سيد أحمد الحردلو شامي ، شاعر ودبلوماسي وصحفي وقاص ، أشرف على النشر في دار الأشقاء ، وكان على تماسٍ بالأحداث السياسية في السودان ، ومشاركاً في مهرجان الشعر خاصة المربد في بغداد .. وصدرت أعماله الشعرية ومجموعته القصصية ( ملعون أبوكي بلد ) في القاهرة وبيروت والخرطوم ، وتناول كبار النقاد العرب والسودانيين أعماله .. وقد غيبه الموت ، وهنا نستعيد رؤى أدباء ونقاد في شعره :- كتب له مقدمة أعماله الشعرية الكاملة الروائي الطيب صالح فقال فيها أن الصفتين الغالبتين في سيد أحمد الحردلو شاعراً وانساناً هما العذوبة والأريحية ، يطرب للأشياء التي تستدعي الطرب ، ويحزن للأشياء التي تستدعي الحزن ، ويغضب للأشياء التي تستدعي الغضب ، يفعل ذلك باندفاع ووضوح ، وأحياناً تجتمع هذه الأحاسيس في الموقف الواحد وفي القصيدة الواحدة ، ورغم أنه خبير بصناعة الشعر ، شديد العناية بجرس الكلمات وحيوية الأسلوب ، فأنت حين تقرأ شعره أو تسمعه ، يخيل اليك أن الشعر يتدفق تدفقاً عفو الخاطر في ساعته ..للشاعر انتاج غزير يحق لأي شاعر أن يفخر به خاصة أنه يتميز منذ بواكيره الأولى بهذه العذوبة والأريحية اللتين أشرت اليهما .. الشاعر يحب ويكره ويرضى ويسخط ويبكي ويضحك ويتقهقهر ويتقدم وينهزم وينتصر ووراء كل ذلك وفوق كل ذلك عاطفة واحدة طاغية هي حب الوطن وهذه العاطفة هي التي تصهر كل تلك الأحاسيس المتفرقة وهي التي تسبغ عليها عباءة الأريحية أما العذوبة فهي في الأسلوب والجرس الشعري والكلمات المفعمة بالإيحاءات والأحزان والأشجان . عندما صدرت مجموعته القصصية ملعون أبوكي بلد اتهمه البعض جزافاً دون معرفة والبعض حكم عليها باعتبارها قصيدة تسئ للوطن وهو الذي كتب يا بلدي يا حبوب وطبل العز ضرب والحردلو شاعر محب لوطنه تغنى له كثيراً وهو القائل : أشهد أنني أحب وطني وأن ذاك الحب قد جرحني ونال من عافيتي وبدني ورغم هذا كله شردني حكام وطني فالحمد لله فإن ظلمهم أنصفني والشكر لله فإن كيدهم توجني أمير هذا الزمن وكتب لهذا الوطن لهذا الوطن معمدة جبهتي بالحزن ومنذورة كل لحظة شعر وميلاد أغنية .. أو شجن لهذا الوطن معمدة كل رعشة حب وكل ابتسامات هذا الزمن ومنذورة .. كل أيام عمري فما كان منها وما لم يكن لهذا الوطن الحردلو شاعر محب كتب خلاصة تجاربه في العشق والغرام فجاء في قصيدته نحن من علم الغرام الغراما فقال فيها : أعذريني ان كنت أغلظت شوقي فهو شوق المتيمين القدامى أو تدرين كيف يختلج الحب حين تمضي الأيام عاماً فعاما أنه صرخة المشاعر في الناس وصوت المعذبين اليتامى ديونه الأول غداً نلتقي كتب مقدمته الناقد العربي الكبير مصطفى السحرتي قال فيها الشاعر السوداني الشاب سيد أحمد الحردلو شاعر ذو طاقة شعرية قوية وايقاعات موسيقية سيالة وصياغة أنيقة النسج وقدرة عجيبة على تطويع القافية للتعبير عن خواطره وآرائه وتجاريبه الذاتية والقومية والانسانية ، قدرة أذهلتني من شاب لم يتجاوز الثانية والعشرين من العمر وأضاف أن باكورته ( غداً نلتقي ) تضم باقة شعرية من الشعر الغزلي ، والوصفي ، والقومي والانساني لفها في خيوط حريرية وقدمها لأول حب أضاء نفسه في سن المراهقة وعذبه ضياعه بعد فترة قصيرة ثم غير قلبه بعد سنوات معدودة الى حب الوطن الكبير وحب الكلمة ...الحردلو طبيعته الأصلية تكشف عن روح متحررة ، جريئة تهيم بحب الوطن الصغير والكبير وحب الانسانية على سواء ويمدنا ديوان غداً نلتقي بشواهد مبصرة دالة على تفتحه على حب وطنه قبل الأزمة وبعدها بفترة غير طويلة .. فقصائده «ناوا» وهي القرية التي ولد فيها و « يروون « و» الصباح عندنا « آيات قائمة على حب الوطن الصغير ناوا حديقة كرنفال ناوا جمال لا يقال ثم تنقل الشاعر نقلة أوسع فتحدث عن خارطة السودان ووضعها في أفريقيا كجناح فراشة تهم بالتحليق الى سماء المجد وبعد أن تناول بعض المواقع الجغرافية تحدث عن عروبة الدم السوداني فقال : عروبة ... دماؤنا وعرقنا أفريقي بلادنا ساخنة سخونة العروق أغنية دفيئة في معزف شهيق يحكي الدنى حاضرها ذو السؤدد العريق وعندما تفتح قلب الشاعر على آلام الآخرين وصارت حياته أغنى وأعمق كتب قصيدتين احداهما جميلة بوحيرد والثانية من طفلة أفريقية الى ديجود يقولون إن رفيقة دربي غدت ورقاً يابساً بارداً وان النضال هناك انتهى وان الجزائر لن توجدا أيمكن أن تطفأ الشمس يوماً محال على الشمس أن تخمدا الشاعر الكبير تاج السر الحسن كتب في دراسة لديوان «غداً نلتقي» نشرت في المجموعة الشعرية الكاملة للحردلو فقال عندما نلقي نظرة على ديوان الحردلو نجد أنه شاعر تغتني قصائده بالصورة الحالمة والغزل وترف في شعره موسيقى دفاقة وارفة مما يبشر بقدرة وموهبة فطرية مزدهرة ، واذا تمعنا المجموعة الشعرية بشكل عام وجدناها تنقسم الى قطاعين : شعر يمكن أن نتبين منه ميل الشاعر الى الحديث عن المرأة وابراز مشاعره نحوها وتجد في هذا الجانب وصفاً لمحاسن المرأة الجسدية ولفتنتها ونلاحظ أن الحردلو في هذه القصائد يعطينا موسيقى منسجمة وكاملة ، وربما تقليدية في الكثير من الأحيان وكذلكم يعبر تعبيراً مصوراً مهما كانت درجة ذلك التصوير ، ففي قصيدته ( يروون ) وهي صورة لبعض مظاهر الطبيعة يقول : يروون يا صديقتي شيئاً كثيراً يصعق أن السماء عندنا أبوابها لا تغلق ان النجوم عندنا في كل بيت تورق في هذه القصيدة يصور الحردلو الطبيعة السودانية الرحبة بكل ما فيها من مظاهر أنيقة وجميلة فالسماء المنفتحة على اللانهاية والتي لا تغلقها الجدران ولا ناطحات السحاب ونجوم السماء عندما يستلقي الناس على أسرتها الخشبية ويواجهون السماء المنفتحة عليهم بنجومها الزاهية وهكذا يستمر الشاعر في ابراز مفاتن الطبيعة في بلادنا .. النيل في شطوطنا أمواجه تحدق الطير في أدواحنا من الجمال يشهق شياهنا ، تصوري حتى الشياه تعشق وتحت عنوان الحردلو من شعراء الطليعة في السودان كتب دكتور عزالدين اسماعيل فقال سيداحمد الحردلو من شعراء السودان الذين يدعمون الشعر الجديد في السودان ويشاركون مشاركة فعالة في تأصيلها في مجتمع ما زال حريصاً على التقاليد ، أنصار الشعر الجديد في السودان ما زالوا قلة بالقياس الى جمهور الشعر وكل ما يمكن أن يكون رواد حركة التجديد الأوائل في العالم العربي الذين عرف السودانيون دواوينهم وقرأوها ... وعالم الحردلو كما يصوره شعره عالم رحب متنوع بل غني في تنوعه ، وتحلق في سمائه مجموعة لا بأس بها من الأفكار ، ولكن ليس معنى هذا أنه عالم عقلاني لا يعيش الا في رأس الشاعر فالحقيقة أن الشاعر يكاد يصدر في قصيدة من قصائده الا عن واقعة بعينها ، سواء أكانت واقعة حسية أم واقعة نفسية .. تحدث د. عزالدين عن خط الموت عند الحردلو فقال : ليس غريباً أو بعيداً أن يشغل الشاعر نفسه بموضوع الموت ، فالموت كان وما يزال وسيظل ظاهرة انسانية وكونية من الطراز الأول ، وقد شغل بها الشعراء في كل العصور وكان اشتغال شعرائنا المعاصرين بها أشد ، لكن الحردلو حينما يشغل نفسه بموضوع الموت لاينظر اليه مستقلاً مرتبطاً بعبثية الوجود وواضح ذلك في قصيدته « أيامنا « مضحكة أيامنا ... مضحكة حتى النخاع مضحكة كالموت في الطريق إثر شجار بين عابرين تعاركا .. لأن واحداً أراد أن يبصق في الرصيف ، وكان آخر يمر قربه وكان ثالث يعبر عندما تعاركا فجاءت الصفعة فوق صدغه ومات ..