في نهايات العام 1979، أبلغ مدير مصنع عسلاية للسكر، عوض الكريم ادريس، قيادة الدولة أن المصنع سيكون في أوائل العام الجديد 1980 جاهزا للعمل ،ودعا الرئيس الراحل جعفر نميري ضيوفا من خارج البلاد وخصوصا من دول عربية شقيقة ساهمت في انشاء المصنع لحضور المناسبة السعيدة،وتهيأت الدولة على كافة مستوياتها للحدث،ولكن وقع تطورغير سعيد أدخل ادارة المصنع في حرج بالغ حيث تعطلت "طواحين" قصب السكر لأسباب فنية بحتة، وعندما اتصلت الادارة ببريطانيا لتوفير قطع غيار بطريقة سريعة حتى يبدأ الانتاج في الموعد المضروب، اعتذرت الشركة المصنعة وقالت إن الأمر يتطلب شهرا على الأقل. عوض الكريم ادريس فكر في ابلاغ رئاسة الجمهورية بما حدث لتأجيل حفل افتتاح المصنع لكنه تلقى نصائح بأن نميري سيقابل ذلك بغضب وسيدفع ثمناs غاليا لهذه الخطوة، ومن الأفضل التفكير في مخرج من المأزق، وتشاور مع زملائه وخبراء فأشاروا اليه بخطة "ما تخرش ميه"، فجلب 200 جوال سكر من شركة كنانة وصبها في المصنع،وأوقف عشرات الشاحنات تحمل القصب قرب موقع الاحتفال، وعندما حضر النميري وضيوفه وجدوا العمال يحتشدون في المصنع ومروا على كافة مراحل التصنيع والانتاج، وعندما بلغوا المرحلة الأخيرة هبط أول جوال سكر "سكر كنانة" ومطبوعا على الجوال "هدية الى الرئيس جعفر نميري"،فطفرت دمعة الفرح من الرئيس على الانجاز وكتم مهندسون ضحكات كادت تكشف سر الأسرار،ومرت المناسبة بسلام،وغادر مدير المصنع الى بريطانيا وعاد بقطع الغيار في خمسة أيام وواصل المصنع انتاجه. مصنع سكر النيل الأبيض يبدو أن المشاكل تتابعه من أول مراحل انشائه، فعند مسح الأرض وبداية زراعة المشروع في العام 2007 تصدت السلطات للأهالي المحتجين في منطقة الأعوج عندما أغلقوا الطريق القومي مطالبين بتعويض عن أراضيهم، فمات أربعة منهم وأصيب 22 آخرين في تلك الأحداث،ثم خطف قراصنة صوماليون في مارس 2010 السفينة ( أم في سوزان كي ) و التي كانت في طريقها لميناء بورتسودان وهي تحمل (790 ) طنا من المعدات الخاصة بالمصنع،الذي كان مقررا تدشين انتاجه في 11 نوفمبر 2011. الموعد الأخير لافتتاح المصنع كان مقررا أن يكون غدا الخميس بحضور ممثلي 56 دولة اسلامية يشاركون في مجلس محافظي بنك التنمية الاسلامي الذي يساهم بنحو 63 مليون دولار من تكلفة المصنع،ولكن حدثت كبوة ثالثة حيث إن الشركة الأجنبية التي ابرم معها اتفاق لتوفير برنامج لتشغيل المصنع بيعت غالبية أسهمها الى شركة اميركية اعتذرت عن العمل في السودان بسبب العقوبات الاميركية على البلاد، مما جعل افتتاحه في الموعد المحدد عصيا. ولا بلا شك فإن ما جرى لا ينبغي أن يكون مفاجئا حيث إن المصنع كان من الضروري أن يعمل تجريبيا قبيل تدشينه رسميا ،وكأن وزير الصناعة اكتشف فجأة أن الشركة المشغلة للبرنامج رفضت العمل بالسودان،أو أنه لا يتابع ،أو تلقى معلومات مضللة فحدد موعد الحفل،على كل، هناك أمر غامض لا تعالجه استقالة الوزير، وإن اتخذ خطوة شجاعة تحسب له في تحمل المسؤولية والحرج الذي يواجه البلاد مع ضيوفها الذين كانوا ينتظرون مولد انجاز ورؤية السكر الأبيض يتدفق من انتاج هم شركاء فيه . يبدو أن المواطن محروم حتى من الأخبار الجميلة والمفرحة،وأين أنت أيها الخبير محمد بشير الوقيع مما يحدث من مهازل ومكائد وضعف خبرة وسوء ادارة أوصلنا هذه المرحلة؟،وأين عوض الجاز الذي كان يسهر ويلاحق في مواقع الانتاج وينام مع العمال في معسكراتهم لا ينتظر تقارير باردة في وزارته؟وأين الضمير وأين والمسؤولية؟.. اذبحوا وانحروا الجمال والأبقار والخراف، وارفعوا أكف الدعاء حتى تزول العقبات أمام تدشين المصنع الجديد.