يمتزج في هذه الايام الحديث عن سن التقاعد مع الحديث السياسي مع الحريات الاربع وقوفاً عند رحيل رموز الإبداع الوطنية. وزيادة سن التقاعد والتي جاءت من مخرجات مؤتمر التعليم في الشهر المنصرم والذي أعلن الأخ رئيس الجمهورية في ختام توصياته والتي منها رفع سن المعاش الى «56» عاماً لاساتذة الجامعات والمعاهد العليا، واعقب نائب رئيس الجمهورية مفصلاً ان القرار يشمل معلمي مرحلتي الاساس والثانوي، وفي اجتماع قيادات اتحاد العمال ورئيسه د. ابراهيم غندور برئيس الجمهورية الأخ المشير عمر حسن أحمد البشير والذي أمّن على التوصية لتشمل كل العاملين في الخدمة ولكن.. بعد الدراسة المتأنية والبحث الميداني على ان لا يكون ذلك خصماً على الخريجين والشباب والأجيال القادمة. وجدت تلك التوصية قبولاً وسط العاملين واعرض عنها البعض ومن قبلها من أساتذة الجامعات والذين تقاعدوا هذا العام طالبوا بأن ينفذ هذا القرار حال صدوره. ولما كان الهدف من زيادة سن التقاعد تحسين بيئة العمل وترقيتها وتحسين أوضاع العاملين، رأيت أن ادلي بدلوي مع الخائضين حيث من الأفضل النهوض بالمعاشيين بمعاش المثل وتعديل سعر صرف البدل بدلاً من «اللعب في الزمن بدل الضائع»، حيث ان كثيراً من العاملين تجاوزوا الخامسة والستين بفضل قانون التسنين المبني على التقدير والتخمين، والدراسة الوافية التي قصدها الأخ الرئيس تعتمد على التعداد السكاني والتركيب العمري والنوعي والتي لم تكن دقيقة في السودان ولا تمثل الحقيقة كاملة، وذلك لأننا في مجتمع ريفي تشكل النساء فيه نسبة أكبر من الذكور، وتجد الانسان محرجاً في معرفة أعمار النساء. نجد ان معظم العاملين في الدولة اعمارهم الحقيقية تزيد بعام الى خمسة اعوام عن عمر التسنين الذي هو مبني على شهادة عدم القيد وتقدير العمر «التسنين» والتي هي من اجتهادات الاطباء والتي جعلت أحد التوأم يكبر شقيقه بخمس سنوات، وكم من أخ شقيق تقاعد ويظل شقيقه الأكبر في الخدمة، وكم من معلم تقاعد ومعلمه الذي درسه يرفل في ثياب الخدمة، وكم من موظف يكون تاريخ تعيينه ومدخله للوظيفة في سن أطفال الطلب في الروضة أو الأساس علماً بأن قانون الخدمة ينص على أن لا يتم تعيين العامل الا اذا بلغ ثمانية عشر عاماً. وهذا ما يستدعي مراجعة ملفات خدمة الموظفين. إن عمر العاملين في الدولة كلهم أو جلهم تبدأ حياتهم في الأول من يناير وقد روجعت كثير من الملفات لمقارنة العمر بتاريخ التعيين، فقد أحيل الكثير للتقاعد ولكنهم عادوا. ومن طرائف ما يذكر أنه تمت محاسبة أحد العاملين وكان من رأي مجلس المحاسبة أن يحال ذلك العامل للمعاش بطلب منه وذلك عام 2991م، ولما طلب منه التقاعد وجد في ملف خدمته انه من المفترض أن يتقاعد في عام 2791م حسب شهادة تقدير عمره القابعة في ملف خدمته. إذا عدنا للتعداد السكاني لعام 3991م نجد أن الذين تقل أعمارهم عن 51 سنة يمثلون 1،44% وان كبار السن 06 سنة وأكثر يمثلون 5،3% وان الشباب يمثلون 4،25% وهذا ما يؤكد ان السودان دولة فتية تمثل سواعد الشباب فيها الغلبة، وتصنع الانتاج وهذه الفئة الغالبة تعول صغار السن وجزء غير يسير من الشيوخ بنسبة إعالة 08% من المجتمع ويسهم الشيوخ بإعالة 6% ومن هنا تأتي المحاذير التي قال عنها الرئيس وتأتي الدراسة في اطار الشورى والمشورة الشعبية. وحتى لا نغلق الباب تماما أمام الشباب وطموحات الشباب ولا نقتل فيهم روح التكافل، وحتى لا تنتشر وسطهم العطالة فلنترك لهم خريفهم وربيعهم فإن «ام جركم لا تأكل خريفين». هؤلاء الشباب يملكون وسائل القوة والانتاج والعلم والمعرفة والمؤهلات الجامعية وفوق الجامعية ومن قبل التكنولوجيا والحداثة. اما الشيوخ فقد ذكرهم المصطفى بأن «اعمار أمتي بين الستين والسبعين» وهذه فترة مراجعة واستعداد «يوم يتذكر الانسان وانى له الذكرى ويقول يا ليتني قدمت لحياتي». إن الدرجات العلمية العالية والمؤهلات الجامعية وما فوقها يحملها الشباب والذين سيحكم عليهم بالانتظار طلباً للوظيفة اذا ما نفذ قرار تمديد الخدمة التي هيمن عليها الكبار في شبابهم وشيخوختهم ومعظمهم خريجو الابتدائي والمتوسطة والثانوي، قليل من يحمل مؤهلاً جامعياً ولا بد من مراعاة ان المرأة تشكل نسبة كبيرة من فئة الشباب. إن سيدنا موسى بن عمران كليم الله عليه السلام «ولما بلغ أشده واستوى أتيناه حكماً وعلماً وكذلك نجزي المحسنين» بلغ أشده في عمر 81 إلى 03 سنة واستوى في عمر 03 إلى 04 سنة وتوجه الى مدين مهاجراً بعد ان نال نير العذاب من فرعون وملئه وهو في الثانية والخمسين، وكان اجارته من ثماني حجج اي ثماني سنوات بمؤهل القوي الامين ليتقاعد عن خدمة نبي الله شعيب وهو في الستين، ولكنه اتم المدة الى عشر سنوات بعد العناء والمشقة بعد الستين «وما أريد أن أشق عليك ستجدني ان شاء الله من الصالحين». نعم عمل موسى عامين إضافيين بحافز للحصول على صلاح شعيب والذي هو عون له لاكمال رسالته.. ان ابن الستين قد ذهب عنه صباه .... يراه وكأنه احلام وابن السبعين قد صيرته الايام ..... هدفاً للمنون والسهام في فرنسا قامت التظاهرات ولم تقعد بسبب زيادة سن المعاش الى 26 عاماً؛ لأن المعاشي هناك يجد من رغد العيش والرفاهية والاهتمام والرعاية ما لا يجده في الخدمة. وعليه ولتحسين أوضاع المعاشيين بدلاً عن اجهادهم في عمر كان من المفترض أن تهيئ لهم الدولة أسباب الراحة وإن كان لا بد من سريان المشروع. 1- تعطي أولوية التمديد لحملة شهادة الميلاد الاصلية والمؤهلين من خريجي الجامعات. 2- في حالة الابقاء على ال «06» عاما يحسن المعاش بمعاش المثل ويرفع سعر البدل وهذا يقتضي تغيير قانون المعاشات ويمكن بموجبه زيادة خصم جاري المعاش الى 52%. 3- تحريك وتفعيل القمسيون الطبي تجاه العجزة والمرضى والزمني وشهادة العمر التي لا تتناسب عقلاً ولا شرعاً والوصول في ذلك الى تسوية عادلة لان هذه الشهادات قد غيرت بسبب الفقدان والضياع وكثرة التنقلات والحرب والحرائق والكوارث من غير سوء قصد او تزوير. 4- الولايات الأقل نمواً توفق أوضاعها حسب العمر والمؤهلات والحاجة للنوع والكم. 5- لا يتأثر الخريجون بتمديد سن المعاش فإذا طبق القرار فإن هناك عددا كبيرا من الوظائف لا يخلو ولخمس سنوات الا بالموت او الاستقالة مما يجعل تكدساً وتراكماً وطلباً على الوظائف المحتكرة. إن المجلس الأعلى للاجور والمجالس الاخرى والتي من قياداتها الأستاذ عبد الرحمن حيدوب ستنظر لهذا الأمر من زاوية العقل المتوازن الذي ينظر للانسان في قدسية وحقوق رحمة بالصغير وتوقيراً واحتراماً وتبجيلاً للكبير. والله المستعان ٭ معلم متقاعد- ام روابة