زار السيد رئيس الجمهورية المشير عمر حسن البشير مدينة تلودي الباسلة يوم الجمعة الرابع من مايو، وأدى صلاة الجمعة فى مسجدها العتيق، وقال كلمة إطراء وشكر لمواطنى تلودى، وكان الرئيس فى الحقيقة يكرم كما قال هو نفسه ونيابة عن جميع اهل السودان، صمود وبسالة وبطولة اهل تلودى واستماتتهم فى الدفاع عن حدود السودان الجنوبية. وهناك عشرات الهجمات التي استخدم فيها المتمردون المدعومون من دولة الجنوب جميع انواع الاسلحة الفتاكة، الدروع والمدفعية الثقيلة والرشاشات المحمولة على العربات ذات الدفع الرباعى وقاذفات القنابل، وغيرها من اسلحة الدمار، لكنها لم تزد اهل تلودى الا اصراراً على الصمود والمواجهة وتمسكا بالموقع، وزار الرئيس قبل اسبوع من زيارته تلودى اسرة دفع الله على ديدان التى قدمت شهيدين فى معارك تلودى، ومن منزل دفع الله فى ام درمان المربعات قال كلمة ثناء فى حق اهل تلودى، لكنه ربما استدرك ان ما قدمته تلودي اكبر من ان يحصر ويختزل فى اسرة واحدة مهما كان حجم تضحياتها، لذلك رأى ان يذهب بنفسه الى تلودي ليحيي من استشهد من اهل تلودي ومن بقى متوسدا سلاحه قابضا على الزناد ينتظر دوره فى الشهادة. وما قاله الرئيس فى حق تلودي شرف تستحقه وفخر هى جديرة به. وما شهد به نيابة عن اهل السودان جعلنا نحن ابناء تلودي نرفع رؤوسنا عالية ونشعر بالعزة والفخر بانتمائنا لهذه البلد ولاهلها الابطال، فقد تعرضت تلودي لعدة هجمات قاتل فيها المتمردون بجنون، وقاوم اهل تلودي ببسالة وبطولة، فكان النصر حليفهم. وكان المتمردون يشعرون ان تلودي هى المدينة الاستراتيجية التى يجب الاستيلاء عليها باى ثمن لربطهم بالجنوب وتأمين خطوط امداد مفتوحة لقواتهم، وتقوية موقفهم التفاوضى فى أية مفاوضات قادمة كما كتب الصحفى الامريكى الذى رافق جيش الحركة الذى هاجم تلودي 12/4/2012حيث كتب Alan Boswell : Capturing Talodi would give the rebels, for the first time, a base at one end of an all-weather road that leads to Malaki, a city in South Sudan, the newly independent nation whose rulers have long been closely allied with the rebels here. With Talodi in their hands, the rebels would be close to opening a year-round supply line from the south, where the military, the Sudan Peoples Liberation Army, bears almost the same name as the rebel force, the Sudan Peoples Liberation Army, The rebels have failed before and could well again. rebel forces, perhaps 8,000 strong, have flanked the town on three sides هكذا وبشهادة الصحافيين الاجانب الذين يرافقون المتمردين لتوثيق الانتصارات المنتظرة، فشلت قوة قوامها ثمانية آلاف مقاتل من الحركة فى اقتحام المدينة واحتلالها، لكنها أفلحت بالطبع فى ارتكاب فضائع عديدة وسط المواطنين العزل.. مجزرة فى ام دوال ومفلوع.. حرق ونهب ممتلكات المواطنين وتشريدهم، ومازال الشيخ حسين جاروط مؤذن مسجد مفلوع وعدد من مواطنى قرية مفلوع فى الأسر، ودفعت تلودي ثمن قبولها بأن يتولى ادارتها بعد اتفاقية السلام الشامل ثلاثة من معتمدى الحركة الشعبية على التتابع، ودفعت ثمن وجودها فى بوابة السودان الجنوبية. شكراً لك أخي الرئيس، فقد قلدت تلودي وساماً تستحقه، وواسيتنا في مصيبتنا، وجعلتنا نشعر بأن كل السودان يقف مع تلودي، فلتذهب الممتلكات بل يمضى الشهداء، لتبقى الكرامة وعزة النفس، فأهل تلودي يستعيرون اليوم كلمات الشاعر اسماعيل حسن: وا أسفاي وا ذلي لو ما كنت سودانى وأهل الحارة ما أهلى مهاجرون وأنصار وتفرغ كل القادرين على حمل السلاح من اهل تلودي للدفاع عن المدينة وحماية حدود السودان الجنوبية، وهاجرت النساء والاطفال وكبار السن الى جميع مدن السودان الشمالية يطلبون النصرة والايواء من اهل السودان، وقد انبرى لنصرتهم البروفيسور الأمين دفع الله رئيس اللجنة العليا للاسناد ولجنته الخاصة بالاسناد جزاه الله خيراً، فالرجل حمل هم أهل تلودي، وخاطب جميع ولاة السودان وجميع المنظمات والمؤسسات ليقتطعوا من قوت ولاياتهم وخدماتها ويقدموه لتلودي، وكانت الاستجابة سريعة ترجمت فى القوافل التى سارت وتتابعت الواحدة تلو الاخرى الى تلودي ومناطق جنوب كردفان الاخرى.. لكن اخى الكريم بروف الامين المسألة اكبر من إغاثة تقدم لنازحين.. المسألة لها جوانب نفسية واجتماعية واقتصادية متداخلة.. واهل تلودي ليسوا نازحين يطلبون إغاثة بالمعنى المتعارف عليه.. اهل تلودي مهاجرون خرجوا فى ظروف قاهرة، وفقدوا كل ممتلكاتهم، فهم يحتاجون الى حسن الاستقبال والضيافة.. ويحتاجون الى شيء يشبه بما فعله الانصار فى المدينة مع المهاجرين من مكة.. يحتاجون من يقاسمهم كل شىء بنفس طيبة ووجه طلق وروح اخوية صادقة.. أخى الامين دفع الله جزاك الله خيراً فقد بذلت ما فى الوسع، لكنى ارجو ان انقل اليك ان النتائج الاولية للمسح الذى اجراه المجلس الاستشارى لروابط وجمعيات تلودي بالعاصمة القومية بالتضامن مع مركز دراسات التماس، قد اوضح أن عدد الاسر التى هاجرت الى الخرطوم 782 اسرة بعدد سكان 4442 نسمة، وعدد تلاميذ الاساس 1589 تلميذاً، وعدد طلاب الثانوى 242 طالباً، وعدد طلاب الجامعات 37 طالباً والخريجون 57، ومازال العدد فى تزايد، وهنالك آخرون متناثرون فى مدن السودان الاخرى، لذلك فإن مركز دراسات التماس والمجلس الاستشارى لروابط وجمعيات تلودي بالعاصمة وتحت رعاية السيد رئيس لجنة الاسناد سيتقدمون لشعب ولاية الخرطوم والمواطنين فى مدن السودان الاخرى بمشروع باسم «هجرة وأنصار» تأسياً بسنة الانصار رضوان الله عليهم، وذلك لاستضافة اهل تلودي ريثما يتم تطهير الارض وإعادة بناء المدينة وقراها، فيرجع الناس الى موطنهم الذى احبوه وضحوا من اجله «أبو إبرة جبل النوة». سلام القرار «2046» اصدر مجلس الامن الدولى فى 2 مايو 2012 القرار 2046، الذي يشدد على الدعم القوي وبالإجماع لخريطة الطريق الهادفة لتحقيق السلام بين السودان وجنوب السودان، كما وضعها مجلس السلام والأمن للاتحاد الإفريقي، وقد تابعت باهتمام شديد كلمة سوزان رايس مندوبة الولاياتالمتحدةالامريكية فى مجلس الأمن، وكلمة المندوب الدائم لجمهورية الصين فى مجلس الأمن، ولاحظت ان مندوبة الولاياتالمتحدة تساوى بين افعال دولة جنوب السودان وجمهورية السودان، بل وتتحامل على جمهورية السودان، رغم ان الجنوب هو الدولة البادية بالعدوان، وهى الدولة المستضيفة للحركات المسلحة المعارضة، وهى الدولة الممولة لتمرد عبد العزيز الحلو ومالك عقار وتجمع كاودا.. قالت سوزان رايس: «لم يندلع النزاع في الأسبوع الماضي أو في الشهر الماضي، ولا حتى في العام الماضي. فالتوترات الكامنة وراء هذا النزاع لها جذور طويلة، وآخرها المسائل العالقة ضمن بنود اتفاقية السلام الشامل. وقد واصل مجلس الأمن والاتحاد الإفريقي، وحكومتي، والعديد من الآخرين في المجتمع الدولي توجيه تحذيرات قوية وشديدة اللهجة إلى الطرفين من أجل التوصل إلى حل لهذه المسائل سلمياً. وحتى تاريخه، تخلف الطرفان عن الامتثال لذلك. ويتضمن تاريخ هذا النزاع سلسلة طويلة من الوعود المنكوث بها. وعليه، وكما يشير إليه هذا القرار، فإننا سوف نحكم على الطرفين على أساس أفعالهما وليس بكل بساطة على أساس أقوالهما». هذا ما قالته سوزان رايس، وهى تعلم ان المسائل العالقة كانت على وشك الاتفاق حولها، وقد تم تحديد مواعيد لزيارة الرئيس البشير الى جوبا للتوقيع عليها، وكان من المنظور التوقيع على اتفاق ينظم حركة مواطنى البلدين، وهو الاتفاق الذى عرف باتفاق الحريات الاربع، وقد وجد قبولاً من كافة قطاعات الشعب السودانى حكومةً ومعارضةً، لكن حكومة الجنوب هى من أفسد ذلك باحتلال هجليج. وقالت سوزان كذلك: «ومن الضروري أيضاً عودة الطرفين فوراً إلى طاولة المفاوضات تحت إشراف اللجنة التنفيذية الرفيعة المستوى التي شكلها الاتحاد الإفريقي من أجل التوصل إلى اتفاق حول المسائل المهمة العالقة. إننا ندعم خطط الاتحاد الإفريقي بالسفر إلى الخرطوموجوبا خلال الأيام القادمة لبدء تنفيذ هذه العملية. فهي تشكل في نهاية المطاف الطريق الوحيد الذي يمكن أن يمنع حصول نزاعات إضافية. وفي حال تخلف الطرفان عن اتخاذ هذه الخطوات بسرعة، فهذا المجلس موحد في تصميمه لإخضاع الجانبين للمحاسبة. ونحن نقف على أهبة الاستعداد لفرض عقوبات بموجب الفصل السابع على أي واحد من الطرفين أو كلاهما، حسب الضرورة». واوردت هذه الفقرة من حديث سوزان أن السلام القادم سيكون سلاماً تحت وطأة التهديد، تهديد يجعل احد الطرفين ودون شك يزداد عناداً على عناده ويرفع سقف مطالبه، وكثير منها مطالب مستحيلة. ورغم أن مندوب دولة الصين الدائم فى مجلس الامن السفير لى باودونغ حاول ان ينحى منحى مختلفاً لا يساوى بين المعتدي والمعتدى عليه ويبتعد عن التهديد بالعقوبات، حيث قال: «تدعو الصين دائماً المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف موضوعي ومحايد ومتوازن من العلاقات بين السودان وجنوب السودان، وتجنب الاصطفاف أو فرض ضغط على طرف واحد فقط، والامتناع عن التدخل في جهود الوساطة التي يبذلها الاتحاد الإفريقي والمنظمات الإقليمية الأخرى ودول المنطقة. ونكون دائماً حذرين جداً من فرض العقوبات أو التهديد بفرضها» رغم هذه المداخلة القوية إلا أن الموقف المتحامل على السودان الذى تتبناه الولاياتالمتحدة هو ما سيكون سائداً فى مجلس الامن، وهو ما سيؤثر على قرارات مجلس الأمن الدولى فى شأن النزاع بين الشمال والجنوب، ونحن نؤيد الامتثال للمجتمع الدولي، ولكن نقول بالصوت العالي ان المفاوضات القادمة ليست شأناً حزبياً خالصاً من حق المؤتمر الوطنى أن يقودها، لكنها ليست من اختصاص شلة مهما كانت كفاءتها، ونحن لا نقدح فى مفاوضينا ووطنيتهم، انما نؤكد ان الاتفاق القادم شأن يهم كل السودانيين حكومةً ومعارضةً، وشأن يهمنا نحن اهل المصلحة سكان التماس بصفة خاصة، ولا بد من المشاركة وابداء الرأي ونريد تعويضا لما اصاب اهلنا ممن فقدوا ممتلكاتهم ومصالحهم بانفصال الجنوب. ونريد تأمين حقنا فى الرعى العابر للحدود والتجارة البينية والزراعة بأمان فى الاراضى الخصبة التى تقع فى حدودنا الجنوبية.. رنريد التواصل الاجتماعى والثقافى مع أهلنا فى الجنوب مع حزام التماس هو حزام الموارد، لكنه حزام مأهول بالسكان ولا بد من مراعاة مصالح سكانه . وأخيراً لا بد من رسالة نوجهها الى الحركة الشعبية بجبال النوبة، فالقرار «2046» خاص بالعدائيات بين الشمال والجنوب ولا يشملكم، وعليكم إعادة النظر فى موقفكم.. لقد اعتديتم على مواطنيكم ونهبتم ممتلكاتهم وهجرتموهم من أراضيهيم وأوقفتم مشروعات التنمية، وأغلقتم المدارس وشردتم التلاميذ.. فما هو الثمن؟ ماذا تريدون ؟ هل تريدون إسقاط حكومة الخرطوم؟! لقد سلكتم الطريق الخطأ تماماً. ومنْ قال لكم إنكم ستحكمون السودان إذا سقطت الحكومة المركزية؟ ومن الطرائف التى تحكى عن احد الطلاب الافارقة فى جامعة افريقيا العالمية، أنه عندما نشأت مشكلة بين الطلاب والإدارة وقرر الطلاب الإضراب عن الطعام، رفع هذا الطالب الافريقى اصبعه وقال: «نحن مشكلتنا مع الادارة فما ذنب الطعام؟» أنتم مشكلتكم مع المركز فما ذنب مواطنى جنوب كردفان؟ متى تفهموا الدرس؟ الحكومة ستتفاوض مع الجنوب وستحاربكم انتم ومواطنو الولاية سيساندونها، لأنكم لم تتركوا للمواطن خياراً آخر، فعليكم أولاً التصالح مع المواطن الذى شردتموه من أرضه ونهبتم ممتلكاته، فازداد فقرا على فقره وبؤسا على بؤسه. وعليكم رتق النسيج الاجتماعى الذى مزقتموه.. فقد دمرتم وبطريقة انتقائية عدداً كبيراً من القرى والفرقان، ونقول بكل صراحة: لن نرضى بأن يُفرض علينا من يحكمنا، فدعوا التطور الطبيعى يحدد من يملك الاهلية للحكم، وأخيراً مع كل ما فعلتم نحن نمد يدنا للحوار والتفاهم.. فتحرروا من أسر أجندة الغير وتعالوا نتفاكر حول مستقبل ولايتنا.