يصادف اليوم الذكرى الخامسة لرحيل الفنان حسن خليفة العطبراوى، وتزدحم على شرف هذه المناسبة الحزينة خواطر وذكريات عزيزة على انسان عطبرة وعموم السودانيين على امتداد الوطن.. عبر هذه المساحة نسلط الضوء على جوانب مختلفة من حياته ومسيرته الغنائية ودوره الوطنى. ٭ المولد والنشأة حسن محمد خليفة محمد الفضل، المولد 1912 بحى المربعات بعطبرة، تلقى تعليمه بخلوة الشيخ حمزة محمد حامد، ودرس بمدرسة عطبرةالشرقية الاولية، وعمل ممرضاً بمستشفى عطبرة، كما عمل بورش السكة الحديد، ثم صار جزاراً بسوق عطبرة مع شيخ الجزارين بعطبرة المرحوم ابو طالب عريف. ٭ عطبرة الأم يقول عبد الواحد لبيني الاذاعى المعتق باذاعة عطبرة، انه سأل الفنان العطبراوى عن سر التصاقه بعطبرة ولماذا لا يغادرها الى حيث الاضواء، فكان رده «إن الهامى يأتينى من ناسها وشوارعها واسواقها ونسمات الليل وصفير القاطرات وهدير الورش وصخب الاطفال والبيوت والناس، وكل شىء فى هذه المدينة العجيبة فكيف اغادرها. ٭ بدايات التعلق بالغناء يقول العطبراوى فى ذكرياته عن بداياته إنه كان شديد الاعجاب بالفنان محمد احمد سرور، وفى نادى النيل بعطبرة انشأ فرقة لموسيقى «القرب» وتأثروا فى هذا بالمارشات العسكرية التى ادخلها الجيش الانجليزى. ويضيف انه غنى بالمثلث والصاجات، وقلد سرور الذى كان يزور عطبرة كثيراً، وانه فهم اصوال الشعر العربى الفصيح، وكان بث الاذاعة السودانية عام 1940 فتحاً عظيماً اسهم بقدر كبير فى تطور الالحان والغناء من الجيل الذى سبقهم وهو جيل الكاشف وأقرانه. بين العطبراوي ونهر أتبرا: نهر أتبرا عميم الخير جم العطاء، ينساب في دعة وهدوء ويعطي اسباب الحياة لكل من جاءه يقصد الالفة والارتباط به والعيش على ضفافه، والعطبراوي الفنان اشتق اسمه من عطبرة، وطغى اسم النهر على اسمها واعطاه الشهرة والمجد. ٭ نضال العطبراوي كتب الراحل امين عبد المجيد وهو يقدم لكتاب «العطبراوي» لمؤلفه نجم الدين الكرفابي، عن روح العطبراوى النضالية التي تمثلت في الاغاني الوطنية التي تميز بها وجعلته امير الانشودة الوطنية «إن العطبراوي عندما وقف شامخاً يؤدي بصوت قوي وشجي قصيدته الوطنية المعبرة «يا غريب بلدك» في مدينة الدامر امام المسؤول البريطاني الرفيع، كان يعلم انه يواجه قمة السلطة البريطانية في المنطقة، وان الامر لا يخلو من عواقب وخيمة رأى مثلها من صدامات ومواجهات في مدينة عطبرة، ولم يكن يخشاها لأنه صاحب رسالة وصاحب قضية، وعندما اعتقل وحوكم بالسجن أدرك ان رسالته وصلت، وان قضيته تسير فى اتجاهها الصحيح، لذا فقد غلبت الانشودة الوطنية على فن العطبراوى، وهو فى ذلك ينسجم تماماً مع مجتمعه وبيئته، إذ أن عطبرة وانسانها كانا فى مواجهة متواصلة مع الاستعمار». ٭ العطبراوي النبع العذب يقول الاستاذ عبد المنعم شجرابى فى ذكرى رحيل العطبراوى، إنه غنى للكادحين فلبست أغنياته «الأبرول»، وركبت «العجلة» وحملت بستلة الفول، وهتفت فى ميدان المولد، واعتصمت بنقابة السكة الحديد، وارتاحت فى حديقة البلدية، وانتظرت شروق الشمس فى الهودى، وجلست للغروب فى أم الطيور، وامتزج غناؤه بالغناء الوطني الجاد والنشيد والطبيعة والحب والجمال والحياة والسفر والفراق والشوق واللقاء، والعطبراوى ملك الأغنيات الوطنية وامبراطور الاغنية العاطفية. ٭ كمال حامد وطرائف العطبراوي ويقول الاعلامى كمال حامد عن العطبراوى ما هو طريف حقاً، حيث ذكر انه سبق وجمعتهم سهرة اذاعية فحكى العطبراوى، وحكى كيف انه غنى فى زواج أبيه من أمه عام 1948م لأربعين ليلة، فقد كان والده، والحديث لكمال حامد، من أعضاء ومؤسسى نادى النيل العريق، وقال: وغنى كذلك فى «سمايتى» فى العام التالى، وغنى فى «طهورى» بعد ذلك بسبعة اعوام، وغنى فى زواجى عام 1978م، وغنى فى طهور ولدى البكر «مهند»، ويومها قال انه يتمنى ويسأل الله ان يغنى فى زواجه «مهند» حتى يكون قد غنى فى زواج الجد والأب والحفيد». ٭ شعراء حول العطبراوي حسب الباري من الشعراء الذين تعاملوا مع العطبراوى فى مجال الشعر، وقدم له واحدة من الاغانى التى ذاع صيتها وهى «نسانا حبيبنا» يقول حسب الباري إن تلك الاغنية كتبها فى عمر مبكر، وكان مندهشاً للقبول الذى وجدته، وقد كانت وليدة شفافية الوجدان الانسانى بكل نقائه، بمعنى أنها لم تكتب لشخص اطلاقاً. وعن كيفية وصولها للعطبراوى أوضح حسب البارى انه ألقاها فى إحدى الليالى المدرسية فى المرحلة الوسطى، وقد قام المرحوم ابراهيم فضل الله جرقندى الذى كان يعمل بالمدرسة، بأخذ القصيدة واعطاها للعطبراوى الذي تغنى بها فى الحفلات، وقال: عندما سمعتها تملكنى الفرح لانه أجاد تلحينها وجعلها من أشهر أغنياته على الاطلاق، الى جانب اغنية «أقول أنساك». ومن الشعراء الذين تغنى لهم العطبراوى نجم الدين الكرفابى ومحمد عثمان عبد الرحيم «أنا سودانى» وحمزة عبد الصادق وتاج السر عباس ومحمود شعبان والتوم ابراهيم التوم ومحيي الدين فارس «لن أحيد» والطيب حسن ومحمد علي طه والطاهر محمد عثمان وشمس الدين حسن خليفة ومحمد علي ابو قطاطى ويوسف التني. وتغنى لشعراء عرب وهم الامير عبد الله الفيصل والشاعر التونسى القيراوانى. ٭ التجربة اللحنية: وعن تجربة العطبراوى اللحنية يقول الفنان أحمد شاويش رئيس قسم الموسيقى فى الاذاعة: العطبراوى من الفنانين الذين تشبعوا بالحقيبة، وكل اغنياته خماسية السلم، وهذا السلم سودانى بحت ومأخوذ من أغانى الحقيبة التى لم تتعامل فى نشأتها الاولى مع الآلات الموسيقية الا نادراً فى فترات لاحقة على ايام بدر التهامى ورفاقه، والعطبراوى رائد فى أغنية التم تم والاغانى الخفيفة، وهو رجل موهوب فى وضع ألحانه، وهو الوحيد الذى لحن كل أغنياته بنفسه التى تجاوزت أكثر من مائة اغنية، ولحن كذلك أناشيد وطنية ومدائح موجودة داخل مكتبة الاذاعة السودانية، مع العلم انه لم يدرس الموسيقى بشكلها العلمى، لكن موهبته قوية ونادرة، وحتى فى الحانه فى الاغانى الوطنية تجد انه على قدر عالٍ من جودة الالحان. والعطبراوى درس فى الخلوة وكان يرتل القرآن بصوت ممتاز فى المدرسة الاولية، وهذا أفاده كثيراً بصفته فناناً وصقل صوته، لذا فهو فنان بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وتجربته اللحنية تصلح للدراسة مثل تجربة الكاشف المتميزة. العطبراوي وأبو داؤود كانت للعطبراوى وابو داؤود رفقة طويلة عبر مشوار من الصداقة والحب والانتماء لنهر النيل، والعطبراوى من عطبرة وابو داؤود من بربر، وظلا معاً حلاً وترحالاً، وكانت السكة الحديد تتعاقد معهما سنوياً للترفيه عن العمال فى المحطات المترامية، العطبراوى يغنى وابو داؤود يرسل الطرف والنكات ويغنى ايضاً، وقد جمعتهما أنشودة «القلب الذاكر» للشاعر أدريس البنا، وكانت قمة الأداء فى الصوت واللحن، وهكذا تظل ذكرى العطبراوى وابو داؤود من أجمل الذكريات فى عالم الفن. توقيع: سيبقى صوت العطبراوي رمزاً فنياً، والعطبراوي سيظل شامخاً وحاضراً فى وجدان الأمة رغم الغياب السرمدى.. له بالرحمة والمغفرة.