تابعت خلال الأيام الماضية تفاصيل مبادرة حزب الأمة القومي الخاصة بعقد مؤتمر السلام والتحول الديمقراطي.. وقد حاولت أن أفهم فكرة وأهداف المؤتمر، ولكنني فشلت لما صاحب طرح الموضوع من تناقضات تُصَعِّب عملية الفهم.. وألخص ذلك في ما يلي: أولاً: في البداية اعتقدت أن الفكرة تقوم على جمع قوى المعارضة المسلحة وغير المسلحة مع الحزب الحاكم حزب المؤتمر الوطني للحوار حول جميع قضايا السودان.. ولكن من متابعات الأخبار اتضح أن حزب المؤتمر الوطني نفسه غير مقتنع بفكرة المؤتمر، وأن بعض الفصائل المسلحة بل والأحزاب المعارضة غير المسلحة غير متحمسة لفكرة المؤتمر. ثانياً: قالت د. مريم الصادق في مؤتمر صحفي عقدته في يوم السبت 11/8/2012م إن المؤتمر سينعقد شارك فيه حزب المؤتمر الوطني أم لم يشارك.. فكيف يكون مؤتمر للسلام والتحول الديمقراطي لا يشارك فيه الحزب الحاكم الذي هو الطرف الرئيس في الصراع حول السلطة؟ فهل ستحاور المعارضة نفسها وما الفائدة من ذلك.. وما قيمة ما سيتم التوصل إليه إذا كان طرف الصراع الرئيس غير موجود في المؤتمر؟ ثالثاً: إذا كانت الفكرة في الأصل هي أن يجلس الجميع للحوار، فلماذا استعجل حزب الأمة القومي توقيع اتفاق عام مع أحد الفصائل المسلحة بكمبالا؟ رابعاً: كيف يسعى حزب الأمة القومي إلى الجلوس مع فصائل المعارضة المسلحة في مؤتمر للسلام والسيد/ الصادق المهدي بصفته رئيساً لحزب الأمة القومي نفسه يفتح نيرانه يومياً بمناسبة وبغير مناسبة ضد أسلوب المعارضة المسلحة.. فإذا كنت لا تحترم خياراتي في أساليب العمل المعارض فلماذا تسعى للجلوس معي في مؤتمر للسلام؟ في تقديري مع احترامي للإخوان والأخوات بقيادة حزب الأمة أن هذه المبادرة لا تخرج فكرتها من احتمالين.. الاحتمال الأول هو أنها مبادرة للوساطة بين حزب المؤتمر الوطني بوصفه حزباً حاكماً وجميع القوى المعارضة المسلحة وغير المسلحة.. وهذا أمر ليس فيه عيب سياسي فنحن قبلنا ومازلنا نقبل الوساطة الأجنبية الإقليمية والدولية لمعالجة قضايا السودان المختلفة.. وبالتالي لن نرفض وساطة وطنية.. ولكن الوساطة لها شروط سياسية أهمها تمتع الوسيط بدرجة من الحياد السياسي فلا يعقل أن يلعب حزب الأمة دور الوسيط وهو يتمسك بمواجهته السياسية الحادة للمؤتمر الوطني وللحركات المسلحة بل ولبعض قوى المعارضة غير المسلحة.. هذا بالإضافة إلى أن الوساطة تحتاج إلى تحضيرات ثنائية هادئة بعيداً عن هذه الفرقعات الإعلامية التي تعمل على خلق حالة توتر تعيق أي توجه نحو قبول فكرة مؤتمر للسلام والتحول الديمقراطي. الاحتمال الثاني لفكرة المبادرة هو أنها مبادرة لتحالف سياسي بين جميع القوى المعارضة المسلحة وغير المسلحة بهدف توحيد كتلة المعارضة ضد حزب المؤتمر الوطني.. وبالتالي ليس هناك مجال للحديث عن مشاركة حزب المؤتمر الوطني في مثل هذا المؤتمر.. فمن السذاجة أن ندعو قادة المؤتمر الوطني لنتحاور معهم حول كيفية التخلص من سلطتهم الحاكمة.. وهذا الاحتمال أيضاً له شروط أهمها أن يحترم حزب الأمة أسلوب العمل المسلح الذي اختارته بعض القوى السياسية المعارضة.. فليس من المقبول منطقياً أن يسعى حزب الأمة إلى إقناع تلك القوى بأن ترمي السلاح وتنضم إلى مسيرة «الجهاد المدني».. لأنه بنفس المستوى ليس من المقبول منطقياً أن تطلب تلك القوى من حزب الأمة التخلي عن أسلوب الجهاد المدني ورفع السلاح معهم. أرجو من الإخوان والأخوات قادة حزب الأمة أن يوضحوا لنا بصفتنا مواطنين نتابع الشأن العام بشكل قاطع وصريح فكرة مؤتمر السلام والتحول الديمقراطي لكي نتفاعل معها سلباً أو إيجاباً.. فالطرح الآن غير واضح المعالم، ولا أعتقد أنه يمكن أن يكون مفيداً في اتجاه معالجة الأزمة الوطنية العامة.