يقول شاعرنا في انجذاب وتصوف وفهم فلسفي للشعر بروح شفيفة ومصداقية مع الذات «مالي أقول الشعر في زمن العلامات الكبيرة والثراء؟». وكأنى بالشاعر عبد القادر الكتيابي يردد بفهم الوجودية مع جان بول سارتر لا جدوى ورغم ما قال الشاعر فإني عندما أقرأه فإن لشاعريته مذاقا خاصا في قصائده وصورها وإيقاعاتها وملامحها:- هدراً تقطع ريق حرفك جف ما بين التكهن والغناء يا كيف تسحرك العيون وفي يديك القيد تحلم بالتلطف والتجول بين أقبية السماء وبلاد هذا العمر تعلم أنت مقفرة ويابسة المحاط فالشاعر عبد القادر الكتيابي راهب في محراب الشعر تتفجر لديه الكلمات في دلالات تعبيرية وإن شعره مسرح جميل ونجده يتبتل في محرابه مع النديم في شعر الصبا:- رقية الوجدان ان يرمي بخور الشعر في جمر الهوى وتدق أجراس الوعود لتجي عافية الخيال على الرياح البشر بين يديه تنضح وجينات الورود ان كنت منا معشر الشعراء فاشرب خمرنا واخدر حضورك ان يعود وأنت أيها الكتيابي تعود في دواخلنا دهشة وألقا حتى اني أحتار أحياناً وين أدسك في قلبي لأن أشعارك هي امتداد رؤيا الفتى الأول واستغراق في رقصة الهياج وموقف العصا وقامة الشفق برؤية شعرية نافذة كما يسطر في قطارات الجنون من شعر الصبا:- وتعلمت يدك السلام على الأحبة يقظة هذا الخريف سبحان ربك وارتجعت الشعر بعد طلاقه وفتحت فوهات النزيف ونزفك أيها الرائع عبد القادر الكتيابي صور وجداريات ينم عن وفاء وعرفان لوالديك في مقامهم الرفيع أم الحسن يوسف بشير وعبد الله محمود الكتيابي وجدك الشيخ جذري فإنك قد نشأت في بيت دين وعلم وشعر وبحور من الجمال فأنت عارف الفضل عندما تقول ذلك من علومهم وعندما أتذكر شعراء مروا على خريطة الشعر في السودان فإن التجاني يوسف بشير فيلسوف الشعراء من الينابيع التي قد تربيت أنت أيها الكتيابي وأنت تنهل من بحر العلوم مما يجعلني أتذكر الينبوع للشاعر أدونيس:- الا أي ينبوع سقاك معينه فإني إلى تلك المناهل ظمآن أصاب ابن أوس منه حسوة طائر وبلت لسان البحتري به الجان وأنت مقيم كارع من دنانه يشعشعها بالكوثر العذب رضوان وللأثاث المعرفي والموهبة والسير في مسيرة ابداع ممتدة في الأسرة من الأجداد إلى الأحفاد.. فعبد القادر الكتيابي في داخله صدى لحلم القديم المتصوف الانساني والذي جاء من بيت شعر وأدب لذلك نجده لديه احاطه بتفاصيل القصيدة ومشتاق أنا مشتاق غربة وشجن وبعاد يصور فيها رسالة ابداع ترسل الألحان:- أسائل عنك لا ردت على الريح لا واست ولا أنت ولا عاد الصدى حتى عجزت أمارس الأشواق حسب المتن رابعتي سألت الشيخ حول وجهه عنى وما أفتى ومشتاق فما أدري وفي اشتياق مساحات من الشجن في رمزية عالية وأخاذة لذلك عندما أقرأ عبد القادر الكتيابي فإن صوره الشعرية تلامس في شعوري انفعالات كامنة فتحركها وتستنهضها وتفتح لي أبوابا للتفكير في عقلي لأن لشعره أنفاسا تمتزج في دواخلي بانجذاباتها وتصوفها وفلسفتها وايقاعاتها وصخبها وضجيجها وهروبها وحبها وجمالها كما في أغنية البحر لما شكوت اليتم والظمأ اللعين:- وصفوا لي المكنون.. ما عندي له ثمن الغناء ولا الطبق والله يا سمراء ما عندي له فترقبي ليلات قدر العائدين مع الشفق ذهبية حتى سنابك خيلهم عربية مستعجلين تأهبي لا وقت بعد الحفل تبتسم المضيفة وتبتسم قصائد عبد القادر الكتيابي برغم أن لها لهبا جامحا يتفجر من خلال الأحرف وظلال الحروف ليصنع مستقبل القصيدة من خلال أنفاس وجدانية فلسفية انسانية شاعرية، ترى الجانب المشرق للحياة وقيم الحق والخير والجمال لذلك نجد أن الشاعر الكتيابي قد تخطى بأشعاره أسطورة الاطار في الشعر السوداني بشدوه وهذي رؤاي:- لو أن شدوك في عروق الذاكرة وخز الزمان وعادني للبست منه عمامة كقميص يوسف ساحره وقد يحس القارئ بغموض النص أحياناً عند الكتيابي وأقول إن في ذلك ما يجذب للكتيابي ويثير التساؤلات لذلك عندي ان نصوصه الشعرية هي نصوص التجاوز وعند أحار إلى المرحوم البروفسير على المك نستبين التجاوز بجلاء:- أحار لكيف تنحسر البحار وكيف تطامن القمم الكبار وكيف تطيق أم درمان حزناً عليك وحزن أم درمان نار منابرها وملعبها وحتى مقابرها سرى فيها الأوار ونجد أن الشاعر عبد القادر الكتيابي خطا في أشعاره خطوات بفهم عميق ضد ذهنية الارهاب:- تذكرني لا أحسب أنك تنكرني وجهي صوتي لغتي وطريقة تفكيري تعرف تعبي تعرف غضبي ولم يغب الشاعر الكتيابي في زحام الغربة ويطويه النسيان إنما أبدع شعراً شكل به حضوراً فاعلاً وهو يرسم جدار ذاكرته الشعرية في تداعياتها وجدارياتها بافتضاح الشاعر الصادق لاعناً ثقافة الأسلاك الشائكة لأنه يعانق كل ما هو انساني منطلقاً بقصائده نحو آفاق مستقبليه في رحلة بحث تتكئ على الشعر الجمالي الذي يحمل التنوع والمعاني والأغاني، وكان خيله تخرج من بسطام في صورة مشهدية مؤثرة تسكن وجدان المتلقي:- تعبت خيلي يا مولاي تعبت .. تعبت ها هي تصطك مفاصلها رضا.. رضا.. في ممشاي كانت تحسن رقص الزهو وتلوي.. تنفض كانت تعجب ليلاي كانت تقطع مثل اللمحة لا يرتد الطرف وإلا تدني مني عرش رؤاي أيها الشاعر المبدع الرائع وأنت تكتب أحلامنا وآمالنا وتطلعاتنا ورؤانا كما أتلقاها من جدارياتك الشعرية في تلقٍ محسوس وملموس، متعك الله بالصحة والعافية لتندلق كلماتك لنا مع شقيقك أيضاً الشاعر عبد المنعم الكتيابي، فقد أمتعتنا وأدهشتنا أيها الساكن فينا عبد القادر الكتيابي، وعندما أقرأ قصائدك تمر بي صور لأشعار جميلة لمبدعين كثر من بلادي وبلاد الآخرين، تمر كشريط سينمائي بعقلي مراكب الشمس للشاعر أحمد عبد المعطى حجازي:- حطمتني الحوافر لكنني أشرت اتهمت ادنت المراكب ثم ارتحلت اسكب الشمس بوان في رئتي فاني تعطلت وأوردت أحمد عبد المعطى حجازي للمقارنة؛ لأن عبد القادر الكتيابي واحد من الشعراء السودانيين الذين كتبوا أسماءهم بشاعريته مع الشعراء الكبار في الوطن العربي، وحجز لابداعه مقعداً ولنفخر به ونتمنى له مزيدا من الابداعات، وأن لا تكون المجموعة الكاملة الشعر الفصيح آخر عهده بالشعر كما قال، فله المجد بين الشعراء، وله الخبرة والدربة والمعرفة الشعرية، وليظل شبال موج القصائد مفتوحا. dakhilala@ hotmail.com