بدا البرلمان وكأنه يغرد خارج سرب الأحداث هذه الأيام بمناقشته لقضايا يصفها مراقبون بالانصرافية والبعيدة عن نبض الشارع وهموم المواطن، بعد ان فشل فى التعامل مع قضية رفع الدعم عن المحروقات وانحيازه للحكومة باجازته للاصلاحات الاقتصادية القاسية اوعلى الاقل اعتراضه على بعضها القليل، قبيل ان تناقش فى قبة البرلمان بصورة رسمية لسد العجز الكبير فى الموازنة، وعلى طريقة المثل "الناس فى واد والبرلمان فى واد آخر" احتدم جدل النواب فى قضية لعب "الفتيات" لكرة القدم فى البلاد والتى خلفت ضجيجا وحراكا عند نواب الشعب الى حد مطالبة قيادية فى البرلمان بتحديد "زى شرعى" لممارسة الألعاب الرياضية من الرجال بحيث يتجاوز الزى الركبة. وكذلك خلفت مداخلة النائب البرلمانى دفع الله حسب الرسول، حول لعب الفتيات لكرة القدم نقاشاً واسعا داخل البرلمان،عقب تأكيدات وزير الشباب والرياضة الفاتح السر على حق المرأة في ممارسة الرياضة مع الالتزام بالزي الشرعي وفي اماكن مخصصة، وتجدر الاشارة الى ان ذات النائب قاد حملة لمنع حفل كانت ستحييه الفنانة المصرية شيرين عبدالوهاب بالخرطوم، ونجحت الحملة في الغاء الحفل ابان احداث هجليج. وفي ذات المنحى، مضى رئيس البرلمان أحمد ابراهيم الطاهر ان الدولة تسعى للالتزام بالضوابط الشرعية دون تشدد لاسيما وان المفيد في مجال الدين الالتزام الطوعي، واكد ان الرجل والمرأة مطالبان معا بالانضباط ، وقال "لابد ان نفتح لهم المجال لتطبيق الانضباط بدل ان نسلط عليهم صوت الرقابة الشديد الذي يقود للتفلت"، وقال رئيس البرلمان ان المنع غير مجدٍ ولكن التنظيم مفيد ودلل على ذلك باتفاقية سيداو التي قال ان المرأة السودانية رفضتها بدون ضغوط. الا ان النائب البرلمانى دفع الله حسب الرسول، دافع عن موقفه باستماتة فى حديثه ل"الصحافة" عبر الهاتف امس وقال انه تلقى مجموعة من الشكاوى حول قيام احدى ممثلات الاتحاد النسائي بجولة في المدارس لتكوين فرق من الفتيات لكرة القدم تنفيذا لتوجيهات صادرة من الاتحاد العالمى لكرة القدم "الفيفا" التي طالبت بهذه الخطوة لدخول الفرق النسائية السودانية فى المنافسات العالمية ، وقال "يجب ايقاف هذا العبث، هذه اعراضنا"، وأشار حسب الرسول الى ان مجمع الفقه الاسلامي اصدر فتوى حرم فيها الفرق النسائية في الدوري السوداني "ناهيك عن مشاركات في اوروبا" وقال "المرأة العاوزة تتلاكم مع زوجها تتلاكم والدايرة تلعب تلعب في المدرسة"، واستنكر حسب الرسول وصف مناقشة قضية "لعب النساء لكرة القدم بالانصرافية" وقال ان الدين لا يتجزء ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وليس هناك قضايا صغيرة يجب تركها فى هذا الوقت وقضايا كبيرة يجب مناقشتها الان، واضاف تم طرح القضية فى البرلمان هل نسكت ونقول لن نناقشها وان قضية رفع الدعم عن المحروقات هى الاهم ولن نناقش قضية اخرى، وقال حسب الرسول ان اتهام البرلمان بانه منحاز للحكومة على حساب الشعب توصيف غير دقيق وغير صحيح، وأشار الى ان النواب تفاعلوا مع قضية رفع الدعم عن المحروقات وبعضهم طالب باقالة وزير المالية، وأقر حسب الرسول بخطأ اجازة الاصلاحات الاقتصادية من قبل وزير المالية والنائب الأول بجانب رئيس البرلمان قبل عرضها على النواب الا انه قال تمت اجازتها مع الوضع فى الاعتبار اسقاطها اذا رفضها البرلمان. لكن النائب البرلمانى مهدى عبدالرحمن اكرت يتفق مع القول ان البرلمان يغرد خارج السرب ودمغ اداءه بالضعف والهروب من مناقشة القضايا الحقيقية التى تمس المواطن والانصراف الى قضايا هامشية مثل "لعب الفتيات لكرة القدم" والتى قال انها لاتهم الشعب الذى يعانى فى أي شئ فى الوقت الحالى وهو يتجرع الظروف الاقتصادية والمعيشية المُرة، وقال اكرت ل "الصحافة" عبر الهاتف أمس ان الشعب السودانى له حق ان يصف البرلمان بالمنحاز والضعيف فى دوره فى الرقابة والتشريع وهو الذى ادى القسم لأداء هذا الدور بقوله "أقسم بالله العظيم وكتابه الكريم ان اعمل لمصلحة السودان وشعبه واحترام القانون والدستور والله على ما اقول شهيد"، واوضح اكرت ان رقابة البرلمان على الجهاز التنفيذى ضعيفة جداً وظل يسير خلف الحكومة، ووصف المجلس الوطنى ب "طير البقر" الذى يتبع البقر ويأكل من فتاتها، ودلل على ضعف البرلمان بما قام به وزير المالية باستباق قرار رفع الدعم عن المحروقات وتنفيذه قبل مناقشته فى قبة البرلمان، بالاضافة الى عجز البرلمان بارجاع المال العام وفقاً لتقارير المراجع العام، وتفعيل الاجراءات المالية والمحاسبية، وتحرير قانون الثراء الحرام والمشبوه والمجمد، وعدم مواجهته لظاهرة تجنيب المال العام بتشريعات قاطعة تخضع ولاية المال العام لوزارة المالية، وقال ان الفساد فى البلد اصبح ظاهرة كريهة وتمدد فى مختلف الأجهزة التنفيذية، وأضاف دور البرلمان ضعيف ومفقود تماماً واصبح الشعب السودانى محبطا من النواب الذين انتخبهم وظل ومازال يتجرع الحسرة والألم.