قرأت في صحيفة «الصحافة» العدد 6386 بتاريخ 7 أغسطس 2102م وفي صحف أخرى تقريراً مترجماً من صحيفة «ماكين كلاتشي» البريطانية على موقعها الالكتروني بعنوان «أكاذيب سلفاكير ميارديت» يفيد التقرير ان زيارة وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون للجنوب جاءت في وقت تشهد فيه العلاقات الدبلوماسية بين واشنطنوجوبا ضبابية سببها الاكاذيب المتتالية التي أطلقها رئيس حكومة الجنوب سلفا كير ميارديت للرئيس الاميركي باراك اوباما في مناسبات عدة. كما رفضت جوبا قطع علاقاتها مع حلفائها المتمردين على الخرطوم وقرارها المفاجئ في يناير 2102م باغلاق آبار النفط واحتلال هجليج. وأن الهدف من زيارة كلينتون هو ايصال رسالة واضحة مفادها ضرورة إحراز تقدم في المفاوضات الجارية بين دولتي السودان او مواجهة العقوبات المحتملة. وبناء على هذا التهديد المبطن كتب رئيس حكومة الجنوب سلفا كير ميارديت خطاباً للرئيس الاميركي باراك اوباما يعتذر فيه عن انكاره لمرتين دعم بلاده لمتمردي قطاع الشمال بعد ان طلبت الادارة الاميركية اكثر من مرة وقف هذا الدعم للمجموعات المتمردة ضد الخرطوم خشية ان يؤدي ذلك الى حرب شاملة بين البلدين وان تتأثر المنطقة والاقليم بأكمله بعدم الاستقرار. فنكر ذلك بالرغم من ان الاستخبارات الاميركية كانت لديها معلومات مؤكدة بالامر. وهذا الانكار أغضب اميركا خاصة وقد لعبت دوراً في استفتاء الجنوب وانفصاله وهي الدولة التي أوصلت سلفا كير الى كرسي الحكم كرئيس دولة مستقلة ذات سيادة على اراضيها. وقد اتهم باقان اموم المجتمع الدولي خاصة اميركا وبريطانيا بالانحياز لصالح دولة السودان الشمالي وان اتفاق النفط الذي توصل اليه وفدا التفاوض باديس ابابا كان نتيجة لتدخل وزيرة الخارجية الاميركية لدى سلفا كير. المعروف ان اتفاق النفط بين شمال وجنوب السودان قد حظى باهتمام عالمي. فالمناديب الدائمون بمجلس الامن ثمنوا الاتفاق وطلبوا من طرفي الاتفاق مواصلة المفاوضات في بقية الملفات العالقة، كما رحبت الصين بالاتفاق النفطي وحثت البلدين على التحلي بالشجاعة السياسية لتسوية بقية الخلافات بينهما، كما رحب الأمين العام للأمم المتحدة بأن كي مون بالاتفاق وعدى الرئيسين الى اظهار الارادة السياسية الضرورية لتسوية خلافاتهما، وعلى مستوى حكومة جمهورية السودان فهناك حراك فعال لما جرى في أديس ابابا من اتفاق على ملف النفط برغم تقاطع التصريحات بين مسؤولين في المؤتمر الوطني على المستويين التنفيذي والتشريعي. وهناك تخوف من تصريحات رئيس الكتلة البرلمانية للمؤتمر الوطني بأن كتلة برلمان المؤتمر الوطني لم تتخذ أى قرار بشأن النفط وكأن الكتلة سترفض اتفاق النفط في اجتماعها القادم كما أن الاتفاق لم توقع عليه الدولتان بعد وهذا يضع المتفرج على الأحداث السياسية في الدولتين في موضع الخوف إن كان هناك أحد الدولتين سيتنصل من الاتفاق. الذي يهمني في هذا التقرير هو أن رئيسي دولة الجنوب سلفاكير ميارديت قد كذب على الرئيس الامريكي باراك أوباما فاذا صدق التقرير فيما افاده فهذه كارثة، أمريكا إحدى الدول الست التي تسمى أصدقاء الايقاد الذين ساعدوا في صنع اتفاقية السلام الشاملة وساعدوا في استفتاء الجنوب والحصول على استقلاله فكيف يكذب رئيس دولة الجنوب على رئيس الدولة التي ساعدته في الجلوس على كرسي الحكم في جنوب السودان. من حق الرئيس أوباما ان يغضب اذا حصل الكذب فعلاً ثم لماذا الكذب وأمريكا لا تغيب عنها معلومة ولماذا لو صدق وبرر إن كان لديه مبررات، أمريكا لديها بعد نظر لوجود العديد من المحللين الاستراتيجيين في كل المجالات فاذا نصحت صديقاً فعلى الصديق أن يستمع اليها. أمريكا بررت لماذا طلب من حكومة الجنوب قطع علاقاتها مع المتمردين على الخرطوم وهو خشية أن يؤدي ذلك الى حرب شاملة بين البلدين وربما تأثر الاقليم بأكمله بعدم الاستقرار. إن قرار وقف ضخ النفط لم يكن قراراً سليماً خاصة وأن النفط هو المصدر الايرادي الوحيد لدولة الجنوب وبتوقفه يشل اقتصاد دولة الجنوب كما هو الآن. أما الهجوم على هجليج في السنة الاولى من الاستقلال فكان انتحاراً لأن الحرب كانت ستكون بين دولة ودولة وليست بين دولة وجزء من مواطنيها الذين تمردوا عليها، فالحرب الشاملة تستخدم فيها كل الاسلحة ماعدا المحرمة دولياً ولولا تدخل المجتمع الدولي ووقفها للحرب بين دولتي السودان بعد استعادة هجليج من قبل الجيش السوداني لحصلت كارثة على الجنوب الذي اصبح جنوده بلا غطاء جوي وتفوق الجيش السوداني عليهم جواً. فعدم تعادل القوى كان سيميل ميزان القوى لصالح الجيش السوداني لتفوق سلاح الجو السوداني على سلاح الجو الجنوبي الذي لم ينشأ بعد. الذي لا يعجبني في قيادة الرئيس سلفاكير ميارديت للجنوب هو أن النداء يصله متأخراً وبعد فوات الاوان، فقد سبق أن اعترف بأن كافة مشاريع التنمية في الجنوب قد توقفت بسبب المشاكل بين الجنوب والشمال وها هو الآن يكتب خطاب اعتذار للرئيس اوباما بأنه كذب له لمرتين لقد اعترف بالكذب بعد أن ساءت العلاقات بين الجنوب وأمريكا بسبب كذب ضار، يكتب خطاب إعتذار بعد أن وقع الفاس في الرأس وبعد أن لوحت عليه وزيرة الخارجية الامريكية بسلاح العقوبات، اذا كنت تعلم أن ما تقوم به من كذب ضار ويستحق الاعتذار فلماذا جرجرت دولة الجنوب نحو هذه الضبابية في علاقتها مع أمريكا الدولة الصديقة لجنوب السودان. إن الاعتذار يقلل من شخصية المعتذر وعندما يكون رئيس الدولة هو المعتذر يقل احترام الدول لتلك الدولة وينتقص من سيادتها كدولة مستقلة، إنه لشيء مؤسف أن يكون رئيس الدولة هو الذي يجلب عدم الاحترام لشعب دولته في نظر العالم. فاقان أموم اتهم المجتمع الدولي بالانحياز الى الخرطوم عندما ضغط على وفود الدولتين لاحراز تقدم في ملف النفط وأن تدخل وزيرة خارجية امريكا لدى الرئيس سلفاكير هو الذي عجل باتفاق النفط. إن تدخل المجتمع الدولي ووزيرة خارجية امريكا كان سليماً لادراكهم المستوى الذي وصل فيه اقتصاد دولتي الشمال والجنوب، حيث شهد ميزان المدفوعات في شمال السودان عجزاً عندما خرج البترول من الموازنة العامة للدولة وتدهور الاقتصاد في دولة الجنوب، إن المجتمع الدولي مجتمع غير منغلق فهو مجتمع ملم بكل صغيرة وكبيرة مما يدور حوله، هو مجتمع يعلم ما لا يعلمه فاقان أموم عن جنوب السودان لذلك كان ضغطه على وفدي الدولتين للاتفاق على ملف النفط الذي ربما يفتح الشهية نحو الملفات الاخرى العالقة. على الدولتين استثمار ترحيب المجتمع الدولي لاتفاق النفط والسعي نحو معالجة الملفات الأخرى بروح تفاوضية سلسة وشفافة.