* قالوا: لا يستطيع بلد ان يجمع ثقافته في «صحن» حضاري واحد، سوى إيطاليا، والسبب «الاسباجتي». * والاسباجتي مشتقة من كلمة إيطالية تعني «الخيط» ألا تراها تطول وتقصر، وتدور وتستقيم كما الخيط، تغرز فيها الشوكة وتشكلها كما تريد، وكما تتشكل الخيوط؟. * والاسباجتي ، وإن كانت اختراعا إيطاليا ، لكنها غزت كل العالم ، واستهوتها الشعوب ، يأكلونها بالصلصلة أو الجبن أو البهارات ويتعاملون معها كطبق «أساسي» وكطبق «معاون» وكطبق «إسناد» لغيره من أطباق الشواء واللحوم والخضروات، وربما جاءت الاسباجتي بعد الشوربة في بعض الموائد. * وشعبية الاسباجتي كشعبية «القراصة» التي انطلقت من «الشمال»، وسيطرت على مطاعم الخرطوم والكوة ونيالا والدمازين. * «المسيرية» يأكلون القراصة و«دينكا نقوك» يأكلون القراصة أيضا ، ولا فرق لعربي على أعجمي ألا بالتقوى ، ولافرق لقراصة على قراصة إلا بالادام، البعض يفضلها بالتقلية ، والبعض يفضلها بالروب ، والبعض يفضلها بالملاح الأخضر ، أو باللحم، أو بالدجاج ، أو بالتركين، وقل لي: بماذا تفضل القراصة؟ أقل لك: من أنت؟ * وفي تقديري آن الأوان لأن تجد «القراصة» الاهتمام الذي يتناسب ومكانتها «الثقافية» عند عموم أهل السودان. * في إيطاليا : تفتح الغاليريهات صالاتها لعروض الاسباجتي ، وتهتم دور النشر بالكتب المتخصصة في الاسباجتي ، ويكتب في الاسباجتي الشعر ، وتنسج حولها الروايات والقصص، وتناقش الرسائل المكتوبة فيها في قاعات الجامعات ومراكز البحث. * لماذا لا نضع القراصة في طابع بريد تذكاري؟ ولماذا لا نقيم لها المعارض الفنية ، ونكتب فيها الشعر ، ونفرد لها يوما مفتوحا في التلفزيون؟. * لماذا لا نتوقف عند «آلية» القراصة ، في جعل «الوحدة» «جاذبة؟!» فيما تبقى من سوداننا الجميل.؟ كيف استطاعت القراصة أن تنفذ من «شبه الصحراء» إلى «السافنا الغنية» ؟ ، كيف قطعت السهول والوديان، وسبحت عكس التيار من حلفا إلى هجليج ؟ ، كيف استقطبت القراصة مزاج البقارة والهدندوة والدينكا والكبابيش ؟ ، وكيف تسامت القراصة على الايدولوجيا والقبيلة والطبقة؟. ولماذا لا يختلف المسيرية ودينكا نقوك حولها ، ولماذا هي محل إجماع من أهل اليمين واليسار وسائر فصائل المجتمع المدني؟!. ولماذا هي سيدة مائدة رمضان؟! * يهيأ لي أن القراصة مظلومة.. وآن الأوان لأن نجمع ثقافتنا في «صحن» حضاري واحد.