٭ ورث السودان نظاماً قضائياً متميزاً بشقيه المدني والشرعي منذ مطلع القرن العشرين، فعند انتهاء حكم المهدية آلت الدولة للحكم الثنائي المصري الانجليزي أسس الانجليز نظاماً قضائياً مدنياً وجنائياً محكماً سادت فيه العدالة الشكلية والموضوعية على أساس القانون الوضعي. وأسس المصريون نظام الاحوال الشخصية على هدى الشريعة الاسلامية كل نظام يعمل في سياق منفصل عن الآخر ولذلك برزت كوكبة من الفئات القانونية يتقدمهم الراحل المقيم مولانا محمد احمد أبو رنات شيخ القضاء السوداني من الجانب الآخر برز سوابق من قضاة الشريعة الاسلامية مولانا العالم سيد احمد العوض ومولانا شيخ محمد الجزولي العالم المتمكن من شطر القانون الانجليزي والشرعي. لقد ورث العاملون في حقل القانون ثروة قانونية ثرة وغنية بالمعرفة من خلال جهد الاوائل في كل فروع المعرفة القانونية بالقدر الذي يجعلك في غير حاجة لاي مرجعية لاي اشكالية تعترض العمل وتوفرت كلية كاملة من السوابق القضائية وهو نظام انجليزي مفيد للدارس والعامل. لقد كان خلف الله الرشيد ثمرة من ثمرات الذين سبقوه فقد نشأ في مناخ عدلي صحيح لا يجد الحصيف والظلم والميل اليه سبيلا وقد اتسم اداؤه وكغيره من اولئك الرجال بالدقة والتميز فقهاً وعلماً لذلك عندما اختير رئيساً للقضاء لم يكن ذلك اعتباطاً بل لما توفر فيه من صفات ولكن كان الرئيس نميري -عليه الرحمة- قد عُرف بحسن اختيار القيادات فإن خلف الله قد اثبتت التجربة انه مثل عنه القاضي وورع العدالة في اعظم ممارسة امتدت من 1 الى 28 لقد عملت تحت قيادته وعرفت ما يتمتع به من مقدرات قانونية واريحية نادرة في معالجة الامور ومر بي موقف في محكمة النهود الجزئية لا انساه ابداً ،إذ كان هناك تنفيذ لعدد من الاحكام الدائن بنت ضد أمها وصادف ان يكون امر التسليم امامي وبعد فترة وصل الينا خطاب سري ومستعجل من مولانا خلف الله لارسال جميع الاوراق على ان يحضرها السيد/ المراقب شخصياً وتم ذلك لأن المدينة ام محمد تقدمت بشكوى ضد القضاة لأن هناك ما يمس العدالة وعلمت انه احضرها داخل مكتبه واجلسها على قدر بساطتها وشرح لها كل الاجراءات وبرأ القضاة من سوء الظن وبعد فترة جلست اليه وذكرت له ما حصل فرد قائلاً يا جعفر نحن اذ شكت نملة في الجنينة أوالفاشر نعمل كده ولا شنو رأيك وقد تسامى في نظري وارتفع..!! هكذا كان القضاء ولئن كان خلف الله هكذا فذلك لم يأت من فراغ بل ذلك ما ورثه من سلفه الصالح فقد كانوا شواهق في تصريف العدالة ومن هنا لا يعرف ابو رنات المبدع من خلال كل ما كتب من احكام ورديفه بابكر عوض المتمكن ولولا ان اخذته السياسة لكان نعم النابغ الناصع فهو ومهما يكن من امره فهو مسؤول عن مذبحة القضائية الاولى في عهد مايو الباكر والتي تكررت في هذا العهد إدعاؤه بأنه حامي الاسلام الشرع فهل الاسلام يا دكتور ترابي جاء ليشرد المواطن من عمله وقطع رزقه واين انت الآن؟؟ كل ذلك نذكره لأن المساس بالعدالة بوسائل السياسة امر خطير نظل ننافح عنه مهما كلف ذلك من ثمن!! ومن المواقف الخالدة لمولانا خلف الله عندما اتخذ الرئيس نميري - عليه الرحمة- موقفاً تجاه حدث ثم حول نزاع امام دائرة في المحكمة العليا إذ كانت هناك موظفة بالسلطة القضائية لها نزاع مع احد المواطنين لاحظ خصمها انها تدخل على احد اعضاء الدائرة وقد صدر قرار لصالحها فشكى الرجل للرئيس نميري وربما يكون هناك قرائن جعلت الشك يحوم حول القرار فاستشار نميري بعض القانونيين وتوصل الى امكانية ادخال تعديل للقانون لمعالجة الموقف عن طريق اجراء المراجعة للحكم وطرح الامر لمولانا خلف الله ورفض ذلك بحجة ان في الاجراء مساس بشخصية القضاة، لكن الرئيس نميري اصر على ادخال المراجعة وتم ذلك فما كان من مولانا إلا ان طلب الاعفاء من المنصب وكان ذلك. هكذا كان القضاء ينأى من السياسيين والاوامر الفوقية فخلفه مولانا صلاح شبيكة وذهب سريعاً الى رحمة مولاه. فتوالت الاحداث تجاه القضائية الى ان قام نميري بفصل عدد من القضاة وفق تقارير ربما لا يكون بها قدر من الصحة ولكن المبدأ قد رُفض فجاء الاضراب الشهير الذي زرع أول مسمار في نظام مايو وتكون على اثره التجمع الديمقراطي 38-58 ،كانت الانتفاضة ولو كنا نعلم الغيب لتمسكنا بنظام نميري فقد وضع اول لبنات الشرع الحنيف في التطبيق القانوني ومهما قيل عنه فقد مات فقيراً وعاش فقيراً عليه الرحمة وعلى مولانا خلف الله الغفران والرحمات تنزل عليهما سوياً. والله الموفق