اقامت المستشارية الاعلامية لرئاسة الجمهورية بالتعاون مع مركز الدراسات الاستراتيجية امس، لقاء تفاكريا حول العلاقات بين الشمال والجنوب، تحدث فيه مساعد رئيس الجمهورية مسؤول ملف الجنوب العقيد عبد الرحمن الصادق المهدي، بحضور اكاديميين وسياسيين وباحثين،واعلاميين، واداره مدير المركز الدكتور ربيع حسن أحمد والمستشار برئاسة الجمهورية عباس النور. وكان لافتا تمسك المتحدث الرئيسي العقيد عبد الرحمن والمشاركون على رأسهم رئيس جهاز الامن والمخابرات السابق صلاح عبد الله قوش، والسفير عثمان السيد، باهمية اقامة علاقات حسن جوار ودية مع دولة الجنوب، محذرين من ان اية انتكاسة او عودة للحرب ستكون مدمرة ومكلفة، كما اتفق المشاركون على ضرورة اعداد وتبني استراتيجية واضحة لادارة علاقة متميزة مع الجنوب، محذرين من ان الفشل في العلاقات يعني»استعداء المجتمع الدولي برئاسة اميركا واوروبا»، كما أمن الحضور على ان المفاوضات مع الجنوب في القضايا العالقة يجب ان «تكون بين حكومتين وليس بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية». خياران لا ثالث لهما ورأى مسؤول ملف الجنوب مساعد الرئيس العقيد عبد الرحمن اهمية مثل هذه اللقاءات بالنسبة له، في تشكيل رأى عام واعداد استراتيجية «عميقة»، لجهة تحديد شكل العلاقة مع الجنوب، وقال ان قضايا البلاد اذا تم التحاور حولها لما صرنا الى ما آل الحال اليه الآن باعتبار انه من الافضل الذهاب الى اي موقف باجماع. وأكد عبد الرحمن ان هناك عوامل خصام وفصال بين الجنوب والشمال، واعتبر العلاقة بين الشمال والجنوب بانها علاقة «داخلية اكثر منها علاقة مع دولة اجنبية»،وعزا فشل تجربة الوحدة الى فشل الحركة الوطنية في مواجهة اثار وتداعيات الاستعمار، لكنه اشار الى انه وطوال فترة الخلاف، كان الجنوب يستعين بالخارج، والآن الدراسات التي اجريت خلال فترة العام من الانفصال اكدت ان فترة حكم الحركة الشعبية شهدت عدم استقرار امني وعدم تنمية، ورأى انه مهما كانت الاموال كثيرة في الجنوب من الخارج «الاممالمتحدة وغيرها» فان الجنوب سيجد نفسه محتاجاً لبناء كيان آمن ومستقر.. ونحن فشلنا في الوحدة ويجب ان نفكر في علاقة خاصة، وهذه العلاقة الخاصة، ايضاً تدهورت بالحروب بعد الانفصال مباشرة، وهناك عوامل كثيرة ترشح للعودة الى مربع الحرب الاولى، ابرزها مشاكل الحدود وابيي والمشورة الشعبية والبترول، وابدى تخوفه من خطورة تكرار التجارب السابقة والعودة الى حرب شاملة هذه المرة،وقال انه اذا اندلعت حرب ستكلفنا نحو «100» مليار دولار خلال «10»سنوات، واعتبر ذلك حافزا لكي لانعود الى الحرب، لان الحرب مآلاتها سيئة، وهذا يفرض علينا ان نفكر في استراتيجية لمواجهة هذا الخطر ، بكسب الوجدان الجنوبي، لان اي مشكلة بين الدولتين ستزيد من اعتمادهم على الخارج. ولفت عبد الرحمن الى ان الانفصال وتداعياته خلق ارضية خصبة لكثير من اعدائنا خاصة اسرائيل ، وقال انه على الرغم من ان الدول الغربية وعلى رأسها اميركا واوروبا لا يريدون الحرب لانها ستشعل المنطقة، الا ان اسرائيل من مخططاتها تقسيم السودان الى «5» دول، وهذا يتنافى مع السياسة الاميركية، ولكن اللوبي الاسرائيلي في اميركا قد يحول دون الرؤية الاميركية. ورأى ان الخيار امام السودان ان يقبل التحدي، باعداد وتبني خطة استراتيجية لمخاطبة المسألة بصورة عميقة، وقال ان السودان لديه كروت قوية في يديه، اولها التعامل السياسي الجيد، لان الجنوبيين يرون ان الاستعانة بالشمال اسهل من التعامل مع اية جهة اخرى، وفتح الاسواق في البلدين امام السلع والبضائع، بجانب ان احسن الخيارات امام بترول الجنوب ان يتجه عبر الشمال، والاستثمار في الجنوب، خاصة وان الاموال الموجودة الآن معظمها عربية واسلامية. وشدد عبد الرحمن على ضرورة وضع استراتيجية لعلاقة خاصة مع الجنوب لهزيمة الكيد الاسرائيلي، ورأى ان البلاد امام خيارين، اما ان نترك الجنوب لان تكون مخلب قط لاسرائيل، واما ان نصادق الجنوب ونتصدى لاسرائيل، وانا اقول انه لاخيار امامنا الا اقامة علاقات ودية جيدة. مشكلة حقيقية اما عثمان السيد الذي قدم نفسه بانه سفير ورجل مخابرات ومعلم سابق ورئيس مركز دراسات الشرق الاوسط «حتى الآن»، شدد على ان السودان الآن في مشكلة حقيقية، لاننا دائما «متفاجئون في العيد ورمضان وفي اي شئ» .. وكأن ما يحصل الآن لم يكن متوقعا.. وقال انظر الى «الدربكة» الحاصلة الآن في وزارة المالية وغيرها من المؤسسات بعد ذهاب النفط ، والجميع كان يعلم بالانفصال وتداعياته وفقداننا لاهم مورد.. كلنا كان يعلم ما سيحصل.. العساكر قالوا وقتها..ان الحرب ستنتقل الى الشمال بعد الانفصال.. والكلام ده قالوه قيادات في الجيش.. ولم يكن خافيا.. والآن الحرب انتقلت الى النيل الازرق وجنوب كردفان.. ونحن يجب ان نعترف باننا كمتفاوضين فشلنا... مثلا البروفيسور ابراهيم غندور..قبل ان يتوجه الى اثيوبيا اطلق تصريحا بانهم ما متوقعين يخرجوا بنتائج ايجابية.. وانهم متشائمون.. ومن الطرف الآخر معروف ان باقان اموم متشائم اكثر منه. وأكد السيد انه يؤمن بضرورة ان تكون هناك علاقات «منصلحة» ومتميزة مع الجنوب، وان التحدي كما قال مساعد رئيس الجمهورية.. هل نترك الجنوب لاسرائيل ام يكون عندنا استعداداتنا.. وانتقد السيد الطريقة التي تدار بها المفاوضات الجارية حاليا باديس ابابا، ورأى انها لن تتقدم بهذه الصورة، مبينا ان الوفد لايمثل الحكومة وانما يمثل المؤتمر الوطني،وقال«رغم انني مؤتمر وطني..ولكن عضو وفد مثل صابر محمد الحسن والبروفيسور ابراهيم غندور..وآخرين ليست لديهم اية وظائف رسمية في الحكومة» ، وتساءل ان كانت المفاوضات بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، وطالب بالتفريق بين المسألة الحزبية والحكومية القومية، وشدد على ان تكون المفاوضات بين الحكومتين ، ورأى السيد انه لامجال امام السودان «الا ان يلجأ الى اثيوبيا» للتوسط لانهم اولا حريصون على امن واستقرار السودان، كما ان لهم علاقات متميزة ايضا بالطرف الآخر، وقال انه يجب اشراك الاثيوبيين لانهم يؤمنون تماما بان أمن السودان هو أمنهم.. وتربطهم علاقات جيدة بالرئيس عمر البشير.. بجانب ان اثيوبيا لديها كروت ضغط قوية لادارة المفاوضات وشدد السيد على ضرورة «تنظيف الجو» قبل المفاوضات باطلاق تصريحات تدفع تجاه تهيئة المناخ،» وقال: «ان الطرفين بعلنوا على الملأ ويقولوا نحن متشائمين». من ينتصر سياسيا يكسب من ناحيته قال المدير السابق لجهاز الامن والمخابرات الفريق صلاح عبد الله قوش، في مداخلته انه يجب ان نعترف ابتداءً من ان تقرير المصير كان متوقعاً ان يفضي الى انفصال، ونوه الى ان «الانقاذ» اتخذت قرار الاجماع السوداني واستجابت لرغبة ثلث سكان السودان.. وهناك شئ آخر يجب ان نقره بان الانفصال كان مؤملا ان يديم السلام ولاسباب كثيرة تعلمونها لم يتم ذلك.. ورأى قوش ان السؤال الذي نحتاج ان نجيب عليه الآن.. كيف ندير علاقتنا مع الجنوب؟..وقال انه من الثابت الآن ان هناك دولتين وهذا يعني انه يتعين ان يكون هناك حسن جوار ورعاية مصالح متبادلة بين البلدين .. بل ويجب ان تقوى هذه العلاقة.. لدرجة ان الناس يمكن ان يتمنوا «وحدة جديدة».. واذا كان هذا هو الحد الادنى المطلوب.. ينبغي ان نعلم ان علاقات البلدين تتداخل فيها مؤثرات كثيرة.. كما ينبغي ان نفرق بين علاقتنا بشعب جنوب السودان وعلاقتنا بالحركة الشعبية التي تحكمها الآن.. لان الحركة الشعبية نفسها «كتل» ابرزها مصنفة ومعروفة.. المجموعة الاولى هي مجموعة الوحدويين وهؤلاء لهم علاقات متميزة بالخارج ومؤثرة جدا داخل الحركة، اما المجموعة الثانية يقودها اولاد بحر الغزال، وهؤلاء اقرب لرئيس الحركة سلفاكير ميارديت كدينكا.. ونجد ان هؤلاء ليس لهم عداء مع الشمال مثل الدو اجو ولوال لوال.. والى جانب انهم مؤثرون فهم ايضا حريصون على الا تسوء العلاقات مع الشمال بقدر حرصهم على استمرار رئاسة الدينكا للجنوب.. وهؤلاء قطاع كبير.. اما المجموعة الثالثة فهم الانفصاليون..ويطلق عليهم «القوميون الجنوبيون»..لذلك ارى ان يكون هناك خطاب منفصل لكل مجموعة..لذلك مطلوب استراتيجية قصيرة المدى تخاطب كل هذه المجموعات..الى جانب استراتيجية طويلة المدى تخاطب العلاقات الجيدة الودية وحسن الجوار مع الجنوب.. وفي تقديري يجب مراجعة بعض السياسات.. مثلا العلاقات بين الشعبين يجب التركيز عليها بشدة.. كأن تكون التجارة بين الشعبين.. بمعنى ان العلاقات يجب ان تكون بين الشعوب. وطالب قوش بضرورة التركيز على «تكتيكات» التفاوض.. والا تقودنا تصريحات مفاوضي الجنوب الى ربطها بالعلاقة بين الدولتين.. لان تكتيكات التفاوض تحتم على المحاور ان يرفع من سقف المطالب ليصل الى مستوى معين من تحقيقها.. وفي الغالب يبنون «تكتيكاتهم» على عدائهم للشمال لكسب المزيد من القواعد ويستعدون الجنوبيين علينا.. كما انهم يستعينون بالاجانب.. وهؤلاء درجوا على ايكال صراعهم مع الشمال على آخرين للضغط علينا او محاربتنا. واعتبر قوش العلاقة بالجنوب مفتاحا لتحسين العلاقات مع المجتمع الدولي وخاصة اميركا واوروبا، وطالب بتصميم خطاب للمجتمع الدولي من خلال تحسين العلاقات بالجنوب، ورأى ان فشل دولة الجنوب سيكون «نقطة سالبة» تجاه العلاقة مع المجتمع الدولي، موضحا ان الغرب الذي يستخدم سياستنا الداخلية في حملاتهم الانتخابية «سيرمون بفشلهم في الانتخابات على افعالنا نحن في الشمال» ونحن يجب ان نعمل على تفويت هذه الفرصة عليهم. وطرح قوش عدة مقترحات، من بينها «مركزة التفاوض» بتجميع كل القضايا في وفد تفاوضي واحد ، وقال «كل واحد شغال براه..البترول بجهة والحدود بجهة براها وكل قضية ماسكاها جهة»، وطالب بمعالجة القضايا في الاطار الكلي وعدم تجزئتها، مبينا ان التنازلات لا يمكن ان تتم الا اذا «تنازلنا نحن مثلا في البترول هم يتنازلوا في ابيي وهكذا»، ولفت الى اهمية تسويق الرؤى اعلاميا وديبلوماسيا للآخرين، محذرا من ان الاوضاع تتجه الآن كليا الى الحرب ، وقال ان الذي ينتصر سياسيا هو الكاسب وليس الذي ينتصر عسكرياً». وشدد قوش على الا يكون وسيطا في المفاوضات «لا اثيوبيا ولا اميركا ولا غيرها» وانما مفاوضات مباشرة بين الطرفين. اعادة نظر من جهته دعا الباحث، عمر عوض الله ،الى اهمية التعلم من تداعيات الانفصال، ومن الاتفاقات التي ابرمتها الحكومة في نيفاشا والدوحة وابوجا وغيرها، وقال ان اميركا واسرائيل استثمرا اتفاق نيفاشا للاستشهاد بامكانية الاعتماد على الحوار في اقامة دولة جديدة، امام رفضهم لاقامة دولة فلسطين، واضاف :نحن نحتاج لان نسوق الاتفاقية لصالحنا، نحن نفتقد ذلك، كيف نحتفل بالاستقلال ونحن نفقد ثلث السودان، كما اننا نحتاج الى رؤية كلية في التعامل مع قضايانا، ويجب اعادة النظر في نظرتنا للامور. حوار مباشر اما استاذ القانون بجامعة الخرطوم الدكتور محمد أحمد سالم فقد لفت الى اهمية النظر لموقف حكومة الجنوب، وارى انه مهما وضعنا من خيارات للتعامل معها، يجب ان تكون هناك ارادة لدى الطرف الآخر، واكد ان كل القضايا الخلافية مثل الحدود والبترول وابيي يمكن ان تعالج ، لكن على الطرف الآخر ان يكف عن دعم المتمردين في النيل الازرق وجنوب كردفان، واعتقد ان القضايا يجب ان تعامل بصفة قومية وليس ثنائيا بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، لا نريد اعادة تجربة نيفاشا التي ذهب اليها المؤتمر الوطني وحده مكشوف الظهر، ليواجه الجنوب مسنودا بكل الدعم الغربي، والآن المؤتمر الوطني وحده يواجه الجنوب في اديس ابابا، وذكر انه اذا لم نتحمل التعدد فلن نستطيع مواجهة الآخرين، ونحن نحتاج الى حوار مباشر مع الجنوب دون وسيط.