إن الاغنياء اذا رغبوا في وجبة شعبية افسدوها وجعلوا آكليها الفقراء اذلة، هكذا دوما حال الاغنياء عندما يشتهون اطعمة المساكين ويصعدون باسعارها في اعصار لا يبقى بعده امام الفقراء سوى ترك المكان والتقوقع امام ميزانيتهم المتآكلة، والآن اتى حين من الدهر استولى فيه الاغنياء والميسورون على وجبة السمك التي كان يفطر بها سائقو الشاحنات والبصات والعتالة وصغار الموظفين وحتى سعاة المكاتب الحكومية وعمال اليومية.. «الصحافة» رصدت الميسورين وهم ينصبون مصائد الدفع النقدي والكاش امام اصحاب المهن، ويوقفون تيار المساكين في الحصول على وجبة السمك التي كانت حقاً مشاعاً لهم. حدث ذات مرة في الزمن الماضي الجميل أن كانت وجبة الاسماك من حظ البسطاء والعاملين، لجهة أن اصطياد الاسماك لا يتطلب جهدا او تكاليف متجددة سوى شبكة وقارب صيد، وكان ميثاق شرف الباعة والمشترين «ان كله من نعمة الله».. وادفعوا الساهلة .. وبالنية ، وفي معظم مطاعم الاسماك التقليدية في الموردة او جبل الأولياء او كوستي والدمازين كان روادها من صغار الموظفين واصحاب المهن اليومية، ولم تكن هناك قوائم اسعار كما بات يعرف اليوم، وفي معظم تلك المطاعم كان «طلب السمك» غير محدد بعدد قطع الاسماك الموجودة فيه بقدر ما يحدد الطلب بدرجة شبع طالب الوجبة، وكان صائدو الاسماك كرماء الى الحد الذي تظن انهم كوكب آخر غير الارض. يقول مهند مندوب المبيعات في احدى شركات توزيع المشروبات الغازية، إنهم كانوا يحرصون على الافطار بالسمك، مشيرا الى ان ذلك لم يكن يكلفهم شيئاً مقارنة باللحوم المشوية. واكد مهند ان الوضع تغير كثيراً بعد ولوج الاغنياء والميسورين الى سوق السمك الذين وصفهم بأنهم حيتان البر والبحر، مضيفاً: «لقد اخذوا منا آخر وجبة كنا نعدها ميزة بالنسبة لنا»، بينما تؤكد ربة المنزل فاطمة عبد العزيز أنها كانت حريصة على وجبة السمك في كل افطار جمعة، لجهة العناصر الغذائية التي تحتويها، بيد انها اوضحت أنها توقفت منذ عامين عن طهو او اعداد السمك في المنزل، لجهة ارتفاع اسعاره. ويمضي في ذات الاتجاه عادل عوض سائق حافلة الكريز العاملة في خط «الخرطوم جبل الأولياء» ويؤكد ارتفاع سعر الكيلو منه الى 40 جنيها، وأبان عادل انهم توقفوا عن طلب وجبات السمك لجهة ارتفاع سعرها، وكشف أن الميسورين باتوا هم رواد تلك المطاعم، مشيراً إلى أن أسعار السمك يومي الجمعة والسبت في مطاعم جبل الأولياء ترتفع الى اعلى معدلاتها، لجهة الإقبال عليه من قبل الاغنياء والميسورين الذين يمتطون العربات الفارهة الذين باتوا المفضلين لدى أصحاب المطاعم. بينما يوضح علي عبد الله الطالب الجامعي أن سعر سندوتش السمك وصل الى اربعة جنيات، مشيرا الى ان سعر الطلب بلغ ثمانية جنيهات في المطاعم الشعبية. وبالرغم من زيادة عدد صائدي الاسماك والعاملين في المجال وارتفاع وتيرة بكاسي السمك القادمة من ولايتي النيل الابيض ونهر النيل، الا ان زيادة الاسعار كانت الملمح الابرز في اسواق ومطاعم الاسماك، وهناك مظهر آخر في السنوات الاخيرة بدأ مألوفاً بزيادة عدد المطاعم السياحية التي تقدم وجبة السمك بكافة انواعها في مختلف مناطق الخرطوم، وتبدو اكثر ظهوراً في احياء الخرطوم الراقية، وإن افتتح بعضها في مناطق المطاعم التقليدية للأسماك في الموردة.