ينعقد اليوم باديس ابابا مارثون مفاوضات البحث عن حلول بين دولتي السودان وجنوب السودان، وينظر كثير من المتابعين الى جولة المفاوضات هذه على انها تحصيل حاصل ولن تأتى بجديد بحسابات ان التوتر والاتهامات المتبادلة التي وصلت قمتها بتبادل اطلاق النار فضلا عن ان الثقة مفقودة بين الطرفين اضافة الى التصعيد العسكرى على الحدود هذا الى جانب عدم رغبة الخرطوم وجوبا فى العودة الى طاولة المفاوضات خاصة وان عودتهما بحسب مراقبين الى أديس ابابا تمت تحت وطأة ضغوط دولية مباشرة. التنازع بين خياري الحرب و السلام هو الحالة التى يقف فيها قادة البلدين الآن على محك التعقل والاندفاع ويظهر التضاد فى تصريحات المسؤولين وفي الشد والجذب المتبادل مايخلق سحابة رمادية فى سماء علاقات غير مفهومة تصعب معها التكهنات ايهما اقوى «خيار الحرب ام ارادة السلام». وهذه المنازعة بين الخيارين نجدها جلية لدى الطرفين، ففي دولة السودان يظهر في تناقض التصريحات بين وزيرة الدولة للاعلام ووزير الدولة برئاسة الجمهورية رئيس الوفد الحكومي المفاوض. وفي دولة جنوب السودان نجد التناقض بين رئيس الحكومة ورئيس الوفد المفاوض، فوزيرة الدولة بوزارة الاعلام سناء حمد تؤكد استعداد الحكومة وقدرتها على حصر المعتدين على حدودها خاصة وان كفة القوة العسكرية والاقتصادية ووحدة القرار السياسي والسند الشعبي بحسب رأيها تميل لصالح السودان، وتوقعت تقويض الاتفاق الاطاري والاجواء الايجابية التي سادت خلال الاسبوع الماضي، فيما نجد كبير مفاوضى السودان ادريس عبدالقادر يذهب الى النقيض منها ويتحدث عن ان ارادة السلام لدى الحكومة لن تفتر لأنها استراتيجية للدولة تحتم السعى لوقف العدائيات بين الجانبين وخلق جوار آمن يمكن الدولتين من تحقيق مصالح الشعبين. اما في الجانب الآخر فرئيس دولة الجنوب يعلن الاستنفار فى الولايات الحدودية الخمس مع الشمال استعداداً لخط المواجهة وفى ذات اليوم تخرج تصريحات كبير مفاوضى دولة جنوب السودان باقان اموم ليقول «باعتبارنا دولة حديثة الولادة نريد السلام مع جارنا حتى يتسنى لنا تركيز طاقاتنا على بناء الدولة» ، ويضيف «ذقنا ما يكفي من الحرب» و فى كل مرة يُذكر بتصريحات الرئيس البشير الايجابية الذي قال ان بلاده ترغب في العيش في سلام مع الجنوب. والسؤال هو: اي الخيارات اقوى الحرب ام ارادة السلام لدى القادة فى الدولتين بمعنى أي التيارات هو الاكثر تأثيراً العقلاني ام المندفع، ام سيستمر الوضع على ماهو عليه «حالة اللاسلم واللاحرب» واتهامات متبادلة وحرب بالوكالة واستنزاف للموارد. فى حديثه ل «الصحافة» يقول المحلل السياسى الدكتور صديق تاور ان المتأصل فى نفوس الطرفين هو ارادة الحرب، وان التيارات التى تنفث نار القتال تجد الحماية العلنية والرعاية فى البلدين من خلال واجهات انفصالية لها علاقة بالحزب الحاكم، نجدها فى الشمال مثل منبر السلام العادل «والتضامن النيلى» او التى ترتكز على الفكرة القديمة «مثلث حمدى» وهؤلاء يحاولون ان يصبغوا الحرب بين الشمال والجنوب على انها عنصرية ودينية الا انه قال ان هذا التيار لايمثل الشمال ولا الجنوب بدليل ان الحراك المعارض فى البلدين يقوم على قاعدة عريضة، وان ارادة السلام فى البلدين استطاعت ان تحاصر هذه التيارات حتى الآن، ويشير تاور ايضاً الى ان تيار الحرب فى دولة جنوب السودان مدعومة من الفصيل الانفصالى الذى يقوده بشكل أساسى الرئيس سلفاكير مهندس العمليات الانفصالية من قبل نيفاشا، واوضح ان هذا التيار يوظف الحركات المرتبطة بالجنوب ويستخدمها فى حرب الوكالة فى النيل الأزرق وجنوب كردفان بجانب دارفور، وتوقع تاور ان تصل جولة اديس الحالية الى نتائج اقلها عودة الروح الايجابية بين البلدين، وأشار الى ان طرف الحكومة المفاوض يبدو اكثر ميلاً للسلام، لافتاً الى ان تيار الحرب فى دولة الجنوب بات مكشوفاً بعد الانفصال وقال انه لا يوجد مبرر للأعمال التى يقوم بها هذا التيار بدعم الحركات المسلحة فى الشمال خاصة وان المصالح المشتركة تحتم التعاون بين البلدين. وفى حديثه ل «الصحافة» يقول المحلل السياسى الدكتور ربيع عبد العاطى ان النزاع والتوتر الذى يسود محاور مختلفة على حدود البلدين لايجد قبولا من الطرفين ،وأشار الى ان مشاعر الجنوبيين مازالت متباينة وبعضهم لم يحتمل الانفصال وفضل البقاء فى الشمال، ووصف هذه الفترة ب مرحلة الاكتشاف لدولة الجنوب ومدى عقلانيتها فى اتخاذ القرارات التى تراعى المصالح المشتركة بين البلدين، وقال ان مباحثات اديس ابابا الحالية لايمكن قراءتها بمعزل عن هذه الظروف المتقلبة والتى تحتمل كافة التوقعات، الا انه اشار الى ان السودان ينطلق من قواعد ثابتة وسند شعبى عكس دولة الجنوب وهو ما يرجح كفة الشمال، عكس الدولة الوليدة المتنازعة بين تجاذبات الداخل وضغوطات الخارج، واضاف فى نهاية الأمر ان الحرب لها مدى مهما بلغت، وقال ان مرور الوقت والتجارب كفيلة بصهر تجارب دولة الجنوب وعودتها الى رشدها. على كلٍ، تبدو الصورة أكثر ضبابية فى مشهد العلاقات بين السودان ودولة جنوب السودان وتقف كافة الاحتمالات فى دائرة التوقع بين التصعيد والهدوء ومخاوف العودة الى المربع الأول وطبول الحرب تقرع بين الفينة والأخرى فى البلدين بدعوات الاستنفار تتخللها تطمينات يبثها بعض القادة فى الدولتين بتهوين مخاطر اندلاع القتال رغم الاشتباكات العنيفة التى تشهدها حدود الدولتين هذه الأيام.