صادف يوم امس الثالث من مايو من العام 2012 اليوم العالمى للحريات الصحفية فى وقت تشهد فيه الصحافة هنا فى السودان اوضاعا بالغة التعقيد ابرزها حالة الرقابة بكل اصنافها قبلية كانت ام بعدية، هذا الى جانب الرقابة الذاتية التى تشكلت فى الذات الصحفية لتكرار آليات التخويف التى تحيط بمعصم الصحافة السودانية . كثيرة هى الصحف التى اوقفت ازاء بعض المواقف الامر الذى يدل على ان الصحافة هنا فى السودان لم تلق حظها من الحرية الكاملة لذلك جاء يوم امس مصحوبا بحالة من التحسر والأسى لما آل إليه الوضع الصحفى السودانى . وفى قاعة الشارقة بجامعة الخرطوم وسط حضور سياسى وصحفي كبير تقدمته قيادات بارزة من الحزب الشيوعى السودانى وعدد من القيادات السياسية المعارضة وبحضور فاعل لوسائل الاعلام خاصة المقروءة ، احتفلت اللجنة العليا لتكريم الراحل المقيم التجانى الطيب باليوم العالمى لحرية الصحافة فى احتفال اختلطت فيه مشاعر الرحيل وما يحيط بالمهنة من مآسى عددها المتحدثون فى الاحتفالية عبر اوراق عمل بينت وعددت مآثر الراحل التجانى الطيب وتجربته، فيما تناولت الاوراق امر الرقابة القبلية المفروضة على الصحف وتضييق الحريات وتضمنت الاوراق تجربة الراحل التيجانى الطيب التى قدمها عادل ابراهيم عبدالله ، وورقة بعنوان اخلاقيات المهنة قدمها محمد محجوب مصطفى وورقة اخرى قدمها حسين سعد ، وورقة عن التجربة الصحفية فى السودان البيئة القانونية والممارسة العملية اعدها الاستاذ فيصل محمد صالح .الى جانب عدة مداخلات تطرقت فى مجملها لما تعانيه الصحافة السودانية من تضييق وقبضة شمولية قاتلة بحسب ما ذهب إليه اكثر من متحدث . الاستاذ فيصل محمد صالح اكد عبر ورقته التجربة الصحافية فى السودان (البيئة القانونية والممارسة العملية ) اكد ان هنالك اكثر من قانون اصدر لتنظيم مهنة الصحافة بالسودان الى جانب وجود قوانين اخرى كقانون الامن الوطنى والقانون الجنائى يتحكمان هما الآخران فى مسيرة الصحف . واكد ان القانون الحالى او ما يسمى بقانون 2009 وجد معارضة واسعة وانتقادات كبيرة من الصحافيين انفسهم، واضاف انه حتى التعديلات التى ادخلت عليه لم تكن ملبية للتطلعات . وقال صالح ان الصحافة المحلية تحكم باكثر من قانون وليس بقانون واحد. وفى تعقيب للقانونى نبيل اديب اكد انه لايوجد قانون قائلا (قانون مافى ) واضاف انه لاداع لقانون الصحافة والمطبوعات وهناك رقابة و حمل النظام الحاكم مسؤولية ما يحدث من كبح لحرية التعبير .وقال اديب ان المشكلة توجد فى القوانين الجنائية المخالفة للدستور، مبينا ان القانون الجنائى يضع نصوصا غامضة تطبق بصورة انتقائية على الصحافة وانتقد اديب بشدة تدخل السلطات فى مصادرة الصحف وقال ليس هنالك اى نصوص تعطيها الحق فى ذلك . واشار آخرون الى ان النظام الحاكم خرب المهنة فى وقت اكدوا فيه انه نجح فى جعل بعض الصحافيين يقبعون تحت رحمته وانه ادخل ما يسمى ب(الجرمندية) الى المهنة مضيفين ان واقع الحريات الصحافية يدعو للشفقة .وطالبوا القوى السياسية المعارضة بضرورة ان تقف مع الصحف الموقوفة حتى تعاود الصدور مرة اخرى. وقال الكاتب الصحفى عبدالله آدم خاطر انه لابد من اطلاق يد كل الصحف التى صودرت ودعا الى ضرورة توسيع حجم شبكة الصحافيين لتضطلع بمهام اكبر فى وقت تحسر فيه على عدم مشاركة اتحاد الصحافيين السودانيين فى احتفالية الامس وقال ان حرية الصحافة لا بد من ان تكون مبدأً تتوافق عليه كل الجهات . وطالب بقدر كبير من الحريات ودعا خاطر الى ضرورة العمل على خلق بيئة مساعدة لنجاح الصحافة السودانية للاضطلاع بدورها كاملا . رئيسة تحرير صحيفة الميدان مديحة عبد الله اكدت ان الصحافة السودانية مواجهة بتحديات كبيرة امنية كانت او اقتصادية، واشارت الى ان هنالك صحفا تعمل على اثارة الفتن وشددت على ضرورة ان تتكاتف الصحف مع بعضها من اجل المواطن والقضايا الوطنية على حد تعبيرها عبر مداخلتها امس. واقترحت مديحة تقديم جائزة سنوية تحمل اسم الراحل المقيم التجانى الطيب تقدم كجائزة لاحسن عمل صحفى فى السودان دون تمييز لاى انتماء سياسى للصحفى الذى من الممكن ان يفوز بهذه الجائزة ووجد طرحها تأييدا واسعا من المشاركين الذين تحدثوا جلهم عن ضرورة ان تكون هنالك حريات صحفية حقيقية بعيدة عن هامش الحريات الموجود . وفى تعقيبه قال فيصل محمد صالح بشأن ميثاق الشرف الصحافى ان الميثاق لم يضعه الصحافيون انما قام المجلس القومى للصحافة والمطبوعات بصناعته ولم تشرك فيه الفعاليات الصحافية ووصفه بالوثيقة الفوقية التى لم تكن ذاتية على حد تعبيره . وانتقد بشدة الرقابة القبلية وقال انها لا تفرق بين الناشر والصحفى . وتطرق بالحديث لعدم مقدرة بعض الصحف عن الوفاء بمستحقات منسوبيها لذلك يأخذ بعضهم من مؤسسات حكومية، الامر الذى يقلل من مهنية الصحفى ويجعله عاجزا عن كشف اى تجاوزات من الممكن ان تحدث فى المؤسسات المعنية . احتفال الامس الذي تم تخصيصه للحديث عن الحريات الصحافية كشف عن معاناة الصحافة السودانية ومدى حاجتها لتطور قانوني يخرجها عن حرج الاحتكام للقانون الجنائى وقانون الامن حيث امن المتحدثون على ضرورة ذلك. ليطل السؤال: هل من الممكن ان تحقق امنيات الصحافيين السودانيين بشأن حرية صحافية غير منقوصة ، ام ان العام المقبل سيأتى مصحوبا بذات الوقائع الموجودة الآن ؟