تقرير المراجع العام الذى قدم أمام نواب الشعب فى جلسة البرلمان الثلاثاء الماضى، كشف عن تواصل مسلسل نهب أموال الشعب أو ما يطلق عليه الاعتداء على المال العام الذى أصبح ظاهرة، حيث جاء فى التقرير أن ما نهب من سبتمبر 2011م إلى أغسطس 2012م بلغ «3.8» مليون جنيه «ثلاثة مليارات وثمانمائة» جنيه بالقديم، هذا غير المال االمجنب للكثير من المؤسسات والوزارات، وهذا يؤكد أن هذه الظاهرة فى استفحال وتنامٍ مستمر لعدم وجود محاسبة أو ردع حقيقى كما ذكر المراجع العام. الاعتداء على المال العام سماه بعض الخبراء «سرطان الاقتصاد»، وذلك لما يحدثه من تدمير للاقتصاد وبصورة لا تجدى معها أية معالجات أو مسكنات مهما كانت، وقالوا إن الفساد المالى يفقر أى بلد مهما بلغت قوة وضعه الاقتصادى، ووصفوا تقرير المراجع العام بالكارثى وقالوا إن أسوأ ما فى التقرير هو إرجاع سبب نهب أموال البلد لعدم إعمال القانون ومعاقبة المفسدين. بعض المهتمين أكدوا أن هذه الظاهرة تمارس على كل المستويات الوظيفية وغيرها، حيث ذكروا أنها لا تتركز فقط عند كبار المسؤولين أو الساسة بل انتشرت بين المستويات الدنيا من المسؤولية، وأرجعوا تناميها فى الأساس لضعف الوازع الدينى عند الكثيرين وموت الضمير ومن ثم عدم الردع والحساب، مضيفين أنه سلوك فردى فى المقام الأول يقوم به الشخص من تلقاء نفسه فى أغلب الحالات على حد قولهم. إلا أن للبعض رأياً آخر، حيث يرون أن من أهم أسباب تفشى ظاهرة الاعتداء على المال العام عدم قيام المرأة بدورها فى النصح والإرشاد، حيث اشاروا إلى أن كل المختلسين زوجاتهم أول من يعلم بالجريمة بحكم الصلة اللصيقة بينها وزوجها، بل ذهبوا أكثر من ذلك عندما أكدوا أن الكثير من حالات سرقة الأموال العامة تكون بإيعاز وبتحريض من المرأة، خاصة فى حال صعود الشخص إلى مراتب وظيفية عليا أو تبوئه منصباً سياسياً أو دستورياً أو تشريعياً كما ذكروا. وهناك أمثلة كثيرة تؤكد ما ذهب إليه هؤلاء، منها أن موظفاً بأحد البنوك تمت ترقيته إلى نائب مدير، فرأت زوجته أن هذا المنصب لا بد أن يصاحبه تغيير فى أسلوب حياة أسرتها، فصارت تلح عليه لشراء سيارة فارهة وتغيير أثاث البيت وإدخال الأطفال مدارس خاصة، وهو يعلم أن مرتبه لا يمكن أن يحقق أي واحد من هذه المتطلبات، فأغواه الشيطان باختلاس مبلغ ضخم من البنك، وفى نهاية الموازنة تم اكتشاف الجريمة ففقد الرجل كل شىء بسبب تحريض زوجته. وأحد أبناء العشائر تم تعيينه وزيراً ولائياً، وكان قبل التعيين يعيش حياة عادية، إلا أن وضعه بعد التعيين وبشهور معدودة انقلب إلى مستوى مختلف، بشراء سيارة له بمبلغ يزيد عن الأربعمائة ألف جنيه، وتشييد بيت فاخر بالعاصمة، وزوجته ساكتة عن كل ذلك رغم يقينها بأن هذا المال أخذه بغير وجه حق. وهناك العديد من المهتمين بقضية نهب الأموال العامة قالوا إن هناك نماذج تختلف عن المذكورة أعلاه، حيث قالوا إن هناك نساء ضربن مثلاً فى الحرص على عدم إدخال مال حرام في بيوتهن، حيث ذكروا أن أحد الأشخاص قفز مستوى صرفه فجأة رغم عدم حدوث تغيير حقيقى فى مستوى دخله، فحاصرته زوجته لمعرفة مصدر المال، فعندما علمت أنه يأخذه بغير حقه رفضت العيش معه. وإحدى الأمهات هاجر ولدها الوحيد إلى دولة غربية وكان يرسل لها «المصاريف» كل شهر، وفى يوم ما أخبرها أحد العائدين من تلك الدولة بأن ابنها يجنى ماله من تجارة ممنوعة، فما كان منها «رغم عوزها» إلا أن اتصلت به وطلبت منه عدم إرسال أى مال منذ تلك اللحظة، ودعته للبحث عن عمل شريف، وإلا فلن تكون راضية عنه. وهناك عالم من علماء الدين ذكر أن الإسلام حذر تحذيراً شديداً وتوعد من يدخلون المال الحرام على أنفسهم وأولادهم بأشد العقوبات، وقال إن عقوبة آكل المال العام أو أموال الناس بالباطل تكون فى الدنيا قبل الآخرة متمثلة فى عدم الاستجابة لدعائه، حيث استدل بالحديث الشريف الوارد عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى طيب لا يقبل الا طيباً، وأن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى «يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً»، وقال تعالى «يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم» ثم ذكر أن الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يارب! يارب! ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له»، وقال العالم إن المال الحرام يمحق كل شىء ويؤدى إلى ضياع المال والأولاد وتكالب الأمراض، حيث عزا تفشى الأمراض المزمنة لخوض الكثير من الناس فى المال الحرام، وأكد أن المرأة يمكن أن تلعب دوراً مهماً ومؤثراً فى منع الأزواج والأبناء من الوقوع فى براثن الفساد، وتوخى الحلال فى السعى وراء الرزق، وألا تسمح لنفسها أو أولادها بأن تتغذى بالحرام حتى لا تخسر الدنيا والآخرة. والعديد من المتابعين اتهموا الكيانات النسائية والمنظمات والجمعيات العاملة فى مجال المرأة والأمومة بالقصور فى مكافحة الفساد المالى، رغم ما يسببه من تفكك للأسر وتشريد للأمهات والأطفال كما قالوا، حيث ذكروا أن اهتمام هذه الكيانات منصب فى قضايا ثانوية فى الأغلب، وأن ما يتعلق بالفساد المالى وما يسببه من كوارث اجتماعية ونفسية للمرأة والطفل لا يجد أية التفاتة، وقالوا إنه آن الأوان لتوظيف إمكاناتها وجهودها لهذه القضية حتى يصبح المجتمع معافى نفسياً وبدنياً.