تستحوذ القضايا الاقتصادية على اهتمام مختلف شرائح المجتمع خاصة في ظل الغلاء الذي أخذ برقاب الجميع، ومن هنا برزت مناقشة هذه القضية واحتلت مكانا متقدما في نقاشات من يهتمون بالعمل العام، بخاصة وان الحكومة تستشعر خطورة الاوضاع الاقتصادية في البلاد، واعلنت عن خطة اصلاح اقتصادي متكاملة تشمل خفض الانفاق الحكومي وجراحات هيكلية في سياساتها المالية فضلا عن رفع متوقع عن الدعم المقدم للمحروقات. وفي إطار طرح القوى السياسية المختلفة للقضية ومناقشة السبل الاوفق لمعالجتها والتعاطي معها خصص حزب التحرير ولاية السودان موضوع منتداه نصف الشهري الذي انعقد بدار الحزب بالخرطوم بالثلاثاء الماضي الخامس من يونيو 2012م لمناقشة قضية غلاء الأسعار وصناعة الفقر، وتحدث في المنتدى الأستاذ عثمان أبوراس، وشهد المنتدى عدد مقدر من الإعلاميين والساسة والمهتمين. ابتدر الأستاذ أبوراس حديثه مؤكدا أن موارد السودان البشرية والمادية قياسا إلى الدول من حولنا ضخمة جدا، لكن المفارقة تبرز حين نقارن وضعنا بأوضاع هذه الدول حيث تأتي المقارنة لغير صالح السودان، مما يؤكد أن الفقر صناعة. والسودان كان يُعد إلى زمن قريب سلة غذاء العالم، لكننا أصبحنا اليوم نستورد ألبان البودرة بدلا من انتاج اللبن، كما نستورد زيوت الطعام بملايين الدولارات سنويا، وقرر الأستاذ أبوراس أن الفقر مرتبط بسياسات الدولة، وبالتالي تقع على الدولة المسئولية الأولى منذ حقبة الاستعمار وما بعد الاستعمار، فالاقتصاد السوداني تركّب أيام الاستعمار بما يسد حاجة الصادر والمصانع الغربية، ومضى على نفس الحال بعد الحكومات الوطنية. وعرّف الأستاذ أبوراس التنمية حسب التعريفات العالمية بأنها توسيع نطاق الخيارات أمام الناس وأهمها المعيشة اللائقة،والتعليم والحريات الأساسية وحقوق الإنسان،وبالتالي فإن الفقر يعني عدم توفر هذه الفرص أمام الناس،والفقر يعني أيضا الحرمان من الحد الأدنى من المتطلبات الأساسية من الغذاء والخدمات الصحية والتعليم والحرمان من التوظيف والمشاركة. واستطرد الأستاذ أبوراس مشيرا إلى أن الفقر إسلاميا يُنظر له كمشكلة دينية اجتماعية توقع الفرد في المعصية والجريمة وتجعله في حالة من الذل، وأكد أن الإسلام حارب من ينظرون إلى الفقر كقدر محتوم، وأشار الأستاذ أبوراس إلى أن مظاهر الفقر تتمثل في انخفاض دخل الفرد لأقل من دولار في اليوم، وتآكل القيمة الشرائية للعملة الوطنية وانخفاض الصادر وغلاء الأسعار وازدياد البطالة وتردي الأوضاع الصحية وارتفاع نسبة وفيات الأطفال والحوامل وانتشار الملاريا. وحول أسباب الفقر عدّد الأستاذ أبوراس منها العوامل الطبيعية، والحروب،وسياسات الدولة،وتكدس المدن بالنازحين،وفشل وعجز السياسات الاقتصادية للدولة،وتفاقم الدين الخارجي، وضعف الانتاج، وضعف التخطيط،والآفات الزراعية،والضرائب الباهظة، ونزوح الرعاة بالثروة الحيوانية إلى دول الجوار والتهريب. وحول كيفية مكافحة الفقر أكد الأستاذ أبوراس أن هذه القضايا لا يمكن أن تُحل جزئيا في مناخ لا يتوافر على حرية ومشاركة في صنع القرار ولا في وجود جماعة واحدة تتحكم في مقاليد الامور ورسم الاطر والسياسات الاقتصادية والاجتماعية المطبقة، معتبرا ان مفاتيح الحل لهذه القضية في المستقبل تكمن في توفير مناخ الحرية والشفافية، والاعتماد على سياسات علمية،وانعقاد مؤتمرات متخصصة،وتنمية وتطوير القدرات البشرية،وبناء قطاع صناعي متكامل، والاعتماد على مواد محلية بقدر الإمكان، وبناء الطرق والجسور،وتنمية القطاعات الأخرى. وقد حظيت الندوة بنقاش واسع من الحضور، وأشار المداخل الاول ناصر رضا لعدة قضايا ساهمت في موضوع الغلاء وصناعة الفقر منها الاحتكار، والضرائب والجمارك، والخصخصة، والسياسات الفاشلة، وعدم وضوع الرؤية الفكرية والمنهجية لقضية المال ومن صاحب المال أصلا، مشيرا إلى المدارس الرأسمالية والاشتراكية، مع تفصيل موجز في المنهج الإسلامي في هذا الصدد. كما أشار المتحدث الثاني حسين عبد الحميد إلى ارتباط معظم اقتصاديات العالم الإسلامي بالاقتصاد الغربي الرأسمالي، وسعي الغرب الحثيث للسيطرة على اقتصادياتنا عبر مؤسساته المالية العالمية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرهما من المؤسسات الغربية الساعية للهيمنة على مواردنا ومقدراتنا، كما تناول المبدأ الإسلامي في المال والساعي إلى عدم تداول المال بين الأغنياء فقط، والمفارقة الحادثة في واقعنا بتطبيق عكس هذا المبدأ، كما أشار إلى الصرف الحكومي البذخي والمتطاول على من يسمونهم بالدستوريين، منتقدا كثرة المناصب الدستورية واستنزافها للميزانية العامة. كما أشار آخرون إلى قضايا متداخلة متعلقة بصناعة الفقر وغلاء الأسعار مقترحين منتديات أخرى تتناول جوانبَ أخرى من الموضوع.