ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك        أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    شاهد بالفيديو.. لاعبون سودانيون بقطر يغنون للفنانة هدى عربي داخل الملعب ونجم نجوم بحري يستعرض مهاراته الكروية على أنغام أغنيتها الشهيرة (الحب هدأ)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    الدردري: السودان بلدٌ مهمٌ جداً في المنطقة العربية وجزءٌ أساسيٌّ من الأمن الغذائي وسنبقى إلى جانبه    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    مدير المستشفيات بسنار يقف على ترتيبات فتح مركز غسيل الكلى بالدندر    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



متفرقات
نشر في الصحافة يوم 13 - 03 - 2012


إبراهيم العوام
الفنان التشكيلي البروفيسور حسين جمعان القادم من الزمن الجميل، زمان أن كان التشكيل شامخاً بالعطاء المتسامي على ظروف الازدراء بانجازات وضعته في مقدمة الركب الساعي للعالمية والتميز والأصالة عن جدارة وتفوق. هذا الجيل الذي كابد واعطى واعتصر ذاته منفتحاً على التجارب العالمية الحديثة ومنكباً على البحث عن ذاته وخصوصية ناسه وأرضه، في أصالة تتأتى عن ادكار عفوي واعٍ بخصائص تراثه الموغل في التاريخ المتواصل والمتطلع إلى فجر صباحات جديدة وإنجازات متفوقة.
وحسين جمعان مع روعة ما قدم إنسان ذو شخصية محببة جذابة في حلاوة مزارع كسلا وخضرة جنائنها وحنين سواقيها ونضارة الضوء المتلألئ على جبال التاكا. وهو إنسان رقيق متقد العاطفة، شاعري النظرة للحياة، محب لكل ما هو جميل، متواصل تواصلاً خفيف الواقع مع الآخرين، ومع ذلك فهو صاحب مسيرة متفردة العطاء يسلكها وحيداً وبخياراته، ويسير بقناعاته الخاصة كأنما هي أقدار مقدرة عليه في رحم الغيب، ولذا فهو متميز جداً في أساليبه وخياراته، ينتقل من مرحلة إلى مرحلة بأناة من يستنفد الامكانات ويستوفى الرؤى.
عمل جمعان بطبيعة تخصصه قرافيكياً، واتخذ من الحفر على الاسكريبر بورد بداية أمره متكأه الأول، مسحوراً بالأبيض والأسود مثلما فعل أستاذه أحمد محمد شبرين، ولكنه ما استهوته حروفية معلمه فسلك مسالك انبثقت من تنوع معالجات سطح اللوحة، كاشفاً في تفاصيل المساحة الدقيقة عن نضارة انبعاث جمالي ممتع يتفجر من تحت سنان أقلام حفره في لحم اللون الأبيض المتغطي بالأسود الصامت، فيتبرج الضوء ويتوالد بالرؤى المتنوعة وينطق بعوالمه المثيرة، وفي الذهن زوايا رؤية تاج السر ومنظوراته المستحدثة.
ثم حين أثرى قاموسه برموز وتوليفات عدة أدخلها في عوالم شخصياته للكائنات من إنسان وحيوان ونبات، أعطاها كينونات كأنها صدى الرموز لموروثات من حضارات إفريقية قديمة لم تستثن في تقصٍ متأنٍ لعالم اللون الذي لم يكن غائباً أبداً عن ذهنه، بل ظل مدخوراً في إيحاءات رؤاه مهموساً لما أرخى السمع وهو خبير. وعندما تقصَّد اللون عالجه بتمكن العارف، مضيفاً بعداً كان غائباً، فانبرى عن رؤى ذات جدة وإدهاش متوافقاً في نمنمات ذات حس تجريدي زخرفي في احتفائية مهرجانية، وأحياناً تقترح عوالم تنفك رموزها بالخيال المجنح.
هذه المرة يجيء معرض الفنان حسين جمعان بالمركز الثقافي الفرنسي فيعرض «38» لوحة (19 كبيرة ومتوسطة الحجم و12 اسكريبر وواحدة أبيض وأسود صغيرة). أما الاسكريبر فهو نمطه المعروف ومدخور رؤاه وتجربته الاساسية، وأما تلاوينه فهي تنوع عظيم يستمد من تجربته الاسكريبرية، وقد زادتها الألوان رؤى ذات جدة ومعالجات أكسبتها نضارة الحس اللوني الشديد الرسوخ والنضج اللوني والتصميمي القرافيكي المتسق المنظور المقرر بتأكيد متقصد لا صُدفية فيه، بل هو مروض بالخبرة والتجربة، بل أن خيوله ذات لجُم في اليد والمهماز يستحث بلا انفلاتات مبعثرة المقاصد والصدفة متوغلة في حرفية مجودة.
لوحاته الكبيرة معظمها مربعة الشكل (80*80 سم و70*70 سم) وهكذا، والشكل المربع تبناه كثير من التشكيليين منهم البروفيسور شبرين وأحمد عبد العال في أغلب أعمالهم وآخرون، وهو حجم فيه صرامة وربما يفترض نوعاً من السمترية، وجمعان يحرك تلك الصرامة ذات الثبات (الاستاتك) بأستاذية واقتدار، ثم يتخذه منصة إطلاق لتجديد هندسي إسلامي المنحى بنمنمة لونية ذات حس حديث منمق وجذاب يمثل خروجاً معتبراً من تشخيصيته الجذابة التنوع، إلى تكرارية ذات حس لوني لافت دقيق المعالجة، كأنه احتفالية لذلك الخُروج والتخلص من محمولات حواديته المعهودة إلى آفاق لونية مستعصية خاصة في لوحتين أعطاهما هارمونية باللون الأزرق ذات عمق يلامس أوتار اللون المجرد المتخفف من محمولات الحواديت، والذي يتخلل في الوجدان فيعطي شعور ذا أحاسيس بلورية صافية المنابع تفتح الأبواب للغة تشكيلية صرفة تماماً كلغة الموسيقى تلمس أوتار اللون المجرد الذي يفتح كوىً في القلب لتندفق ينابيع المشاعر المنبعثة من القلب والفؤاد. وتلك قلوب تعقل وتلك الهارموني الزرقاء لا تسعها مواعين لغة الحروف والجمل مهما كان ميل الانجذاب إليها.
والخروج المتفلت خطر ارتياده صعب مرتقى السيطرة عليه، يجيء عند أستاذنا الصلحي من تقطيع الحروف وتجزيئها، وبالحرفة الفائقة الأداء يمتطي صهواتها ويروضها لمراميها. وقد حدد مهرب الخروج قبل أكثر من ثلاثين عاماً في تلك الدائرة التي عزف عليها تقاسيم هندسية مستعيناً بالخطوط المستقيمة، واضعاً أساس فنه التجريدي الحالي الصعب. فكان رباناً ماهراً في قلب الأنواء حتى أحكم سيطرته التامة و «ساسق» بين الخروج والأناة بمقدرة المعلم وبقهر عنصر الزمن بأن أخذ براحه حتى وصل إلى فضاء التجريد العريض بتوفيق لفن هو من تراث وروح تدينه، والذي سطا عليه قراصنة أصبحوا هم سادته عندما حطت سفنهم في شمال إفريقيا، فاكتشفوا كنوز الفن الإسلامي حين سفر لهم قصور فنهم فأحرقوا أشرعة تراثهم، وركبوا سفن اليقين يقين الفن في أحسن صوره. وهو عند أستاذنا الصلحي دقيق في أحكامه مسدد في حقيقته في جمالية صافية المنابع.
وكم من فنان في الحركة التشكيلية من يملك أسباب الخروج في ربع الطريق، ومنهم من تردد في منتصف الطريق، ومنهم من فك إساره من أغلاله ولكنه تمسك بما وصل إليه، وجعل يدور في منطقة البين بين.. محير أمرنا، أليس انطلاقنا في البدء كان تجريدياً.. تراثنا وفننا المتمحور حول الشرافة والأدوات الحياتية الفائقة النسج.
والبروفيسور حسين جمعان وقد مهد للخروج وارتقى الدرج، يقفز قفزة هائلة في تلك اللوحة التي أطلق فيها العنان للفرشاة، وقفز في قلب المغامرة وُثوباً وانطلاقاً لمرحلة جديدة هو لها، ومن حقه أن «يساسق» بين قديمه وجديده، وذلك حق مشروع.
لك الود والمنى الصديق البروفيسور حسين جمعان، وأنت تقود سفينة كلية الفنون بجامعة المستقبل عميداً.
العُري
مبارك الصادق
حتى الصبح لم تنم المدينة، مبهورة الأنفاس ظلت، دهشة لأحداث ذلك النهار العجيب.. آدم الديمراوي !! من هو ؟؟ وما أدراك ما هو؟؟
ذلك اللغز العجيب، صار بين عشية وضحاها، طرفة عين وانتباهتها إلى ما صار إليه.. لم يكن بينه وبين ذلك الحبل المجدول الذي يعني انفصال الاتصال، والنومة التي لا انتباه بعدها إلا ومضة او شهقة. فيفلت من ذلك كله ليصير الى ما صار اليه ؟؟ إنه لأمر عجاب أمر هذه الصيرورة التي لم يكن بها يحلم..
و.. وهو منذ البدء كان عجيبة العجائب، تناقل الناس مولده العجيب ذاك.. يوم أن كانت الشمس غزالة تركض في أدغال المغيب.. رقراقة أشعتها على صفحة الماء.. وأمه داخل المركب المبحر للعبور تكز على أسنانها.. يتفصد جبينها بالعرق.. ومن داخلها تنطلق أنة مكتومة لم تفلح في مداراتها..
المرأة الكبيرة قربها تسألها:
٭ أجي يا بتي !! بدوري تلدي جوة البحر ؟؟
أصوات الاستغاثات أطلقتها الحناجر، وحملتها أصداء البحر والحوريات «يا ناس الشرق هوى.. عوووك.. ألفونا بالداية أم بخت متوجعة»
وتقافزت أسماك.. وبرز تمساح أكد إبراهيم حجير أنه عشاري أوشك أن يطيح بالمركب ويقلب أسافلها أعاليها.. النساء أرسلن اعوالهن ذاك وما تركن من شيخ صالح لم يستغثن به.
والمرأة الطلقة لم تفلح في إخفات أناتها المرسلة.. والظلام أوشك على الإطباق بعد أن سقطت الشمس المدماة في جب بلا قرار !! النساء فردن ثيابهن واضطجعن الحبلى في قاع المركب بعد أن فرشن لها أجولة الخيش !!
« ها رجال.. أدونا سكين !!».
أمونة بت ود الفطين تجاسرت وتناولت سكين حاج أحمد.. وهبت نسمات مشبعة برائحة السمك.. ومن إبط التمساح فاح مسك عبق الأجواء.
المركب سابحة.. والمجاديف ما عادت على صفحة النيل تضرب.. واللحظة مترعة بالأمل.. والشاطئ امتلأ بالناس.. أهل الشرق تنادوا ليستقبلوا ابنتهم الحبلى.. وأهل الغرب خفوا ليطمئنوا على الزائرة التي أتت مجاملة، ومضت على نفسها متحاملة تكز على أسنانها من الألم !
ما أعجب ذلك الميلاد.. صرخ الوليد صرخات ثلاث ثم صمت، بعد أن اطل تمساح عظيم من فوق المركب فاغراً فاه.. بنت ود الفطين أطلقت زغرودة رددتها الأصداء..
وخرج الموكب يسير الهوينى على الرمال الناعمة، ووهج ذراتها يتوامض ويتلاصف كما الياقوت.. والأم يتلألأ في جبينها النجمي ألق السكينة الوادعة بعد زخات الطلق الموجعة.. وعجب الناس لسماء تلك الليلة الغريبة توهجت مجراتها بالنجوم التي تدلت كما العناقيد.. وجاءت المراكب تسوقها المجاديف تحمل طوائف من المهنئين..
في الصباح وشيخ الماحي يختم أوراده أسر النجوى لبعض أحبابه إن الغلام الوليد سيكون له شأن وأيما شأن.. وإن أمه قد عمدته واغطسته في الماء الجاري منقّى من الأرجاس والدنس.. فمثل أولئك المواليد هم الذين يحملون الأمانة.. بعضهم يشق منه الصدر، وبعضهم يأنس ناراًَ.. وبعضهم في الجب يرمى.. أو يلتقمه الحوت!!
ها هي الخواطر تتداعى فيها أحلام النبوءات، والأيام ماضية تسوقها مواكب الريح والغلام يشب عن الطوق ليس ثمة ما ينبي بالتميز أو التغيير مثله كما الآخرين، بل إن المرء ليلمح فيه ظلال التلاشي والانسحاق.
والزمن ماضٍ نحيل الفصول مجدبها، نسي الناس الديمراوى ابن الماء والسحاب.. كل ضرب في بيدائه وأخذ من شقائه بنصيب.. والزمن الشدة جاء.. حط على حين غرة ناخ بكلكله.. جفت بيادر العطاء.. وألم بالناس رهق المكابدة.. وعانوا من شظف العيش وبؤس الحياة.
وكانت لهم حياتهم وحيواتهم عندما كانت العصارات بالزيت تدور.. وحينما يدارت الدرت فيحصدون المسور.. ذرة رفيعة ترفع من شأنهم، وسمسم مسمون يسمو بهم.. يكتنزون منه زيت الولد، ويأكلون «أم جغوغة» ويتمسحون كركاراً يخرج أوجاع الجسد.. ويتقلبون في بلهنية الحياة حين يروي عطشهم عصير القصب السكري.
يدارت الدرت بالخيرات يأتي «تبشاً» و «دردقو» و «لوبياء» والضروع ملأى حليباً سائغاً، ولبناً متخثراً..
الشباب يبنون بيوتهم الجديدة قطاطٍ تتسنم ذروتها عراجين الزعف والنخيل فألاً مقبلاً بخيره الوفير.
فما بال الحياة صارت مدلهمة سوداء تدلق في أفواههم علاقم المرارة. وهم في التيه يعمهون.. حثيثاً يمضون نحو الخواتيم.
ورغم أنهم مضوا يحيون حياتهم بأمل أنّ الغد آت.. وأن السواعد خضراء.. وإن الأرض مازالت بكراً تحمل الخير في أحشائها.. وإنهم لن يستسلموا لليأس يعشش في رؤوسهم. ومع ذلك فوجئوا ذات صباح بحمر الملك تسير في الأسواق تجمع كل المعروض من مقاطع القماش والقنجة.. أثواب الدمور.. والمتارير والغواغي.. أكوام من الأقطان والمناسج.. لم تبق ثمة أكسية إلا تلك التي على الأجساد كانت.. والأيام تمضي.. وعلى الأجساد لم تبق إلا أسمال باليات !! صار معظم الناس يسيرون وبالكاد يتشمرون ما يستر العورة.
الشجن الأصيل أيام علاء الدين حمزة وأحمد زاهر والعاقب محمد حسن وزمن (الوداد) الجميل..
عادل مصطفى
يا تُرى ما هو اسمه الحقيقي ذاك الزمن الذي عاش فيه مبدعونا امثال علاء الدين حمزة وأحمد زاهر والعاقب حسن، وامتصوا من رحيقه هذا الابداع المعتق في الموسيقى والمزاج الصوفي والصافي والعبقرية الفذة في التعامل مع هذا المحيط الفني حولهم، وباخلاق ومهنية عالية رفيعة، وكثير من المبدعين والمتعلمين السودانيين كانت مليئة تطلعاتهم واشواقهم وآمالهم مع مكونات المجتمع والواقع الثقافي والفكري في ذاك الزمان الخلاق، مما اهل لخروج درر من الاعمال في مختلف الحقول.
هل هو فعلا زمن الوداد؟!!:
رغم ظروف حياتهم في ذلك الزمن، كانت الارادة والقدرة على العطاء عالية، وكأن هناك مغناطيسية خاصة مع الطبيعة لحشد هذا الكم الهائل من العطاء في الكلمات والجمل الموسيقية الغنية والمعبرة، كأنها صنعت وصيغت خصيصا لهذه الالحان، وباكتمال الثالوث الابداعي الذي يمثله الفنان حيث كان يعيش الكلمات ويهضم اللحن مثلما فعله اهله في الكلم واللحن وباضافة ابداعية وتجلٍ في الاداء حيث يضيف بصمته معهم، فكان الربط قويا جدا بين العبقرية وامتلاك المزاج الفني الصرف... ليمتعونا بهذا السهل الممتنع من الاغنيات الخالدة خلود هذا البلد.. لقد كانوا فعلا يمثلون ضمير الامة تعبيراً.
فمثلا لا حصراً عندما لحن علاء الدين حمزة رائعته المغناة (وداد) كانت من الاغنيات التي اضفت على كل ارجاء السودان بهرجا كرنفاليا من حيث الرشاقة الميلودية ببساطة لحنها المسبك، وزادت حلاوة وطلاوة بعذوبة الصوت المؤدي.
انا لست موسيقياً ولا ناقداً فنياً، بل من الممكن ان اعتبر نفسي مستمعاً جيداً للموسيقى بصورة عامة كمثل كثير من المستعمين النابهين. لذلك هذا الحديث نابع بالدرجة الاولى من محبة ومعرفة لهذا الرجل، والمام على كثير من صفاته الانسانية الاخرى التي بدونها لا يكون هناك فن مؤثر، فقد كان علاء الدين حمزة الصامت الذي يتكلم بصوت موسيقي عالٍ ولكنه يتحدث بأدب الهمس، ولذا كان هذا سر هذه الالحان التي غذى بها مكتبة الاذاعة السودانية من اغنيات ومقطوعات موسيقية مؤثرة قاد فيها الاوكسترا وعزف معها بكمانه، وكان نعم الموسيقي والقائد، غنت له مهلة العبادية وعائشة الفلاتية ومنى الخير وام بلينة السنوسي وثنائي النغم وأماني مراد وطيبة الهاشمي، وغنى له بهاء الدين عبد الرحمن (ابو شلة) وابو عركي والطيب مهران وعبيد الطيب والتجاني مختار وغيرهم كثر.
ليس بالضرورة ان يكتب في الموسيقى المتخصصون باكاديمية واحترافية وزحمة منا لمصطلحات العلمية الصعبة حتى نفقه انطباع الشجن العادي بها... فالمستمع العادي صاحب احساس مرهف واذن موسيقية لا تخطئ الجميل من الغث، فمهم أن نبسط له المفردات مثل بساطة الألحان التي استمتع بها بلا سذاجة، وانما اللحن الذي يدخل قلبك بلا استئذان.. ويخاطب مشاعرك ووجدانك بدون اية صعوبة في الاستيعاب. الميلودية المريحة التي كأنك صنعتها انت مع الموسيقى وتتوقعها وتدخلك باريحية وتوقعك للجملة القادمة انها ستكون هكذا حتى تتفاعل معها وانت جزء منها، فهي لن تغادرك وتستقر بأمان في وجدانك السودانوي لماذا نهرب من مثل هذا الفهم الراقي؟ ونعقد الحياة بقدر ما هي معقدة.. بل يفترض أن نكون إيجابيين ونصنعها نحن مع مبدعينا الذين اثروا حياتنا الثقافية فنياً بتحف قل أن يجود بها هذا الزمن (المرقمن) رقمنة صعبة المراس، وطبعا نريد ان ينسحب هذا الموقف على مختلف حقول الابداع في بلادنا حتى نستعيد جزءاً من ذاك الزمن الجميل الذي يستحق الاعجاب، وقد كان الغناء دوما هو واحة واستراحة السوداني من رهق الحياة وصعوباتها.
فالموسيقى هي أصلاً فن تنسيق الاصوات بصورة محببة للأذن، وعالم الألحان هو مساحة موسيقية تسبح في عالم نغمي ايقاعي تخضع فيه بنياته الداخلية الى مجموعة من القوانين جزء منها علمي والآخر فطري يتعلق بسلامة الفطرة وذكاء الفطرة الموسيقية كالسلم الموسيقي، الأبعاد، صحة أو نسبية الصوت، المقامات المستخدمة، الزخارف أو الحلية اللحنية ووحدة اللحن او تعدده، التنظيم الايقاعي، التأويل الصادق للاستلهام، الآلات... الخ.
فالمشكلة الآن حسب اعتقادي هي في أسباب هذا الخلط وهي عديدة اكثرها تخرج على نطاق الموسيقى، ولا يكمن جوهر المشكلة في الافتقار الى الحيوية الذاتية، وانما يكمن في عدم تلاؤم الموسيقيين والحياة الموسيقية مع التغييرات الاجتماعية، فإذن القضية هي العلاقة بين الموسيقى والمجتمع الذي يراد الارتقاء بذوقه تدريجياً دون قطيعة بين الماضي والحاضر بشفافية إحساس المُرسِلُ علاء الدين حمزة، بصرف النظر عن ثقافته العامة وموهبته الخلاقة.. فقد كان ملماً بصورة عميقة بلغته الموسيقية ومدركاً تمام الادراك لفكرته اللحنية التي يريد استخدامها لاثراء قطعته الموسيقية لحناً لأغنية كانت أو مقطوعة موسيقية حتى يتجنب اي نفور أو تناقض نشاز، فالشعر والموسيقى عالمان في عالم، وحين تتحد الكلمة بالنغمة تصيران تهويمة تشبه السحر تستقر فورا في الافئدة. او لا تجد مكانها عندما لا نوفق في اذابتهما مع بعض بعبقرية واقتدار. وقد كان علاء الدين موفقاً جداً في كل الاصوات الجميلة التي اختارها ووضع لها الالحان بذوق خاص ومقدرة فذة لا تعرف الصوت النشاز. يقول بعض الصوفية القدماء (يثمر الصوت الجميل حالة في القلب تسمى (الوجد) وكلمة الوجد تعبر عن حالة السامع لهذا الطرب بصوفية لا تنتفي، فالمحبوبة بوصفها رمز الانوثة والخصوبة الحبيبة الذات المليئة بالتشهيات المادية والروحية المرأة التؤام الند للرجل في إعمار الكون، والحق ان موسيقانا جاء ليجلو بفنه وموسيقاه والحانه الفذة يحمل صدى اسطوريا متراكما عن اوهام كونتها اجيال ازاء الحب في الغناء، ولهذا كان فنه دائما مواجهة واقع كان سائدا، غير أن هذه المواجهة كانت تتحرى الرقي في التعبير ومثالية شفافة، ولكنها كانت مغرقة بالحيوية والأمانة للروح الاجتماعية في الحب والتسامي.
إن ألحان علاء الدين تجولت عميقاً وبعيداً في الاسماع الشعبية، وهذا لا يحتاج الى قرائن موضوعية، والدليل على سر هذا الانتشار العجيب الطاغي لهذه الالحان على المستوى الشعبي وغيره، أنها معبرة عن احزان ومعاناة وضغوط تتلاقى في خط المطالب الشعبية الحادة، وتأتي تعبيراً شاملاً عن العواطف الملتاعة الدفينة الخازنة لتاريخ من الضغوط والاحتقانات. هذا الكم من التفكير الموسيقي قدم مثالاً ساطعاً على جدية الانفجار الحسي لأطروحات اعماق فنان يعاني ومأزوم انتج عملاً إنسانياً ونوعياً فيه روح المستقبل.. وقدم الدليل الاصيل على صدق ان الموسيقى ليست كسبا للعيش انما هي حاجة الحياة الاولى، وكانت قاعدته الاصالة في التجديد والابداع وتطورت بالشروط الصعبة.
فبناء الخبرة نحو هذه المجموعة من الوقائع وشطب الشكوك ازاء فاعليتها.. مهمات صعبة للذين اكدوا براءتهم في مسائل التأليف الموسيقي والغنائي، لأن هذه الوقائع هي التي تقودنا وبلا شك الى ذلك الامتزاج الرائع والعميق بين الغناء والموسيقى، بين الشعر واللغة.. في اطار العمل الفني الحريص على احتفاظه بخصوصية الشروط الفنية، فقد عانينا حالات ناقصة في العواطف والبناء والبحث عن المعنى والشكل الجديد للأفكار في صحوة جديدة للغناء والشعر بخبرات اعلى وبطريقة فذة ومستقلة من أجل فن عالٍ من الغناء نؤديه بسلامة في كل عناصره لحن، صوت، آلات ومهارة تقنية في العزف.
إن التطور الذي لامس موسيقانا الآن وقف عند الميلودي (النغمة المفردة)، وهذا الميلودي حوصر بصيغ جامدة، ولم يستطع حشد الآلات المشتغلة في حوار طريف ان يدفع هذا الميلودي خارج حدود البهرجة السمعية.. اذ ابتعدت عن صياغة اللحن المفرد في القوالب العلمية في ما يتعلق بالهارموني اوالكونتربوينت... ونتج جراء ذلك تضاؤل لانجازات الفنان الثمينة وتحول ابداعه الى تكرار لصيغ متشابهة.. فهل نستطيع القول إن ما نحتاجه قفزة؟! فعلى الموسيقيين الموهوبين التهيؤ بمهمات هذه القفزة وتحديد نوعها وارتفاعها.. فنحن المستمعون نريد تفعيل الكلام.
لماذا لا نكرم الموسيقيين مثلما نحتفي بالفنان الكبير المؤدي الذي قدم لساحة التغيير ما قدم. وهل هذا الذي اداه بمعزل عن الموسيقى الذي قدمه للجمهور بالحان واغنيات اهداها مبدعوها الموسيقيون لجمهورهم فأحبها الجمهور وتألف معها ورددها؟!
هناك زمن لمن أخلصوا في الوداد وزمن آخر لمن اخلصوا في العناد، ولا ندري نحن اي زمن نعيش؟ (لقد هرمنا) لنكتشف مثل هذه اللمحات التاريخية متمنين مخلصين ان يتملكها شباب هذا اليوم لايامهم القادمة حتى نخرج بالفن الذي يلبي طموحاتنا واحلامنا مهما كانت صغيرة او كبيرة ولكنها مشروعة وبعون الله..
تشكيلي
هل دبَّ الفناءُ على الإبداعِ في فنِّ الغناء
علي تولي
مر الفن السوداني بمراحل شكلت أساس الذوق العام بالاهتمام به .. من حيث الأشعار أولاً وما تحمله من أنساق في طبيعة النظم وشكله ومضامينه .. وأنساق الألحان وما بها من إيقاعات وسلالم ، وكما هو معروف أن الفن مرآة للمجتمع في كل زمان وفي أي مكان ، وللمتتبع لهذه المراحل يلحظ ما يطرأ على هذه الأنساق وبخاصة الشعرية وما تتضمنه من دلالات وأنساق لمفاهيم مختلفة.
إن المرحلة الأولى هي مرحلة الحقيبة على الوجه الغالب ، والتي كانت وليدة لأنماط فنية سابقة أملتها الأعراف الاجتماعية .. وشهدت أيضاً عصر التحدي للمستعمر فخرجت الأعمال في كل مكوناتها صادقة .. كما لم يكن الغناء عند الرجال في حفلات الأعراس في ما قبل الحقيبة متاحاً إلا في حدود ما يحفظ للرجل قيمته الاجتماعية وكرامته حتى لا يصبح مصدر سخرية في المجتمع ، فكان ما يعرف ب( الطنبور) ولا أعني الربابة كما يعرف الآن بل الطَنْبَرَة التي تعني ( الكرير) فهو نوع من الفن التطريبي كان يؤدى بواسطة جوقة من الرجال بواسطة الحناجر ويتم بإصدار أصوات رجولية عميقة وغليظة لأقصى حد تصل إليه حنجرة الرجل مع توافق في الإيقاع وحركة الأرجل وانسجامها مع التصفيق مع أداء بعض المنظومات الشعرية بصورة تبعث على الحماس والطرب ولا يزال موجوداًَ كإرث عند أهل شمال كردفان.
كما كان للدوبيت تأثيره القوي في انبثاق الكثير من الأنماط المنظومة .. يتجلى في شعر خليل فرح.. فهو بالرغم من بعده عن بيئة الدوبيت ولكنه بحكم اضطلاعه وتعلقه بالشعر كان خلاقاُ مبدعاُ .. وظهرت ملامح التأثير أيضاً عند العبادي وعند غيره من شعراء أغنية الحقيبة التي كانت المولود الأول لظهور الإبداع الغنائي، وكان بحقيقته إبداع لم يزل يمارس تجليه الفني الابداعي وتأثيره في نفوس المتلقين عبر الأجيال السودانية ، وظلت أغنية الحقيبة ملهمة لكل الشعراء مستفزة لكل المغنيين السودانيين.
ولما كان التجديد في الشعر والغناء يعني خلق أنماط حديثة في الإبداع الشعري والغنائي .. فقد حاول بعضهم إدخال الآلات الإيقاعية والغنائية شيئاً فشيئاً واظهرت هذه المعينات في الأداء براعة الأداء والتلحين وساهمت في تطوير المفردات وتوليد وابتكار انساق شعرية.. ظهر على سبيل المثال بعد مخاض من التجربة وتعاقب الغنيين فيها الفنان والملحن الكبير إبراهيم الكاشف الذي استطاع رغم أميته أن يتناول أرقى المنظومات الشعرية في زمانه وان يبدع في التلحين على أكمل وجوه الإبداع لديه فظلت أغانيه تمثل خطاً موازياً لما دفعت به الحقيبة من ابداعات وسار على نهجه الكثيرون، ولما لم يكن الثراء في التلحين مستحكماً فقد برع كل فنان بصوته المتفرد وأدائه المختلف وأصبحوا كالنجوم الزواهر في سماء الفن الغنائي السوداني بإبداعات جديدة، وهذه هي المرحلة الثانية، ولا غرو فإن النمطية والانطباعية قد سادت لما أصاب هذا الفن الحديث- الذي تمثله كوكبة من المبدعين من من عاصروا الكاشف ومن أتوا بعده- من ترهل وخلو من الابداع فأصبح المغنون يجترون ما ابدعه أصحاب المرحلة الأولى وهي الحقيبة، ومرحلة أصحاب الفن الموسيقي الحديث والتي انتهت ببعض الفنانين أمثال أبوعركي وبعض من تلاه من أصحاب الأعمال المتفردة في كلماتها وألحانها ممن لهم الملكة والمقدرة على الابداع : الموصلي ومجذوب اونسة وعبدالعزيز المبارك في السبعينيات مع تواصل إبداعات بعض الكبار منهم.
ولم يعد هناك في المرحلة الثالثة إن جاز تقسيمنا لهذه المراحل إلا فنان واحد يمثل هذه المرحلة فنان له تناوله المتميز في اختياره للأشعار ، وله ذائقته الشعرية وملكته في خلق الأنساق ذات التسامي في الألحان لا يشابهه فيها أحد سواه من مغنيي جيله أو من هم قبله .. وهو فنان غزير الانتاج ..لم يكن منبتاً أي منقطعاً عما قبله من الموروث الغنائي.. فهو إذا أدى أغاني من سبقوه كان جديراً بما له من ملكة ابداعية في تجويد الأداء والابداع الغنائي .. كان عالماً بفنون الأصوات وهندستها .. وهذا ما كان يحمل مآخذه فيما كان يراه من انعدام الهندسة التي تحترم الأصوات في السودان.. كان شفيفاًَ مع كل نص ولحن يتعامل معه، لم تر فيه شيئاًَ من التزمت أو الجفوة أو الانحراف عن جو النص الذي يقوم بأدائه بمعنى انه يتحكم في مجمل عمله الابداعي فيحكم انسجام أنساقه المختلفة ويطوِّع دلالات مفردات النص في سردياته السياقية على المستوى الافرادي والسياقي وسردياتها اللحنية، بل هو أقرب بروحه الابداعية من روح النص وأنساقه الإيقاعية الشعرية وفضاءات معانيها ودلالتها المتسقة مع الأنساق اللحنية.. بالطبع لم يخطئ أحد في معرفة من قدمت له.. نعم إنه الأستاذ الإنسان الفنان مصطفى سيد أحمد .. وأسجل في حقه هذه الشهادة في أنه يمثل مرحلة من مراحل الغناء بمفرده يملأ حيزها تماماً دون مزاحم له فيها .. فإن كان من ابداع سيظهر فسيكون في مرحلة رابعة إن جاز تقسيمي.. واعني مرحلة تأتي بعده .. وما نراه الآن على ساحة الغناء السوداني ما هو إلا اجترار لأنساق الألحان والكلمات التي كانت في المرحلتين الأولى والثانية أي مرحلة الحقيبة والغناء الحديث.. والتي لم ترقَ إلى مستوى الإبداع والتفرد .
ولا أذيع سراًَ إن قلت إن ما دعاني للكتابة في هذا الموضوع المهم هو سماعي للحن مشابه لألحان مصطفى سيد أحمد في أغنيته (علي بابك) ومشابه لبعض أساليب وأنساق ألحانه الأخرى احتشدت في اللحن المشابه لعلها لتعمية المشابهة الخالصة الصريحة وإن نجح اللحن في إثارة انتباهي حيث قام المغني عادل مسلم في أغنيته هذه التي سمعتها لأول مرة ولم أدر من صاغ كلماتها ؟ ومن ملحنها الذي قام باستدعاء بعض الجزئيات اللحنية من أغنية (علي بابك) التي ربما تم ذلك عنده عن طريق الإيحاء الشعوري لأن النص الشعري الذي قام بتلحينه يبدأ ب( علي كيفك) أي لعل الإيحاء الدلالي لعبارة (علي بابك) الخبرية الملغزة والمعجزة بوقوف نهارات الصبر عليها أن يتكئ عليها الملحن بعبارة يبتدئ بها اللحن المشابه أيضاً وهي عبارة حوارية منقطعة.. فهي كما قلت جعلته يتكئ على وسائد اللحن البديع الذي برع فيه الأستاذ مصطفى سيد أحمد ، ولو أنه قام بحمل اللحن في أنساقه ببعض الحيوية التي شدَّت انتباهي باستدعائه المباشر لألحان مصطفى التي حفظها له جمهوره فهي ألحان مليئة بالألحان الحية الزاخرة بالتسامي في سردية التركيب الأداء اللحني وأنساقه الإبداعية.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.