مازالت مدينة سنجة تحتفظ ببريقها القديم الذى يلمحه كل زائر منذ الوهلة الأولى، وهو يسامر أهلها ويدنو من مجالسها، وهو تلك الوشائج المتينة والصلات القوية والعلاقات الحميمة التى تربط الناس ببعضهم فى الأفراح والأتراح، وتزداد هذه العلاقات ترابطاً ورسوخاً فى شهر رمضان الكريم بإشاعة معانى التكافل والتراحم والتعاون بين الجميع، وسنجة التى تستقبل بيوتاتها الكبيرة الشهر الفضيل في «الحويرصاب، العوضاب، الحامدية، الشواشيق، التعايشة، آل النصرى، آل الشوية، آل النجومى، آل جاه الله، المعاتيق، الجبلاب، أولاد الفضلى، أولاد تاما، الصواردا ، الكنانة، العركيين، الجعليين والشوايقة، الجعافرة، الفولانى» وغيرهم من البيوتات والأسر والقبائل الذين جمعتهم فتوحدت لحما وسدى فى نسيج متماسك.. تكمل عدتها لاستقبال رمضان الكريم، فتعبق فى الأرجاء رائحة «الحلومر» وقهوة «الإمبراطور»، ويتردد صوت العم «ياشو» يملأ فضاءات الزمان والمكان: «أن حى على الصلاة»، فتخشع القلوب لشيخ عبد المجيد عثمان إمام مسجد سنجة العتيق وهو يتلو القرآن بصوته الندى. ويقول عثمان زكريا ل «الصحافة»: «مع قرب شهر رمضان تبدأ كل الأسر في تحضيرالحلومر، ويرى أن الحلومر مازال سيد المائدة الرمضانية رغم الظروف الاقتصادية، الإ أن الأسر السودانية لم تتخلّ عنه، ويشير الى قيامه بنفسه بتحضير كافة مستلزمات أسرته فى رمضان قبل وقت كافٍ، وذلك بشراء الذرة والويكة واللوبيا والعدسية والبصل والزيت وغيرها من السلع الرمضانية الى جانب شراء «المصالى»، ويرى أن ما يميز رمضان هو «الضرا» «التجمع فى شكل مجموعات» وتناول وجبة الأفطار، وأن أكثر ما يتناولونه العصيدة بالتقلية أو بالروب والبامية والويكاب الى جانب فتة العدس، وقال إنهم يؤدون صلواتهم فى مسجد الأنصار بسنجة الذى يؤمه الإمام النعيم محمد أحمد، ويحرص عقب الصلاة على مواصلة أهله وذويه، ويشير إلى أنه رغم كبر السن وصعوبة الحركة الا أن ذلك لم يمنع أخواله وخالاته من التواصل مع الآخرين كالحاج إبراهيم محمد طه، والحاج الفضلى، ومحمد موسى الشلال، والحاجة فاطمة محمد طه، والرضية على الفضلى، وفاطمة أديب، وفاطمة يوسف. وأوضح عصام الجيلانى أن صور التراحم تبدو أكثر وضوحاً فى شهر رمضان فهو شهر التراحم ، ويشير الى أن هنالك العديد من الإشراقات كالإفطارات على طول الطريق القومى سنجةالخرطوم، حيث تخرج العديد من الأسر بافطاراتها للمارة، أو تقيم افطاراتها بالقرب من هذا الطريق لتمكين المسافرين من تناول وجبة الأفطار وإحياء السنة، ويضيف أن ما يزيد هذه الصورة إشراقاً حرص بعض الخيرين أمثال حسن العربى والفرجونى على التحضير المبكر لموائد الرحمن بإعداد الزاد والعصائر والغسالات ومواقع الصلاة ابتغاء مرضاة الله وتسابقاً لأعمال البر. وتقول خنساء بشارة إن آل راشد يوزعون فى كل رمضان أكياساً لجيرانهم تحتوى على البلح والعدسية ويتكافلون فيما بينهم. وتشير آمنة محجوب إلى أن مسيد الشيخ فلاح بسنجة يمثل قبلة للزوار وعابرى السبيل لاستضافتهم فى كل الأوقات، وأبوابه مشرعة للجميع لتناول وجبة الإفطار وأداء الصلوات والمبيت بصحن المسيد لمن انقطعت به السبل، وتقول إن هنالك حركة دؤوبة تنتظم النساء خلال هذا الشهر، وذلك بالمشاركة في جمعيات الصلاة على الرسول «ص» والمحافظة على تلقى دروس القرآن والفقه من مراكز تحفيظ القرآن الخاصة بالنساء المنتشرة في أحياء المدينة وتنظمها جمعية القرآن الكريم بالولاية، ودعت آمنة المرأة الى ضرورة الاقتصاد فى المعيشة ونبذ الصرف البذخى فى تجديد الأوانى المنزلية والتركيز على الأشياء المهمة. ويقول أحمد عبد الله إن رمضان له نكهته الخاصة فى سنجة وأنت ترشف فنجاناً من القهوة بطعم الزنجبيل من قهوة الإمبراطور أو قهوة كيمو، وسط حضور الأحباب والأصدقاء، ويرى أن الجلسات المسائية بالسوق الشعبى لها وقعها الجميل والمحبب فى نفسه، ويشير أحمد إلى أن رمضان تزداد روعته فى سنجة فى أوقات السحر حين توقظه وهو يستشعر عظمة الخالق أذكار الطريقة البرهانية بالتهليل والتكبير وهم يجوبون الطرقات حاثين الناس على السحور. ومن الاشياء الراسخة التى يعلمها الجميع فى مجتمع سنجة وخاصة القطاع الرياضى، أن الأندية الرياضية بالمدينة ظلت تواظب على تقديم وإحياء إفطاراتها السنوية وبصورة راتبة لأكثر من نصف قرن من الزمان، حيث يقول أحمد النجومى إن الأندية الرياضية ظلت تحافظ على هذه الإفطارات طوال هذه المدة، فمثلاً افطار نادى الاتحاد فى الخامس عشر من رمضان، ونادى النيل في السابع عشر منه، لافتاً الى أن هذه الافطارات يؤمها رواد الأندية وتستهدف ميزات الموظفين وطلاب الخلاوى. وأشار الى انتظام النشاط الرياضى فى رمضان وإقامة الدورات الرمضانية فى الشطرنج وتنس الطاولة والكرة الطائرة وكرة القدم، وأن هذه الأندية تعج بالحركة الثقافية والاجتماعية والليالى الإبداعية طوال الشهر الكريم.