إن المتابع للشأن العام يجد مفارقات وسعات عريضة من البون المفضي إلى الاندهاش والداعي للتساؤل الحائر لا سيما على مستوى الجهاز التنفيذي للدولة . ومصدر الاندهاش الفرق الشاسع بين المستوى النظري والتطبيقي لتوجهات وأطروحات التنفيذيين الأمر الذي يجعلهم عرضة للسقوط في نظر المواطن البسيط الذي ما تبوأ المسؤولون مواقعهم إلا من أجل خدمته أو هكذا يفترض وإن كذب الواقع في أحايين كثيرة هذه الحقيقة الناصعة التي لا فكاك منها ولا سبيل لنكرانها . فبأقل مجهود يكتشف المرء خطل ما يقع فيه التنفيذيون من ضعف تطبيق ما يتفوهون به وما يقطعون من وعود لمواطنيهم ويشاركهم في العجز التشريعيون بمختلف مستوياتهم من لدن المجالس المحلية مرورا بالولائية وانتهاء بالمجلس الاتحادي . فبالرجوع بالذاكرة قليلا إلى قبيل انطلاق الانتخابات الأخيرة قبل عامين ونيف واستدعاء كم العهود والوعود التي أطلق لها العنان المترشحون لتعانق آذان ناخبيهم بغية تحسين صورهم وإظهار مقدرتهم على تغيير الأوضاع التي يعيشها الناخبون يجد المرء أنها لم تكن سوى مجرد دغدغة لمشاعر الناخبين وخطب لودهم لحمل المترشحين إلى دوائر التشريع والتمثيل الشعبي . ولا أظن أنني قد بهتهم أو تجنيت عليهم في ما ذهبت إليه من قول مع استثناء فئة قليلة منهم تكاد لا تتجاوز أعدادها أصابع اليدين على كل مستويات التشريع . فكم طفر إلى ذهني وظل مستقرا وجائلا بعقلي سؤال عن كيف يتجرأ هؤلاء النواب على طلب الترشح مرة ثانية في الدورة التشريعية القادمة التي يفصلنا عنها أدنى من عامين ؟ ولتدارك أوضاعهم أسدي لهم النصح بالالتفات العاجل لمواطنيهم الذين لولاهم لما وصلوا إلى ما هم فيه من دوائر تمثيل فالأيام دول و(الجايات أكتر من الرايحات) و(كراع البقر جيابة) وليسل أي نائب بغض النظر عن مستوى تمثيله ماذا قدم لناخبيه ومن يمثلهم في البرلمان أو المجالس التشريعية ؟ فالإجابة التي حتما لا يجهلها ويتعامى عنها ستأتي مناسبة جزلى أنه لم يقدم لهم ما يشفع له من خدمات ويحمله إلى مراقي الرضا عنه ! فالنائب ليس منوطاً به حصر نفسه في دائرة التشريع ومراقبة الأداء التنفيذي بل يجدر به أن يبسط الخدمات إلى ناخبيه ما استطاع إلى ذلك سبيلا . لكن يبدو أنه هيهات له نيل هكذا مقصد في زمن سيطر فيه النسيان على عقول الغالبية العظمى من النواب فأداروا ظهورهم لناخبيهم واتخذوهم وراءها نسيا منسيا ! فإني أعلم فئة من النواب ما أكثرها أن آخر عهدهم بناخبيهم وقاعدتهم إعلان فوزهم ونيلهم قصب السبق في دائرتهم ! وليسل كل من حاز شهادة تسجيل في كشوفات وقوائم هذه الزمرة من النواب نفسه أنى له الهناءة والتنعم بمخصصات المجلس الذي يؤم وناخبوه يتقلبون في جحيم الأسى جراء ضعف الخدمات والافتقار إلى أبسط المقومات؟ أوليس مساءلا عنهم أمام الله والمجتمع ونفسه أدبيا وأخلاقيا فالظن الذي يغلب على أن نفوسهم موات وأنهم يتمتعون بآذانٍ صما وأعينٍ عمياء فلا يلتفتون إلى ناخبيهم إلا مع اقتراب موعد الانتخابات فكثير منهم أدار ظهره إلى ناخبيه تماما وآخر عهدهم برؤيته أو مجرد سماع صوته قبيل إعلان فوزه ومنذ ذلك الحين انقطعت الصلة به لدرجة أنهم قد زهدوا في أن يصنع لهم مجدا أو يقدم لهم خدمة (وقنعوا من خيرٍ فيه) فيا سادتي النواب الناسين لقضايا أهلهم والمنشغلين والمنكبين على تحقيق وإنجاز مصالحهم الشخصية إن صنيعكم حيال ناخبيكم يجر خيبة أمل كبيرة وسخطاً عظيماً لا على ما مضى بل على كل قادمٍ آتٍ . فحتى تستعدل الصورة الذهنية القاتمة التي تربعت عروش عقول وأذهان ناخبيكم فبحقهم أرجو أن تلتفتوا إلى قضاياهم وأن تولوهم قليلا من الاهتمام بالسعي ولا أقول تنفيذ بل مجرد السعي الجاد والحثيث في طلب التنفيذ فالناخب ما زالت بنفسه سماحة وتكلل جوانبه الطيبة وفي دواخله متسعا لتقبل الأعذار بصدر رحب إن لمس الصدق في سردها والاهتمام بها فالكل يعرف ولا يفوت عليه الوضع العام بالبلاد لأجل هذا إن لمسوا سعيكم الجاد لحل قضاياهم والعمل على توفير أسباب راحتهم غفروا للناخب عدم توفيقه لكنهم أو هكذا افترض أنهم لن يغفروا لممثل اتخذهم مطية وسلما لبلوغ أسباب السلطة والجاه وتركهم يقاسون ألوان العذاب والضياع وأن وعوده لم تكن سوى بعض فنون الكذب والتمنى السراب . وبإجالة النظر في الجانب الآخر من شق الدولة الذراع التنفيذي لتشريعات النواب يجد المرء أن تقاعس النواب عن ملاحقة المسؤولين التنفيذيين رمى بظلاله السالبة على مستوى الأداء التنفيذي بمختلف مستوياته حتى غدا أمرهم عجباً إن لم يفق ما ارتهن وقبع فيه النواب من دوائر الكسل والخمول ! لتكون النتيجة تقاسم الجهاز التنفيذي والتشريعي كيكة الفشل والعجز عن تقديم مقومات الحياة الأساسية للمواطنين ناهيك عن أسباب الرفاهية ورغد العيش والهناء التي أضحت بعيدة المنال في ظل أجهزة تشريعية وتنفيذية أكثر ما يميزها ضرب الوعود وعدم الاكتراث إلى عواقبها، فكم من والٍ منى رعيته بأنه سيقضي على العطش وقطوعات المياه في ستة أشهر وتمر الشهور والسنون و(جرحك يا غرام الروح لا طاب لا بدور يبرأ ) والحال ياهو نفس الحال بل يتراجع إلى أسوأ وكم من والٍ أقسم ملء شدقيه أنه سيشبع قاطني ولايته من لحوم الدواجن في بضعة أشهر وتمر الأشهر ولا يجني أهل ولايته سوى مزيدٍ من الضنك والعنت جراء تعالي أسعارها وكم والٍ أقسم بالله جهد إيمانه أن يحل مشاكل السكن وأن يوفر لكل مواطن تحت إمرته منزلا فلا يزداد التمدد السكاني المنظم في عهده إلا في المخططات الفارهة التي يحدد سعرها بالدولار في وقت تعجز كل آلياته وسلطاته وصلاحياته عن استصلاح خطط سكنية مرت عليها عشرات السنين وعامة سكان ولايته يعتصرهم ضيق المساكن ويتحرقون شوقا للفكاك من كتمتها فلا يجدون ملاذاً سوى الصبر وكم من وزير أكد أن الموسم الزراعي سيكون آخر محطة لوداع نقص الغذاء فتكون النتيجة مزيداً من الغلاء وكم من آخر يدعو للصبر على معالجاته لجهة أن بعدها الفرج والهناء فلا يحصد المواطن المغلوب على أمره منها إلا مزيدا من صنوف الابتلاء، وكم من معتمد يطيل البقاء بمكتبه لا يعرف مواطنه اسمه إلا بعد ذهابه أو إقالته إن إدلهم واكفهر في وجهه القضاء . وكم يحز في نفسي تبادل من سمتهم الفشل المقاعد وتنقلهم بينها دونما أدنى حياء فالرأي عندي تكوين مفوضية لمراقبة الأداء التنفيذي ولا أقول التشريعي لأن أمر إعادة النائب بيد ناخبيه وأن أعماله تعجل رحيله أو تعيد بقاءه عقب انتهاء فترة انتخابه ليكون التركيز على الجانب التنفيذي مراقبةً ومحاسبةً دورية على أن يشرك في تكوين عقد المفوضية ثلة من الإعلاميين ليقفوا بالمرصاد على ما يجري بالجهاز التنفيذي من إخفاق ونجاح حتى يكون كتاب إنجاز التنفيذي على مرأى ومسمع الكل. ولا يفوت على التنفيذيين والتشريعيين أن الأيام دول فليعمل الجميع وسعهم لتخليد ذكراهم في وجدان الشعب عبر جلائل الأعمال فالتأريخ لا يرحم ولا يتجمل .