لازال بعض المراقبين يذهبون الى ان إتفاق اديس ابابا الاطاري الذي ابرم في منتصف العام الماضي بين نائب رئيس المؤتمر الوطني للشؤون التنظيمية والسياسية نافع علي نافع ورئيس الحركة الشعبية قطاع الشمال مالك عقار ، كان بمقدوره تجنيب البلاد مخاطر الانزلاق في حرب تتمدد على طول حدودها مع الجنوب ،مشيرين الى ان الاتفاق الذي رفضته مجموعات داخل المؤتمر الوطني وصفت بالمتشددة كان من شأنه قفل الطريق امام تأسيس الجبهة الثورية وتدخلات المجتمع الدولي،ووضع حد للحرب الدائرة في جنوب كردفان والحيلولة دون اندلاعها بولاية النيل الازرق،وذات المراقبين اتفقوا بعد ان تم اجهاض اتفاق اديس الاطاري على ضرورة فتح باب الحوار مع الحركة الشعبية قطاع الشمال وذلك لوضع حد للحرب في ولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق ولانهاء معاناة السكان المحليين بالمنطقتين ،ولكن صوتهم بدأ في الانخفاض ومن ثم التلاشي التدريجي عقب ارتفاع صوت الحكومة بعيد تكوين تحالف الجبهة الثورية الذي ضم الحركة الشعبية قطاع الشمال وعدداً من فصائل دارفور المسلحة ،حيث اعلنت الحكومة عزمها التصدي بحزم وقوة للجبهة ،وبلغ التصعيد مداه بين الطرفين عقب احتلال الجنوب منطقة هجليج مرتين بدعم من الحركات المسلحة ،علاوة على محاولات جيش الحركة الشعبية احتلال منطقة تلودي الاستراتيجية ،وعلى اثر تصعيد الحكومة حملتها ضد حكومة الجنوب التي تتهما بايواء الجبهة الثورية ،غاب الحديث كليا عن ضرورة فتح باب الحوار مجددا بين الحكومة والجبهة من قبل المراقبين ،بيد ان رئيس حزب الامة الامام الصادق المهدي ظل ومن خلال منابر مختلفة ينادي بضرورة اتخاذ الحوار حلا للقضاء على مشاكل السودان عامة وقضايا دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق على وجه الخصوص ،والاول من امس جدد من دعوته ،ودعا الى الحوار مع قيادات تحالف الجبهة الثورية مالك عقار ،عبد العزيز الحلو ،ياسر عرمان،جبريل ابراهيم،ومني اركومناوي ،على كل القضايا عدا الخطوط الحمراء التي حصرها في العلمانية وحق تقرير المصير ،واصفا هذه القيادات بالعقلاء. وبعيدا عن قرار الاممالمتحدة الاخير الذي دعا الحكومة للحوار مع الحركة الشعبية قطاع الشمال وذلك لانهاء الحرب في النيل الازرق وجنوب كردفان، وقريبا من نداء رئيس حزب الامة القومي ،يطرح مراقبون سؤالا حول ذات الامر وفحواه مدى قابلية الطرفين(الحكومة والجبهة الثورية) للحوار في ظل التصعيد الاخير عسكريا واعلاميا وسياسيا ،يجيب القيادي بولاية جنوب كردفان الدكتور صديق تاور في حديث بالامس ل(الصحافة) بالتأكيد عدم وجود خيار امام الطرفين غير الحوار الذي اعتبره الخيار الانسب ،واصفا رهان الطرفين على الوصول الى اهدافهما عبر فوهة البندقية بالخاسر ،مستندا على جملة من النماذج العالمية ،ومضيفا:الحكومة لن تستطيع القضاء نهائيا على الحركات المسلحة وهذا الامر حقيقة تؤكدها كل نماذج الحروبات التي دارت بين الحكومات والحركات المتمردة في مختلف دول العالم ،ويرى تاور ان تحالف الجبهة الثورية الذي اعلن ان هدفه اسقاط النظام يساعد بطريقة غير مباشرة في اطالة عمر النظام ،مؤكدا ان العمل المسلح ضد الحكومة يخدم المؤتمر الوطني ولايضعفه ،غير ان القيادي بجنوب كردفان ورغم تأكيده على ضرورة الحوار أكد على عدم ايمان الطرفين بالديمقراطية والحلول السليمة ،ولكن عاد تاور للاشارة الى ان المخرج الحقيقي للقضاء على مشاكل السودان يتمثل في اعمال مبدأ الحوار. نظريا قد يبدو الحوار هو السبيل الوحيد المتاح امام الطرفين للوصول الى صيغة مثلى تفضي الى مغادرة السودان مربع الاحتراب الذي لم يغادره رغم انفصال الجنوب ،ولكن عمليا تتمسك حكومة المؤتمر الوطني بموقفها الرافض لاعادة سيناريو نيفاشا ،وتؤكد على استقرار الاوضاع بدارفور ولو نسبيا ،فيما تشدد الجبهة الثورية على ضرورة اسقاط النظام عبر العمل المسلح ،وموقفا الطرفين ينمان عن صعوبة تلاقي خطوطهما ،فكيف السبيل الى ذلك ،يشير الامين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي بجنوب دارفور عبد الرحمن الدومة في حديث ل(الصحافة) الى ان البلاد تمر بظرف دقيق يستوجب على كل القوى السياسية بما فيها الحاكمة والجبهة الثورية الوصول لقناعة ان الحوار هو الخيار الوحيد لحل مشاكل السودان ،ويقول ان السودان ليس ملكاً للمؤتمر الوطني ،وانطلاقا من هذه القاعدة يرى الدومة ان كل الاطراف مطالبة بالعمل على استقرار السودان حتى يعيش اهله مثل الشعوب الاخرى في استقرار وسلام ،ويضيف:الكرة في ملعب الحكومة وهي المعنية بالحوار وعليها ان تعلم انه وبعد الربيع العربي بات هناك وعي بالحقوق ولم يعد الخداع ينطلي على الشعوب ،واذا لم تعِ كل القوى السياسية وعلى رأسها الحزب الحاكم والجبهة الثورية خطورة الاوضاع في السودان ستنتقل وتشابه اوضاع المشهد السوري بكل تفاصيله ،وطالب الامين السياسي للمؤتمر الشعبي الحزب الحاكم ان يكون في موقع وطني صادق للخروج بالسودان الى بر الامان. ولكن الحزب الحاكم ومن خلال تصريحات قادته يؤكد ان الجبهة الثورية هي التي اشعلت الحرب الاخيرة وقبلها الحركة الشعبية قطاع الشمال في النيل الازرق وجنوب كردفان ، وان الجبهة الثورية تنفذ اجندة اجنبية،وتشترط الحكومة تخلي الجبهة عن العمل المسلح للحوار معها ،وهذا مايشير اليه في حديث هاتفي مع (الصحافة) نائب والي ولاية النيل الازرق الدكتور آدم ابكر اسماعيل الذي أكد ان الحركة الشعبية هي من اشعلت الحرب وليس الحكومة ،وقال انهم ظلوا يطالبونها بوضع السلاح اولا ومن ثم الدخول في حوار ،واردف:الحكومة ظلت على الدوام تنادي بالحوار ولم تلجأ للعمل العسكري الا دفاعا عن الارض والمواطنين انطلاقا من واجبها الذي يفرضه عليها الدستور،وقال ان حرص الحكومة على الحوار يدلل عليه موافقتها على التفاوض مع حكومة الجنوب رغم ما فعلته اخيرا في هجليج،ويؤكد نائب والي النيل الازرق على امكانية جلوس الحكومة مع الجبهة الثورية ،الا انه اشترط تخلي الجبهة عن العمل المسلح ،وأردف»اذا كانت لديهم قضايا وطنية وليس اجندة خارجية فلا يوجد مايمنع الحوار معهم». ويعتبر مسؤول دارفور بحزب الامة اسماعيل كتر ان اوقات المكابرة والعناد ولت من غير رجعة،مشيرا في حديثه ل(الصحافة) على ضرورة قبول الحكومة بالحوار مع الجبهة الثورية ،مؤكدا ان المواطن هو من يدفع ثمن التمترس خلف رفض الحوار غلاءً وانفلاتا وازمات ،مطالبا الطرفين بالعودة الى جادة الصواب.