فجر القيادى بالمؤتمر الوطنى زكريا أتيم مفاجأة أذهلت حضور الصالون السياسي للدائرة السياسية لأمانة الشباب الاتحادية بالمؤتمر الوطنى حول الوضع الراهن والمستقبلى لأبيي الذي عقد تحت شعار «التعايش السلمى والتمازج بين المسيرية ودينكا نقوك» المفاجأة جديرة بالوقوف عندها كثيرا حيث قال اتيم «نحن شماليون ولسنا جنوبيون» ! وأردف أتيم أنا من أبيي ومن دينكا نقوك وهذه الشلوخ التى على رأسى ليست من جنوب السودان بل هى من عادات وتقاليد دينكا نقوك وهم أصلا كانو يتواجدون حول النيل فى منطقة كنانة بالنيل الأبيض على الحدود مع أعالى النيل مابين القرنين السادس عشر والسابع عشر،عبروا بحر كوستى غرب البحر مرورا بمناطق الترتر غرب كاكا الى طروجى وطبانيا فى جبال النوبة ،ثم الى فاريانق مرورا بهجليج والتى يطلقون عليها «تور أليج » بلهجة الدينكا نقوك الى الرقبة الزرقاء ،وعندها سكنت قبيلة «الأشاك» احدى بطون نقوك وكان لسلطانها كوات أييت بنت طلبها أحد أمراء النوير زوجة له فطلب أييت أبقارا رقطاء اللون وبذيلين كشرط تعجيزى مما قاد لمشكلة بين النوير والدينكا نزح على اثرها دينكا نقوك جنوبا حتى منطقة «أبونق » ثم جمعوا قواتهم للكر فطردوا النوير حتى منطقة «ييم » شمال أبيى ،وزاد أتيم ان الشواهد تؤكد وجود دينكا نقوك والمسيرية فى هذه المنطقة معا حيث جمعت نقوك كميات من الذرة لاغاثة المسيرية عام 1905 ولكن لماذا أخفى أتيم هذه الحقائق وفجرها الآن ؟ يقول أتيم ل الصحافة لأن الأمر أصبح خطرا على الجميع ويهدد بفناء كل أهل المنطقة، واضاف «نحن خلاص كبرنا ولازم الصغار يعرفوا حقيقة التعايش السلمى بالمنطقة» ويقول أتيم ان اسم أبيي نفسه نوع من الشجر ، ويتهم اتيم الحركة الشعبية بافتعال الأزمات ويقول انها حاولت استغلال قضية أبيي لمصلحتها ، تماما كما اتهم ايضا المبعوث الامريكي دانفورث ووصفه بالعنصرى وقال انه أسس لفصل المسيرية عن دينكا دنقوك في برتكول أبيي استنادا الى العام 1905 ،مؤكدا أن دانفورث عقد مشكلة أبيي وخلق الفتنة الحالية بين المسيرية ودينكا نقوك . ولكن مارأي السلاطين والأعيان من دينكا نقوك والمسيرية ، أيد أمير المسيرية مختار بابو نمر ماذهب اليه أتيم وقال ل«الصحافة» ان المسيرية والدينكا نقوك ظلوا يتعايشون معا ولأكثر من «مائة » عام وقد ظلت المنطقة مستقرة ولم تؤثر عليها تلك الحرب الأهلية فى جنوب السودان قبل انفصاله، ولم يذهب القيادى بالمؤتمر الوطنى أنينق ماتيب بعيدا فى مداخلته بل أكد الكثير من الشواهد والمبررات التى تؤكد ان التعايش السلمى أصلا كان قائما بين القبيلتين ،وهذا يتفق تماما مع ما قاله السلطان كوال دينق ماجوك ل«الصحافة» فى وقت سابق نحن ندعم القرارات التى تساهم فى وضع حد للنزاع فى أبيي الا انه وصفه ب«السياسى» ،مؤكدا ان المسيرية ودينكا نقوك قادرون على حل كافة قضايا المنطقة اذا ترك لهم السياسيون الأمر برمته ،قائلا نحن المتضررون ،فيما ساق رئيس اللجنة المشتركة لأبيي من قبل الحكومة السودانية الخير الفهيم المكى الكثير من الشواهد والمبررات والدلائل التى تؤكد ان أبيي أصلها منطقة تعايش سلمى، وقال انها ستبقى، وانتقد الفهيم الحكم التركى فى السودان عام 1821 ويقول ل«الصحافة» انها أدخلت المنطقة فى تعقيدات عند تحديد خرطة السودان ،منتقدا كذلك اتفاقية أديس أبابا عام 1972وقال انها أصلت لفصل المجتمع بالمنطقة على أساسى قبلى، وكشف الفهيم ان جون قرنق عندما فقد الكثير من قواته وقياداته العسكرية أمثال كاربينو وطون أروب طون وغيرهم لجأ لاستقطاب أبناء المسيرية والنوبة لسد الثغرة وذلك زاد المنطقة تعقيدا. دعونا اذا نطرح السؤال: ماهى حدود المنطقة المقصودة بأبيي ؟ يقول الفهيم ان المنطقة المقصودة حسب بروتكول أبيي والتحكيم الدولى فى لاهاى بهولندا ،هى المنطقة مابين خطى عرض «10 - 12 » درجة شمال خط الاستواء وخطى طول «27 - 30» ويؤكد بأنها جزء من دار المسيرية ،الا ان الملاحظ ان مشكلة أبيى ظلت ثابتة فى كل الاتفاقيات بين الشمال والجنوب فى اتفاق السلام الموقع بأديس أبابا عام 1972، والذي أنهى الحرب الأهلية الأولى «1956-1972»، وقد أقر الاتفاق أحكاماً لاجراء استفتاء الدينكا نقوك في أبيي حول انضمامهم جنوبا أو شمالا ، وقد أدى الفشل في تنفيذ هذه الأحكام الى اعادة اشتعال الحرب الأهلية في الجنوب فى العام 1983 ومنها أبيى، ويقول مراقبون ان ما يدعو للقلق الأحداث المتلاحقة التى شهدتها المنطقة بعد توقيع اتفاقية السلام الشامل فى العام 2005 بين المؤتمر الوطنى ممثلا للحكومة المركزية والحركة الشعبية ممثلة لحكومة الجنوب ،وتعددت التكهنات والمسميات حول مستقبل منطقة أبيى فى شكل العلاقة التى تربط ما بين الشمال والجنوب ، وهنالك من أسماها بالقنبلة الموقوتة ،الا ان أهلها من الدينكا نقوك والمسيرية يعتبرونها غير ذلك ، ويرجون لها ان تكون مثالا للتعايش السلمى بأفريقيا قاطبة وليس السودان فحسب ،ولذلك لم يترددون فى عقد المؤتمرات والملتقيات التى تحفظ منطقتهم من كل مهددات الأمن وعدم الاستقرار ، وطالبا أكثر من مرة ابعاد السياسيين من أبناء المسيرية والدينكا نقوك وعدم تسييس قضية أبيى. الا ان موسى حمدين أمين تنظيم اتحاد عام المسيرية شن هجوما عنيفا على المؤتمر الوطنى ، واتهمه بتضييع قضية أبيي ،وزاد قائلا ان المؤتمر الوطنى باع أبيي بالخرطوم قبل الذهاب الى لاهاى وان الثمن كان الوحدة الا ان الحركة الشعبية غدرت به وعملت على الانفصال ،وأصبح منذ تلك اللحظة كالغريق الذى يتعلق بقشة عشما فى النجاة ، وانتقد حمدين القياديين بالمؤتمر الوطنى الفهيم وأتيم وقال انهما تقليديان وقد ظلا دوما يتحدثان عن الماضى ،وطالبهما بتقديم مقترحات جديدة تلائم وتناسب الوضع الراهن ، ماهى الخيارات المتاحة ؟ وهل من مقترحات أو خطوات عملية ؟ يقول حمدين ل«الصحافة» ان أبيي شمالية وليس أمام الحكومة السودانية الا واحد من خيارين اما ان تنشر الجيش على طول حدود الأول من يناير 1956 ،أو ان تدعو الحكومة لحوار جامع وتفاوضى يحدده أهل المنطقة وتتم دعوة كافة أهل المنطقة بمختلف مشاربهم السياسية من أحزاب وقوى سياسية وادارات أهلية دون تعالٍ ولا وصاية من المؤتمر الوطنى ولا الحركة الشعبية لتحديد مصيرهم واختيار تكويناتهم ، وشدد حمدين على ألا يتحدث بعد اليوم أى شخص من خارج المنطقة باسم أهلها وقال انهم قادرون على حل مشاكلهم دون تدخل من قبل المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية، فيما تساءل القيادى بالادارة الأهلية لقبيلة المسيرية محمد عمر الأنصارى ،ما هو البديل فى حالة فشل مفاوضات أبيى فى ظل تعنت حكومة الجنوب وسحب الجنسية ؟ وماذا أعددت الحكومة وأهل المنطقة للاستفتاء حول أبيي ؟ منتقدا السياسة التى يتبعها المسؤولون وقال انهم أولاد الحاضر «رزق اليوم باليوم » دون تخطيط مسبق ،واقترح الانصارى خيارا ثالثا عن طريق التسوية مبنية على العرف المحلى «ون ون »على أن تصبح أبيي ولاية تعايش سلمى بجنسية مزدوجة ينتمى اليها دينكا نقوك الذين يقطنون المثلث جنوب بحر العرب والمسيرية الذين يقطنون منطقة الرقبة الزرقاء شمال بحر العرب وقال ان مقترحه ذاته تطوير لمفهوم الادارية. الحكومة السودانية من جانبها تقول انها أولت منطقة أبيي اهتماما خاصا حيث كشف الفهيم ل«الصحافة» ان رئيس الجمهورية المشير عمر البشير صدق على تنفيذ «6» سدود و«30» حفيرا و«100» بئر مياه ارتوازية لتنمية وتطوير أبيي فضلا عن جملة من المشروعات اجتماعية واقتصادية وتشييد مساكن وتوفير سبل العيش الكريم لسكان المنطقة ، وطالب الأنصارى الحكومة السودانية ان تعمل على ترحيل دينكا نقوك الذين يقطنون الخرطوم الى منطقة أبيي لتحقيق عملية التعايش السلمى، وأكد الفهيم بان الآمال معقودة على اجتماع اللجنة المشتركة فى الخامس من يوليو المقبل بأبيي لتكوين الادارات التنفيذية والتشريعية والشرطة وحفظ الأمن والاستقرار ، وهنالك الكثير من الشواهد التى تؤكد بان الحكومة مقبلة على جعل أبيي منطقة جاذبة يتعايش فيها الجميع سلميا .