٭ اعترتني حالة من تأنيب الضمير وأنا أقرأ للكاتب الكبير الأستاذ البروفيسور محمد إبراهيم الشوش مقاله الراتب الرائع تحت عنوان «كتابنا أمام جدار الصمت!!» «الصحافة» بتاريخ 81/3/2102م. وسبب وخز الضمير هو إنني كنت السبب المباشر في استكتاب البروف الشوش لصالح صحيفة «الصحافة» ضمن تفاهمات أخرى معه نأمل أن يجد القراء ثمارها عما قريب بإذن الله.. واستعدت طُرفة الزوج الساذج الذي اصطحب زوجته الحامل الى مستشفى الولادة للوضوع، وبينما كانت الزوجة تصرخ من آلام الطلق كان هو يخبط رأسه بالحيط وهو يبكي ويصيح أنا السبب أنا السبب!! وذاكرة الشوش حُبلى بالأفكار والآراء السديدة وهو يطلقها بتؤدة وروية علها تصيب هدفاً.. وهي بالفعل كذلك.. ولا أخشى عليه أن يصيبه ندم الكسعى الذي ظن أن سهامه طاشت فعمد إلى قوسه فكسرها.. فلما تبين له غير ذلك صارت ندامته مضرب الأمثال.. ولن يكسر الشوش قلمه فقد أسمع وما هو بمسمع من في القبور إن هو إلا صاحب رأي يُشير الى مواطن الخلل والضعف حتى لا نقول الاعتياد والخمول!! ٭ قبل تشكيل الحكومة الطويلة العريضة وعندما كان يبشرنا أصحاب القرار بحكومة رشيقة القوام، كتبت سطراً أو سطرين في مقال لي ودعوت إلى إلغاء وزارة الإعلام بذات المفهوم الذي أورده البروف الشوش مفصلاً ومنقحاً ومزيّداً ومسنوداً بالأدلة والبراهين في المقال الذي كانت «الصهينة» نصيبه، لا لأن الشوش من الجاهلين.. حاشا لله.. ولا لأن مقاله كنباح الكلاب التي لا تؤثر في الجمال ولا المركبات.. ولكن لأنه بيجيب الهوا».. وهذه الأخيرة صحيحة.. وإن كانت غير دقيقة.. فالغاء وزارة الإعلام بجيب الكتَّاحة والسموم والعُصار والعُفار.. لأننا بحمد الله مولعين بشخصنة القضايا مهما كانت موضوعية وحيوية.. ولن يُنظر إلى الدعوة بإلغاء وزارة الإعلام أو أية وزارة أخرى إلا إنه من قبيل «الحسادة عديل كده» أو استقصاد لشاغلي الوزارة أو تصفية الحسابات أو غير ذلك.. وحتى أُسري عن البروف قليلاً أذكره بأن هياكل الوزارات القائمة يمكن أن تتقلص وتدمج في عدد أقل مما هو قائم حالياً، ولن يستغرب البروف إذا قلنا إن عدد الوزارات عندنا يكفي لعدة حكومات في دول أكبر حجماً وأكثف سكاناً من بلادنا.. والمشكلة يا بروف ليست في مهام الوزارة ووصفها الوظيفي.. المشكلة في الوزارة «ذاتها في رقبتها» ألم ترَ كيف تحولت هيئة الكهرباء إلى وزارة، وهيئة الطرق والجسور إلى وزارة.. وهيئة الاستثمار إلى وزارة.. وهيئة الأوقاف إلى وزارة.. وهيئة الطيران المدني إلى وزارة.. وهيئة المساحة إلى وزارة وهيئة السياحة إلى وزارة وانقسمت الثقافة والإعلام إلى وزارتين.. والتربية والتعليم العالي إلى وزارتين.. والطاقة والتعدين إلى وزارتين والتجارة إلى وزارتين وتحول التعاون الدولي من الاقتصاد إلى وزارة.. والبحث العلمي والتقانة إلى وزارتين.. والعون الإنساني إلى وزارة.. والصحة والرعاية الاجتماعية إلى وزارتين، وكل وزارة فيها وزيران ثلاثة إلى أربعة وزراء، ولا يعدم القائمون على أمرنا الحجة والحيثيات التي «حتّمت» زيادة عدد الوزارات، حتى إنني اقترحت «في ذات عمود» أن تنقل اجتماعات مجلس الوزراء إلى الساحة الخضراء.. أما الحكم الاتحادي الذي اعتمد بقصد تقليص الظل الإداري «حتى خلُّونا في الشمس». ٭ وبالعودة إلى موضوع البروف الشوش «وزارة تبحث عن هوية» فإن ما ساقه د. الشوش من حجج وأسانيد من واقع الحال الذي صار إليه الإعلام في العالم أجمع «أوله وثالثه»، يكفي لإعادة النظر في تسميه وزارة باسم الإعلام، دعك عن وصفها الوظيفي ومهامها.. وقد قطعنا نحن في بلادنا شوطاً مقدراً في الاتجاه الصحيح بجعل الأجهزة الإعلامية ذات شخصية اعتبارية مستقلة عن وزارة الإعلام تماماً، فهي تتبع للوزير لا الوزارة، ولها مجالس إداراتها المختصة والمعنية بوضع سياساتها والإشراف على تنفيذ تلك السياسات. وللدكتور غازي صلاح الدين وزير الإعلام الأسبق رؤية واضحة أعدّها عند استقبال الألفية الثالثة منذ عام 9991م يقترح فيها خصخصة جهازي التلفزيون والإذاعة، ودخول الحكومة في شراكة مع القطاع الخاص باحتساب أرضها ومبانيها ومنقولاتها، والاكتفاء بقيام هيئة للمرسلات تتحكم في الإرسال الأرضي والفضائي، وتنضبط الشركة بالموجهات العامة دون الدخول في تفاصيل المادة المرسلة، وسرعان ما غادر د. غازي الوزارة دون أن ترى رؤيته تلك النور.. وقد نكأ د. الشوش جرحاً منوسراً لم يندمل أصلاً.. ودون تبخيس لدور وزارة الإعلام والأجهزة التابعة لها، فإنها لم ولن تستطيع مجاراة الإعلام الغربي المعادي، والذي خسرنا معركتنا معه تماماً بأذرعته الأخطبوطية وأمواله المبذولة بغير حساب، ويكفي أن يظهر النجم الهوليودي كلوني مكبلاً بالأصفاد أمام سفارتنا في واشنطن، لينتشر نبأ جرائم الحرب وإهدار حقوق الإنسان في جنوب كردفان «كما يزعمون»، ولن يستمع منهم أحد لفضائية السودان ولا لإذاعة أم درمان، ولا لتصريحات الناطق الرسمي باسم الحكومة أو الجيش. ٭ كنا جلوساً على «البيتش» في مدينة «كان» الفرنسية عندما مرَّ علينا شيخ يقوده كلبه ويتوكأ على عصا طبية، فتوقف أمامنا وسألنا من أي البلاد أنتم؟ فقلنا له من السودان، فارتفعت حواجبه وصاح متأففاً «أووه دارفور!!» ولم نتمكن من إقناعه البتة بأن ما يعرفه عن دارفور من خلال الإعلام لا يمثل الحقيقة في شيء، ولكن دون جدوى!! وصديق لنا كان يستغل عربة تاكسي وهو يدردش مع السائق، فما أن عرف أنه من السودان حتى توقف وأمر الراكب بالنزول من عربته فوراً ودون أجر، لأنه لا يشرفه أن ينقل «قاتلاً!!» لأبناء دارفور.. هذا هو حالنا في نظر الإعلام الغربي والمستهدفين له!! فانظر ماذا ترى؟! وهذا هو المفروض.