اثارت مغادرة رئيس السلطة الإقليمية لدارفور، ورئيس حركة التحرير والعدالة الدكتور التجاني سيسي ، بشكل مفاجيء، البلاد متوجها إلى أديس أبابا مخاوف جدية على مستقبل العملية السلمية في الاقليم، بخاصة وانها تزامنت مع تقديم السلطة لاحتجاجات شديدة اللهجة للحكومة سببها كما هو معلن عدم تمويل الاخيرة لاعمال السلطة الإقليمية وبرامجها. وتعد زيارة التجاني السيسي الى اديس ابابا هي الاولى خارجيا لرئيس السلطة الاقليمية لدارفور بعد عودته الي البلاد في نهاية اكتوبر من العام الماضي وتسلم مقاليد السلطة الاقليمية لدارفور بعد تدشينها بحضور دولي واقليمي بمدينة الفاشر حاضرة ولايات اقليم دارفور في الثامن من شهر فبراير الماضي. وترافق سفر السيسي مع سحب السلطة لجميع وزرائها ومفوضيها ومستشاريها من الاقليم بحسب مصادر تحدثت الى « الصحافة» وافاد ذات المصادر المقربة من السيسي ان رئيس السلطة سحب كل وزراء السلطة من دارفور بعد ان عجزت الدولة عن تمويل برامج السلطة الاقليمية المتمثلة في مؤتمرات النازحين واللاجئين ومؤتمر الحوار الدارفوري، بالاضافة الى تمويل برامج السلطة الروتينية ودفع المكون الاولى من الالتزامات المالية المفروضة على الخرطوم وتقدر ب« 260» مليون دولار. وقد واجه السيسي بحسب المصادر ضغوطا كبيرة من قيادات حركة التحرير والعدالة بسبب عدم تقديمه طلباً لرئاسة الجمهورية يشرح فيه ملابسات وتداعيات غياب التمويل، واضاف: برز ذلك في عدم اكتمال ترتيب مكاتب السلطة وغياب مخصصات الوزراء ما يعرض الاتفاقية للخطر بسبب عدم القدرة على تنزيل بنودها. ونقل المصدر عن سيسي أن الحكومة طالبته بالبحث عن مصادر اخرى للتمويل، فبدأ في تحسس مصادر اخرى في قطر وبعض معارفه في الاممالمتحدة والاتحاد الافريقي من اجل اسعاف الاتفاقية. وعلمت « الصحافة» ان السلطة الانتقالية اعدت مذكرة وافية بكل هذه الاخفاقات التي تواجه تنفيذ الوثيقة وحجم الضغوط التي تتعرض لها الحركة من الجماهير في دارفور، وان رئيسها سلمها لرئاسة الجمهورية بغية التصرف، وان السلطة تعتزم تسليم نسخة من ذات المذكرة الى الوسطاء في قطر والشركاء الدوليين في عملية السلام لوضعهم في التطورات. واقر رئيس الدائرة السياسية في حركة التحرير والعدالة التي وقعت في الدوحة، احمد كبر جبريل، بأن حركته ورئيسها غاضبان من مستوى تنفيذ الاتفاق لان الدولة لم تفِ بالتزاماتها المالية تجاه الوثيقة، ولم توفر السيولة المالية الكافية لتشرع السلطة في اداء مهامها في الاقليم والمحددة حصرا عليها في الدوحة.ولم يؤكد كبر عدم عودة التجاني السيسي لكنه قال ان رئيس السلطة ذهب للمشاركة في مؤتمر اقتصادي بالعاصمة الاثيوبية ولم يعد حتى الان، ملوحا بأن عودته اضحت مثارا للحديث. وانتقد الناطق الرسمي باسم نازحي الاقليم، خضر محمد علي، تباطؤ الحكومة والسلطة في انفاذ وثيقة الدوحة في زمانها المحدد، مشيرا الى ان «70» من مواطني الاقليم تفاءلوا بتحقيقها مطالبهم رغم اقتناعهم بجزئيتها الا ان مضي اكثر من «9» اشهر دون تحقيق انجاز ملموس على الارض جعل الشكوك تحيط بصمود الاتفاق امام اختبار التنفيذ. وقطع الناطق باسم نازحي دارفور ل» الصحافة» بأن السلطة الانتقالية لم تقدم شيئا حتى الان على صعيد مطالب النازحين واللائجين، ولم تتعامل مع قضاياهم التي تم الاتفاق على حلها في الدوحة بشكل صحيح، مؤكدا ان فئة النازحين لازالت في انتظار الخدمات الموعودة بها في المعسكرات، كما ان اللاجئين ينتظرون بدء برامج العودة الطوعية من تشاد وغيرها. ودخلت حركة العدل والمساواة على خط التطورات في دارفور ، حيث قال ناطقها الرسمي جبريل ادم بلال معلقا على احتجاجات السلطة الاقليمية وسحب وزرائها من الاقليم ، بأن الاتفاقية لم تحقق اي من مطالب الاقليم بعد مرور 9 اشهر من توقيعها، وقلل جبريل ، في تصريحات صحفية من مقر اقامته في لندن،من مكاسب اهل الاقليم من الوثيقة مضيفا ان كل ما حققته هو توظيف التجاني السيسي وزمرته ، واشار الى انها حتى الان لم تؤمن دارفور او تحقق تنمية واعمارا او تساهم في عمليات العودة الطوعية للنازحين. واعتبر جبريل ان التعثر سيلازم تنفيذ الاتفاقية حتى نهايتها مثل الاخريات، بخاصة وان الوثيقة اقرت بأن تدفع الحكومة «2» مليار دولار لبرامج التنمية والدعم الاجتماعي لدارفور خلال الاعوام القادمة، وهو ما عده ناطق العدل والمساواة مستحيلا نظرا للظروف الاقتصادية التي تحيق بالبلاد، مردفا « ومن اين للحكومة ان تدفع للسيسي وهي تعلن ان السودان يحتاج لثلاثة اعوام للتعافي من الازمة الاقتصادية؟». ورأى جبريل ان هذا الواقع يضع السيسي لوحده في مواجهة استحقاقات اهل الاقليم من السلطة الانتقالية. غير ان الوزير في رئاسة الجمهورية ومسؤول ملف دارفور في الحكومة قطع بعدم صحة ما تواتر عن مغاضبة السيسي وعدم عودته للبلاد، وقال امين حسن عمر ل» الصحافة» بالامس ان السيسي ذهب لاديس ابابا للمشاركة في مؤتمر حول النزاعات في افريقيا، وسيعود الى الخرطوم اليوم ليعقد من فوره مؤتمرا صحفيا لتوضيح الحقائق. ونفى امين حسن عمر بشدة الاتهامات الموجهة للحكومة بعدم الايفاء بالتزاماتها المالية تجاه السلطة وعرقلت برامجها، موضحا ان الحكومة وضعت كل الاعتمادات المالية الخاصة بوثيقة الدوحة في بنك السودان، لكن لم يتم حتى الان الاتفاق على اصدار تشريع خاص لتكوين وادارة صندوق اعمار وتنمية دارفور الذي سيتولي ادارة كل الاموال المخصصة للعملية التنموية. الا ان الوزير المكلف بملف دارفور اقر في حديثه مع « الصحافة» بأن تنفيذ الاتفاق لا يمضي وفقا لما هو منصوص عليه، لكنه جدد التزامات الحكومة بتنفيذ ما اتفق عليه، موضحا ان وزير المالية صدق الان على المبالغ المطلوبة من السلطة لتنفيذ برامجها في الاقليم ومنها مؤتمرات النازحين واللاجئين، مبديا تحفظ الحكومة على تمويل مؤتمر الحوار الدارفوري- الدارفوري لان مسؤولية ذلك المؤتمر ، بحسب وثيقة الدوحة، تقع على عاتق الشركاء. واوضح وزير الدولة برئاسة الجمهورية ان الحكومة رصدت ايضا اموالا اخرى للانعاش المبكر وجبر الضرر. بينما يري المحلل السياسي عبدالله ادم خاطر انه ليس هناك سبب يدعو رئيس السلطة الانتقالية التجاني السيسي للتهرب من مسؤوليته التاريخية تجاه اقليم دارفور والمجتمع الدولي، و ذلك في ظل الوضع الذي يمر به السودان الان. واشار خاطر الى ان الدولة بحاجة الى زيادة الفهم العام لحقوق الاخرين في ظل الوضع الحالي، والايفاء بعهود ومواثيق مكتوبة سواء في الدوحة او غيرها، مضيفا « امام حركة التحرير والعدالة والحكومة فرصة اخيرة للظهور برؤية حقيقية تنفذ لحل قضية دارفور بشكل مباشر، وهذا من واقع وثيقة الدوحة التي تنص على بنود والتزامات قاطعة، واعتبر المحلل السياسي عملية التأخير في التطبيق « غير مطلوبة» وقال انها قد تعرض الاتفاق الى تباين في وجهات الرؤى ، ويمكن ان يدعم من رؤية رافضي الاتفاق ، ويبين انهم كانوا على حق . وطالب عبد الله ادم خاطر الحكومة بانتهاز فرصتها الاخيرة بدارفور للظهور بشكل جديد لتثبت للناس مصداقيتها في تنفيذ ما وقعت عليه بالدوحة او كذبها بعدم التنفيذ امام الرأى العام الدارفوري والوطني والعالمي.