عقولنا وقلوبنا تحتاج إلى الترويح ساعة بعد ساعة خصوصاً بعد هذه الجرعة المفرطة من الجدل السياسي المشحون الذي ساد الفترة الانتخابية ، لعل هذا ما دفعني لأتجاوز ب(الريموت) كل القنوات الإخبارية مثل الجزيرة والعربية والحرة والبي بي سي.. كي أهجح ويرتاح عقلي عند الفضائيات المصرية وهي تنقل مباراة الأهلي والزمالك في الدوري المصري الجمعة الماضية. كانت المباراة قمة في المتعة والإثارة وجماليات كرة القدم.. أهداف متقنة وملعوبة وحماسة جاذبة ، الزمالك يتقدم ثم يتعادل الأهلي.. يتقدم الزمالك مرة ثانية ليدرك الأهلي التعادل ،وللمرة الثالثة يتقدم الزمالك إلا أن الأهلي يقتل الفرحة الزملكاوية بهدف في الثواني الأخيرة . أكثر ما شدني في المباراة ذاك الولد الزملكاوي الاسمراني الموهوب المدعو(شيكابالا)،وكنت فيما مضى احسبه احد اللاعبين الأفارقة في الدوري المصري ولكن عرفت لاحقاً انه من أهلنا النوبة في صعيد مصر واسمه الحقيقي محمود عبد الرازق.. هذا الأسمراني في نظري فلتة كروية نادرة وموهبة تستحق الاحتفاء فقد تلاعب بدفاعات الأهلي كما شاء وأدخل لاعبيه وجمهوره الأحمر الوهاج الذي ملأ الإستاد في حالة رعب كلما امسك الكرة بقدميه الرشيقتين المبدعتين. تذكرت وأنا في لحظات الترويح هذه مقالة باسمة كتبها الكاتب الساخر محمود السعدني ذات يوم ، وهو يعلق على ما توصل إليه من أن معظم الزوجات المصريات هن زملكاويات بالفطرة بينما الأزواج معظمهم من مشجعي الأهلي..قال السعدني إن الزوجات يتعاطفن مع الزمالك بحكم واقع القهر الذي يجمع بينهن والزمالك،بينما الأهلي بجماهيره الغفيرة وبمساندة كبار رجالات الدولة يجسد سطوة مجتمع الأزواج الذكوري ، لذلك يرين (أى الزوجات) في فوز الزمالك انتصاراً لقهرهن أمام هذا التسلط !! في استراحة ما بين الشوطين استضافت إحدى تلك القنوات المصرية خبيراً كروياً عجوزاً متغضن الوجه ، يشبه الممثل الراحل توفيق الدقن ، ليحلل الأداء الكروي . رحت أتأمل في الوجه وأنا اردد في داخلي(الراجل العجوز ده أنا شايفه وين؟؟؟) وفجأة قفزت الإجابة إلى ذهني مثل برق السماء..(شطة).نعم هو عبد المنعم شطة زميلنا في السنة الإعدادية بكلية العلوم جامعة الخرطوم ، والذي لعب في صفوف الأهلي القاهري في السبعينيات وبداية الثمانينيات إلى جانب الجيل الذهبي الذي ضم الخطيب وزيزو ومصطفى عبده ومصطفى يونس وغيرهم . المهندس عبد المنعم شطة هو سوداني قح لعب في فريق التحرير ووقعت عين(الأهلي)عليه وهو يمثل منتخب الجامعات السودانية في دورة افريقية فانتقل إلى صفوفه بعد أن حوّل الأهلي أوراق دراسته من هندسة الخرطوم إلى هندسة جامعة القاهرة الأم ، ومن يومها أي ما يقارب الأربعين سنة ظل (شطة) مقيماً بالقاهرة بعد أن أصبح مهندساً مرموقاً وخبيراً في الاتحاد الإفريقي. أفقت من ساعة الترويح تلك على منغصة جديدة فأقران الدراسة وزملاء الصبا هم مرآة صادقة لأوراق وسنوات العمر التي تبعثرت وتسربت كالماء من بين أيدينا ...والدليل زميلنا عبد المنعم شطة الذي حسبته الممثل الراحل توفيق الدقن !!