مرتضى مصطفى علي دعوب مدير إدارة السلامة بوحدة تنفيذ السدود أكد أن مرافقنا العامة تعاني ومنذ عقود خلت من انفلات فادح فى الالتزام بالمعايير والمقاييس وضبط الجودة، وقال ان فى بلادنا المئات إن لم يكونوا الآلاف من حملة الدكتوراة والماجستير والخبراء والمتخصصين، وهم من المصنفين عالميا ضمن نخبة العلماء ذات المستوى الرفيع، ومن المؤكد أن هؤلاء العلماء السودانيين قد تنقلوا فى أصقاع الأرض فى سياحات مفيدة ولأغراض شتى مثل الدراسات والأبحاث والمشاركة فى المؤتمرات والندوات والمعارض وغيرها من المناشط. والكثير من هؤلاء العلماء يعملون فى مؤسسات الدولة الكبيرة، ويتمتعون بمكانة تجعل ما يقولونه أو يقترحونه محل احترام صانعي القرار فى بلادنا، لما يتمتعون به من معرفة وبعد نظر وأفكار مواكبة لروح العصر، خصوصاً فى هذا الطور الذكى من اطوار البشرية، حيث ثورة المعلومات وتقنيات التواصل داخل القرية الصغيرة المسماة بالكرة الأرضية. ٭..................؟ - بوابة السودان الجوية «مطار الخرطوم» تم تحديثها قبل سنوات قليلة «صالة المغادرة وصالة القدوم» وأُوكلت تلك المهمة لشركة كبيرة رائدة فى مجال الهندسة المدنية والمعمار. وصفقنا وهللنا وكبرنا جميعاً فى الافتتاح الرسمى، وبداخلنا قناعة بأن مطارنا الدولى من أفضل مطارات الدنيا واكثرها انضباطاً، ولازال منفذو هذا الانجاز على قناعة تامة بجودة العمل، ودليلهم هو المقارنة بين شكل المطار فى الثمانينيات والمطار الآن، مما يعتقدون انه يكفى لإلجام الأفواه عن النقد ومحاولات التقويم لأدائنا البائس فى كل ما يتصل بالبناء والتشييد والطرق والجسور. ٭ ...........؟ - لماذا غضبنا جميعاً عندما قال أشقاؤنا من شمال الوادى إن مطارنا الدولى عبارة عن غرفتين وصالة، لماذا تُصمم جميع المبانى فى العالم لتصمد مئات السنين، بينما فى بلادنا يبدأ التشقق والتصدع بعد عامين او ثلاثة من بنائها، وتنفجر كل توصيلات المياه والمجارى فى كل مبنى بمعدل عطل كل شهرين وفقاً لآخر إحصائيات، أما الطرق التى نفتخر بها فليس فيها طريق واحد يراعى سلامة التصريف فى الخريف، وهى معرضة للكسر والترميم البائس بعد كل إصلاح فى توصيلات المياه والمجارى والكهرباء وخطوط الهاتف، مما يوحي بأن من صمموها لا يمتون إلى الهندسة المدنية بأية صلة، هذا بالاضافة إلى التعرجات والمطبات الأسلفتية، وتكوم الأسفلت فى مواقع كثيرة دليل على الرصف العشوائى والسفلتة غير المدروسة التى لا تراعى ثبات الارضية التى يقام عليها الطريق، فتجد شارع الستين وشارع عبيد ختم وشارع النيل مليئة بنتوءات أسفلتية وحفر وتموجات، لا مبرر لها سوى سوء التقديرات وضعف الحسابات فى مجال لا يقبل العنتريات، وهو مجال الهندسة المدنية، انظر الآن إلى سقف صالة المطار المفكك وفتحات التهوية المتدلية أو النصف مفتوحة، وبقية عناصر الديكور المزخرف التى أصبح منظرها قبيحاً منفراً، كلها تمسك بسبابة كل سوداني وتشير فى حنق وقوة إلى أن تصميمها لم يخضع لخطة دقيقة تنتهج الجودة ودقة التنفيذ، كما أن المواطنين يلاحظون ضعف الأداء الملحوظ لأجهزة التكييف والضجة الصادرة عنها بلا طائل. ٭.........؟ - موظف الاستعلامات ينظر إلى ورقة بها قائمة بالرحلات المغادرة والقادمة ليفتيك عن مواعيد سفريتك، وليس فى الصالة أي جهاز تلفزيونى معلق ليخبرك عن مواعيد الرحلات كما فى مطارات الدنيا، ولا تحاول أن تسأله عن مواعيد سفرية من سفريات ناقلنا القومى، لأن الإجابة معروفة، وقد حسمت دول الاتحاد الأوربى الموقف بمنع جميع الطائرات السودانية من التحليق فى سمائها ناهيك عن الهبوط، وداخل المراحيض تجد الأنابيب المكسورة وأنظمة السايفون المعطلة، وضعف الإمداد المائي للحنفيات، كما أن الحنفيات وأحواض الغسيل تفتقر إلى نظام بديهي مطبق فى كل أنحاء العالم، وهو نظام التشغيل بالضغط على البدال بالقدم أو الخلايا الضوئية حفاظاً على نظافة الحنفيات وخلوها من البكتريا والطفيليات وسائر أنواع التلوث، وفى كل أنحاء العالم يتم تنظيف الحمامات والمراحيض بشكل دوري وبمستحضرات خاصة، ويرتدى العاملون واقيات خاصة بعد أن يتم تدريبهم فى دورات تأهيلية يتعلمون من خلالها المحافظة على صحتهم وعلى صحة من يدخلون إلى هذه المرافق المهمة والحيوية، أما فى مطار الخرطوم فتجد الأجانب يسألون عن ورق التواليت فى المراحيض فلا يجدونه، ويبحثون عن الصابون المعقم السائل، والمفترض أن يكون موضوعاً فى قوارير خاصة مثبتة بعناية بجانب حوض غسيل الأيدى، وأن تعبق رائحة الحمامات بروائح المطهرات بدلاً عن الروائح المقززة، كما أن مطارات الدنيا كلها توفر للمسافرين والمودعين والمستقبلين والعاملين الماء البارد الصحي مجاناً فى مبردات خاصة، ويوفرون معه الأكواب الورقية أو البلاستيكية منعاً للعدوى والتلوث، أما فى مطارنا فيمكنك ملاحظة حفاظة بلاستيكة برتقالية اللون متسخة المظهر، فوقها كوب معدنى يتيم يشرب به كل الناس بلا غضاضة، وبجانب هذه الحفاظة الملوثة أحد الموظفين التابعين لوزارة الصحة «حسب الاستنتاج البديهى» يوزع أوراقاً للقادمين، منبهاً إلى ضرورة التبليغ عن أية أعراض لأنفلونزا الطيور، وإلى خطورة التلوث باى مرض معدٍ .. وعلى بعد خطوات قليلة مرحاض الصالة الوحيد الذى يفتقر إلى أبسط مقومات الصحة، والمحصلة هى الاقتناع التام بأن هذا الإهمال هو الأصل، وأن مجرد انتقاده يجب أن يواجه بالقهر والمنّ والتنكيل. ٭..................؟ - فى أسواق العاصمة المكتظة بالباعة والزبائن والمارة ومواقف السيارات، لا يجد المواطن السودانى مرحاضاً يقضى فيه حاجته، وقد كان المواطن حتى الأمس القريب على قناعة تامة بأن المراحيض النظيفة هى كماليات لا تليق بالدول النامية «لم أقل المتخلفة»، فماذا يحدث؟ إما ان يمسك الأذى بداخله وخصوصاً «النساء» أو أن يلجأ إلى أقرب حائط ليكمل صورة دميمة من صور الانفلات الحضارى فى قناعة تامة بأنه ليس فى الإمكان أفضل مما كان..!! ٭.........؟ - فى مطاعم وكافتريات الخرطوم والمدن الكبيرة، يبذل الرواد جهداً خارقاً ليحصلوا على ماء وصابون يغسلون به أيديهم قبل وبعد الاكل فى ظروف غير صحية، ومناديل الورق لا تُمنح للزبائن مع السندوتشات مثل أي بلد من بلاد أرض الله الواسعة. «نلاحظ أن الكافتريات الأجنبية تحرص على توفير مناديل الورق ونظافة الحمامات»، لأنها كماليات لم تطالب بها المحليات، كما أن العاملين بهذه المرافق لا يستعملون قفازات واقية وهم يمسكون بالجبن والخبز والمخللات والزيتون واللبن الخاثر بأيديهم بلا تحفظ، ولا يستطيع أحد أن ينبس ببنت شفة للتوجيه أو التنبيه، لأن العاقبة معروفة للجميع !!!، وموظفو المحليات على قناعة تامة بأن كل شيء على ما يرام مادامت الجبايات قائمة على قدم وساق، والصابون والماء النظيف والأكواب البلاستيكية ذات الاستعمال الأحادى، ومناديل الورق ومستحضرات التنظيف الخاصة بالمطاعم والفوط التى يمسحون بها الموائد، ليست إلا هرطقات وترف فكرى هازل لا يقدم ولا يؤخر. ٭...........؟ - أردنا أن ننبه إلى أن هذه القناعات السالبة قد تمكنت واستفحلت عند من نحسبهم أكثرنا علما وأشدنا حرصاًَ على صحة وسلامة المواطن وأكثرنا خوفاً من الله، بالنظر إلى ماضيهم التليد الحافل بالبلاء الحسن فى ميادين الجهاد وحقول الدعوة. وفى الخرطوم لجان وجمعيات لتقويم السلوك الحضارى، وللدولة شعار اسمه التوجه الحضارى تم تنفيذ بعضه فى مجالات الكهرباء والمياه وتعبيد الطرق «مع الكثير من التحفظات» والرى وتقنيات الاتصال والوقود والصناعة وغيرها مما لا ينكره إلا متنطع. والسؤال الموضوعي القاسي لماذا لم تحاول كل تلك المنظمات والجمعيات والهيئات التى تعنى بالتوجه والسلوك الحضارى في كل مجال من مجالات بيئة وصحة الإنسان. ٭...........؟ - لماذا لم تجد جمعية ترقية السلوك الحضارى سوى الأشجار الوارفة الظليلة لتعمل فيها معاولها وفؤوسها قطعاً وتخريباً، ولماذا لا تلتفت هذه الجمعيات الحكومية وغير الحكومية إلى مصادر التلوث والضجة والعدوى، فبلادنا الحبيبة تزخر بالخبراء وفيها ذوو الاختصاصات النادرة التى تعنى بما ذكرناه، وفيها العمال والفنيون ذوو الخبرات الذين يتحرقون شوقاً إلى المشاركة والمساهمة فى كل ما من شأنه أن يرتفع بمستوى صحة وسلامة الإنسان. ٭...........؟ - أين الخطأ فى الدعوة إلى إقامة برنامج إعلامى مكثف ويومى يستهدف المواطن البسيط عبر الراديو والتلفاز وشبكة المعلومات الدولية والمطبقات والملصقات والفنون«مثل ما تفعل فرقة الهيلاهوب ومؤسسة رفيدة من جهود راقية وعصرية وواقعية - لمن لا يعلم !»، ألا يمكن تكليف هذا الكم الهائل من المختصين والخبراء بالمشاركة فى هذه البرامج الإعلامية بالتناوب وبشكل دوري عبر وسائل الإعلام، حتى يتطور مفهوم الجودة الشاملة والصحة والسلامة، وينتقل إلى مرحلة أكثر إيجابية يفهم المواطن من خلالها أنه بصدد قضية عادلة وحق مشروع فى أن يعرف مصادر الخطر ومقترحات معالجتها والصعوبات التى تحول دون تطبيقها وسبل الوقاية ولو على المستوى الفردى، ريثما يتم إصلاحها ومعالجتها جذرياً. وهذه واحدة من اهم بنود هذا البحث «نسبة لضعف الإمكانيات وبطء التنفيذ المعهود». ٭............؟ - فى الختام لا يسعنا إلا أن ننبه إلى أننا على شفا كارثة حقيقية فى البيئة والصحة والسلامة بشقيها العام والمهني، وإلى أن علاجها ليس بالأمر الصعب إذا ما تضافرت الجهود وتواضع الجميع على منهج علمي تشرف عليه أرفع إدارات الحكومة المنتخبة الجديدة، وتضعه ضمن أولوياتها التى لا تقبل المماحكة والتمييع، ففي كل الدنيا توضع هذه الأولويات في مقدمة برنامج كل حزب «البيئة والصحة والسلامة» فلماذا نفعل العكس؟ كما نشدد على أن هذا الرأي الشخصي «والذى نحسبه متواضعاً قابل لأي تعديل وخاضع لكل أنواع النقد» لا يحمل أية صبغة سياسية ولا حزبية، ومنطلقه الوحيد هو الرغبة الايجابية فى الإصلاح، مهتدين بقوله تعالى: «واتقوا يوماً تُرجعون فيه إلى الله ثم تُوفىّ كلُّ نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون»، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.