لعل المتتبع لحال السياسة السودانية وتقلباتها يلاحظ إن كل شيء فيها ممكن عدا الإستقاله،فعلى إمتداد التاريخ السياسي القريب لم تكن هنالك إستقالة ، وإن كان التهديد بكرت الإستقالة يجد رواجا في الأوساط السياسية من اجل تحقيق بعض الأطماع او ايصال بعض الإشارات لجهات بعينها ، ولا يخرج كل ذلك من دائرة تحقيق أهداف خاصة.لكن أن تقدم الإستقالة دون إشهار لها فهذه هي الاستقالة الحقيقية ، لأنها تجعل متخذ القرار أمام خيارين لا ثالث لهما ،وهما قبول الإستقاله أو العمل على إزالة الأسباب المؤدية للاستقالة أصلا. اكتب هنا وفي الخاطر إستقالة السيد وزير المالية بولاية كسلا والتي صاحبها الكثير من الأخذ والرد والتعليقات عبر المنتديات الإسفيرية خاصة صفحات الفيسبوك التي ترتبط بكسلا، فالبعض يرى ان هنالك جهات تعمل على إعاقة عمل الوزير ضمن تفويضه المحدد سلفا بموجب قرار التو زير الصادر بحقه، والطرف الأخر له رأي أخر في المسألة وعلى النقيض من هذا الرأي.وكلُ له مسوغاته التي يستند عليها في التحليل ، ومهما يكن السبب فتقديم الإستقالة ظاهره صحية في عالم السياسة السودانية كادت تختفي من قاموسها ،إذ انه لا توجد استقالات على المدى القريب في هذا العالم. لولا استقالة المهندس عبد الوهاب محمد عثمان وزير الصناعة الاتحادي ،وخيرا فعل السيد الوزير بتقديمه لاستقالته لان ذلك يعني ان الوزير قد فشل في مهامه الموكلة إليه،أو لنقل لم يستطع تقديم ما هو مطلوب منه ، سواء كان ذلك لعجزه ولا أظن ذلك أو لعمل بعض الجهات على وضع (مطبات) في طريق سير وزارته مما اضطره لترك الجمل بما حمل.ومثلما سرني تقديم الاستقالة سرني كذلك رفض السيد رئيس الجمهورية لها ،لان قبولها لا يفك طلاسم تقديم الاستقالة وينتهي أمره بتعيين وزير أخر ، وقضي الأمر الذي فيه تستفتيان. فالرفض يعني ان السيد رئيس الجمهورية وعلى أسوأ الفروض سيعمل على حل المشكل الذي جعل الوزير يقدم استقالته ،مما يعني أن هنالك رغبة في الإصلاح،وهذا ما نصبو إليه في كتاباتنا وتدولنا للموضوع . ولو ان كل مسؤول أو مكلف بعمل في منظومة الدولة لم يستطع ان يقوم بعمله كما هو تقدم باستقالته لفتح ذلك أبواب الإصلاح على مصراعيها ، مما يؤدي إلى تحسن حالة المواطن والوطن ،وما أكثر العلل ولكن لا استقالة تبدو للعيان.عموماً هذه أولى الخطوات الإصلاحية التي نتمنى ان تعم الشارع السوداني حكاما ومحكومين(فللمحكومين كذلك مهام وينبغي عليهم القيام بها، أدناها الإستنكار بالقلب وأعلى درجاتها معاونة الحاكم في مهامه). فتقديمك لاستقالتك يعني انك تقوم بما كلفت به ،وفي حال العجز على الكرسي السلام، ويعني أيضا أن لا تهاون في المهام وليكن ما يكن. شكر سيدي وزير الصناعة وأنت تعلم الناس ما ينبغي أن يفعل ،وشكرا لك وأنت تتقي الله فينا وتقولها للجميع أن لا خوف يمنعني من تأدية واجبي أو استقالتي أيهما كان الأقرب،وشكرا لك وأنت تعلم الناس فناً نخشى ان يندثر وعلما خشينا ضياعه،وشكرا أخيرا لك أخي وزير الصناعة وأنت تصنع شيئاً فريدا في زمان التشبث هذا وتقولها إني أخاف الله في رعيتي ،فطوبى لنا بك ومبلغ فخرنا أن فينا أمثالك سيدي الوزير. كاتب وصحفي