لا زالت المآسى تتكرر وتزداد الأوضاع سوءً وتعقيداً فى تلودى وعلى طول الشريط الحدودى بين السودان وجنوب السودان ، فالتصريحات المتبادلة وإعلان التعبئة والتعبئة المضادة سجالا بين البشير وسلفاكير ،كلها تشير إلى وقوع نذر حرب محتملة بين الدولتين ،تنذر بأسوأ كارثة إنسانية وإجتماعية وإقتصادية وثقافية بالمنطقة ،الضحية الأولى فيها هو المواطن بجنوب كردفان ومن ثم مواطنو البلدين ، (21) لواءً للردع يجرى الإعداد له بالسودان ، يقابله عدد آخر مماثل يجرى الإعداد له بقوة بدولة الجنوب ،وحشود وتعزيزات وتحركات عسكرية هنا وهناك وعلى طول الشريط الحدودى بين الدولتين ،هل هى بداية لحرب طويلة وشاملة قادمة أم تكتيكات تفاوضية ؟ . مواطنون قتلى ولكن ماهو حجم المأساة الإنسانية والأمنية التى أحدثها هجوم الجيش الشعبى الشمالى والجنوبى وحركات دارفور على تلودى وأم دوال ومفلوع ،والتى وقف عليها وفد أمني رفيع بقيادة والى جنوب كردفان أحمد محمد هارون ،أدى الهجوم لإستشهاد (29) مواطنا بأم دوال (10) كيلو شرق تلودى بجنوب كردفان بينهم نساء وأطفال وجرح آخرون ونزوح كامل لسكان المنطقة إلى الليرى ومناطق أخرى ، وحرمان أكثر من (150) من طلاب الشهادة السودانية بمحلية تلودى من إمتحان مادة الرياضيات وضياع مستقبلهم ، فيما لازال التمرد يواصل تدوينا مدفعيا مستمرا على مدينة تلودى أدى لهدم المنازل السكنية وبعض المؤسسات الخدمية والتنموية ، فيما قال الجيش إنه إحتسب عددا من الشهداء والجرحى ،فيما تكبدت القوات المعتدية (60) قتيلا وعلى رأسهم قائد الهجوم مقدم / بطرس يعقوب وعددا آخر من الضباط ولازالت عمليات الحصر جارية للعثور على آخرين وسط الأحراش والجبال ،كما دمر الجيش دبابتين وإغتنم ثالثة بحالة جيدة وعربة لاند كروزر جديدة (كينية الترخيص) ، إلا أن التمرد لازال يبث شائعاته وترويعاته وسط المواطنين ،بينما كشفت مصادر أمنية عن تحرك قوة أكثر من (ثلاث) آلاف جندى من تنجا فى أعالى النيل نحو العرايش ويتوقع المراقبون هجوما إضافيا على تلودى اليوم ،إلا أن الجيش أكد جاهزيته وإكتمال تعزيزاته العسكرية على كافة جبهات القتال للدفاع عن كل شبر من أراضى الوطن ، فيما قال والي جنوب كردفان إن تلودى ستظل عصية على المتمردين كما كانت على الإنجليز والأتراك وغيرهم ، وستستمر التنمية والخدمات لتصبح أفضل مما كانت عليه ، مناشدا المواطنين بالعودة إلى مناطقهم ، ولكن كيف يتسنى ذلك ؟ فى ظل تدوين مدفعية متقطع إستهدف مساكن المواطنين والقضاء على كل الجهود التنموية والخدمية والبنى التحتية التى إجتهدت فيها حكومة الولاية وقد نقلت إليها العاصمة من كادقلى ، حيث أصبح إنسان تلودى ينعم بكامل خدمات المياه والكهرباء ومؤسسات تعليمية وصحية ومرافق إجتماعية وثقافية ورياضية وبنى تحتية من مطار وطرق ومراكز تدريب وتأهيل وتنمية مجتمعية وغيرها. رمزية تاريخية ولكن السؤال المطروح لماذا الهجوم المتكرر على تلودى ؟ ، يقول بلة حارن مستشار والى جنوب كردفان لأن تلودى ذات دلالة رمزية لأهل جبال النوبة ، وهى ذات أهمية تاريخية واقتصادية واستراتيجية عسكرية للحركة ،وقد كانت بها رئاسة مديرية جبال النوبة فى الفترة من 1909- 1929م ،فيما وصف أبشر رفاى رئيس المجلس الإستشارى لمحلية تلودى بالخرطوم الهجوم الأخير هو الثالث على تلودى ،بدأ من الأول فى السادس من يونيو من العام الماضى متزامنا مع إندلاع شرارة التمرد ،والثانى فى نهاية إكتوبر من ذات العام ثم الماضى ، ويعتبر كذلك الثالث على مفلوع والثانى على أم دوال وأنقارتو ومندى ، وعزا رفاى أهمية ورمزية تلودى لمجاهدات أبنائها ضد الإستعمار ،حيث هى معقل البطل عبد الفضيل الماظ أحد شهداء ثورة اللواء الابيض ، ومنها انطلقت كذلك ثورة كوكو كوبانقو بالليرى ضد الإنجليز إلى أن إنجلت بمفاوضات خادعة بعد (10) سنوات من الإقتتال ،وأيضا هم قتلة ابو رفاسة التركى عام 1906 عقب ثورة بمنطقة أم دوال والتى سميت بذلك منسوبة لدوال (200) فرس إستخدمهم الأهالى فى ثورتهم ،ويستنكر رفاى الهجوم بشدة ويؤكد بأن من يقوم به أبناء المنطقة بالتمرد ،ويرسم رفاى صورة قاتمة للوضع هناك ويقول إن الوضع أفرز ظروفا أمنية معقدة بين نظرة أبناء المنطقة بالتمرد ،إذا يعتبرون أهاليهم ضدهم وجزء من الحكومة التى يحاربونها، فيما تبدو نظرة الحكومة إلى أن أهل المنطقة جزء من تمرد أبنائهم ،فيما يرى مسؤولون أن مسؤولية الأمن تضامنية ،ولا يمكن أن يستتب الأمن وإلا أن يكون المواطن هو الأساس فيه . إعداد الهجوم إذا كيف تم إعداد الهجوم الأخير على تلودى ولماذا ؟ يقول خبراء عسكريون إن حكومة الجنوب دفعت بأكثر من (10) آلاف من قوات الجيش الشعبى الشمالية والجنوبية وحركات دارفور بتحالف الجبهة الثورية نحو بحيرة الأبيض قبيل نهاية فبراير الماضى بعد أن أعدت لهم كافة التجهيزات العسكرية المتطورة جدا من دبابات (77) وراجمات ومضادات طائرات وأسلحة هجومية وثقيلة وعتاد حربى متكامل مدفعية ومشاة ، ثم أعادت أمس الأول الكرة ثانية بمجموعة تزيد عن (ألفى ) عسكرى مزودة ب (4) دبابات و(21) تاتشر و(5) رباعى وتسليح مشاة كامل أيضا للهجوم على تلودى وأم دوال (10) كيلو شرق تلودى ومفلوع (8) كيلو من الشمال ومن الجنوب عبر حدود دولة الجنوب ، ولكن هل تلودى نفسها مقصدا لتحالف الجبهة الثورية أم ماذا هناك ؟ يقول يحيى حماد مستشار والى جنوب كردفان أن تلودى إلتقت فيها مصالح وأهداف عسكرية، حيث ترى حكومة الجنوب أن إحتلال تلودى يضمن لها تواصل خط الإمداد مابين جوبا عبر الوحدة فى فاريانق إلى أعالى النيل فى تنجا والسيطرة على كاكا التجارية التى يدعى سلفاكير تبعيتها للجنوب ،إلا أن حماد رجح عدم نجاحها فى هذه المهمة لقوة الجيش السودانى وإستعداداته ، فيما يرى آخرون أهداف التحالف السودانية ، أن تلودى ستصبح لهم منطلقا لإسقاط الليرى وأبو جبيهة ومن ثم السيطرة على المنطقة كاملة وتأمين عمليات التحركات العسكرية والزحف نحو الخرطوم لإسقاط الحكومة ، فيما ذهب بلة حارن مستشار الوالى فى إتجاه آخر إلى أن الحرب أصلا كانت مطلبية ما لبست أن تحولت لمسرح عمليات وأصبحت حرباً شاملة إلتقت فيها مصالح كافة الجهات دفع ثمنها إنسان جنوب كردفان،ولكن يعتقد حارن أنها حرب لتحسين الموقف التفاوضى ،ويؤكد أن السيطرة على أبي جبيهة يأمن لمالك عقار أرضية صلبة لتأمين الإمداد لقواته لشن هجمات على النيل الأزرق. موقف تفاوضى لا شك أن الأجندات قد بدأت تتكشف عن كثب ، يقول منير شيخ الدين مستشار والى جنوب كردفان إنها حرب شاملة بين الدولتين غير معلنة ، فحكومة الجنوب تسعى جاهدة لتحسين موقفها العسكرى على واقع الأرض فى مواقع تدعى تبعيتها لها (أبيي ،هجليج ،كفيا قنجى ،حفرة النحاس، كاكا التجارية ) قبل أن تخوض غمار التفاوض حول الملفات العالقة والتى يرعاها الإتحاد الأفريقى بأديس أبابا ، ومن خلفها ضغوط أممية ،تريد بخطوتها فرض واقع جديد بإثارة أوضاع حدودية جديدة لتقوية موقفها التفاوضى ، فالمعلومات التى أصبحت ترشح بقوة أن سلفاكير أطلق عنان الجيش الشعبى متجاوزا أى هجوم جديد على هجليج بعد أن فشل فى إحتلالها وخسر الكثير من الأفراد والعتاد ،إلا أن المدد الجديد الذى دفع به تجار وممولو الحرب للإعداد لهجوم جديد على بحر العرب والميرم وأبيى ودفرة وتلودى وربما كادقلى نفسها ، مصادر أمنية كشفت عن (20) دبابة عند كبرى القرنتى ،وحشود عسكرية على بعد (35) كيلو متر داخل أراضى الجنوب فى إتجاه حقل دفرة للبترول وأكثر من (100) عربة دفع رباعى فيما وصلت بانتيو (4) بواخر من جوبا محملة بدبابات وعربات ومعدات عسكرية ، فيما ذهب بلة حارن مستشار الوالى فى إتجاه آخر إلى أن الحرب أصلا كانت مطلبية للحركة الشعبية بجنوب كردفان ما لبست أن تحولت لمسرح عمليات وأصبحت حرباً شاملة إلتقت فيها مصالح كافة الجهات دفع ثمنها إنسان جنوب كردفان،ولكن يعتقد حارن أنها حرب لتحسين الموقف التفاوضى ، ولكن لماذا جاء هذا التصعيد بعد أن نجح وفد التفاوض فى نزع فتيل الأزمة ووقعا إتفاقا إطاريا بما يعرف بالحريات الأربع ،كشفت مصادر موثوقة بأن المجموعة العسكرية القوية والتى تعرف بصقور الحرب مع السودان فى الجنوب ويقودها تعبان دينق هى وراء هذا التصعيد الأخير، وترى أن الإتفاق والتقارب مع السودان يضر بمصالحها ،سيما تحالف الجبهة الثورية من حركات دارفور التى يرعونها ،فالإتفاق فيه نهاية للحلو وعقار وعرمان وحركات دارفور وأكبر الخاسرين عرمان ،وهكذا تباينت الرؤى حول عمليات التصعيد مابين الحرب الشاملة وتقوية الموقف التفاوضى.