل حواراً له مع الجواهري قال فيه سعيد: أصعب الشعر شعر الغزل.. فعلق الجواهري مهللاً: إن الشاعر هنا يكون معرضاً إلى ملامسة الدعارة ، والشعر أبعد شيء عنها. ٭ ومع ذلك له قصيدة في بداياته يقول فيها: جربيني من قبل أن تزدريني وإذا ما ذممتني فاهجريني ويقيناً أنك ستندمين على أنك من قبل كنت لا تعرفيني ٭ رحم الله الجواهري الذي رحل عن هذه الفانية.. ٭ وبارك الله، فيما تبقى من (الرأي العام) و(الانقلاب).. واضربوا بيد من حديد على الخونة والمارقين..