الإعلام هو رأس الرمح قبل العمليات العسكرية وقبل السياسات ان كانت داخلية أو خارجية، العالم اليوم يتقدم بسبب انه فطن إلى هذا الأمر منذ زمن بعيد واليوم السودان في حاجة كبيرة إلى هذا الفهم في ظل التحديات التي تواجهه في كل المستويات ان كانت اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية أو حتى سياسية، فالاعلام كما هو معروف هو الذي يتقدم المبادرات ويهيئ الأجواء إلى كل التحولات التي تريدها الدولة أو الأمة، وبالاعلام تعرف ان تضع أقدامك، وبالاعلام تتحسس الواقع قبل أن تضع كل ما في برنامجك من خطط وموجهات. بريطانيا رغم انها دولة عظمى ولها من الامكانيات الاقتصادية والعسكرية ولها من النفوذ السياسي على العالم لكن نجد ان الخارجية البريطانية كانت واحدة من تحقيق أهدافها السياسية والدبلوماسية هي الاعلام ، ومعروف ان هيئة الاذاعة البريطانية بشقيها الانجليزي والعربي واحدة من واجهات وزارة الخارجية البريطانية ولا يخرج خطها التحريري مهما ادعت انها مستقلة وانها تناقش كافة القضايا بحياد تام، فهي في الأصل أداة من أدوات وزارة الخارجية البريطانية، ولماذا اهتمت الوزارة بالقسم العربي ووفرت كل الدعم وجلبت لها المذيعين والمعدين أبناء جلدتنا العربية وذلك حتى تكون الرسالة أوقع وتحقق الخارجية البريطانية أهدافها من هذه الاذاعة في المنطقة العربية وتكون رسالتها الاعلامية هي المؤشر والدليل على تحقيق تلك الأهداف. ولم تكن الولاياتالمتحدةالأمريكية بعيدة من أهداف ومرامي الخارجية البريطانية فقد عملت أمريكا علي انشاء صوت أمريكا تلك الاذاعة التي يتابعها ملايين العرب، ولم تكتف أمريكا بهذا فعملت نسخاً عربية لمجلة (نيوزويك) ونسخة عربية لموقع (CNN) وبل واتجهت إلى الفضاء وقدمت قناة (الحرة) وغيرها من القنوات المباشرة وغير المباشرة لتوصيل رسالتها. وتحقيق أهدافها عبر الوسائل الاعلامية، ولم تخرج فرنسا من هذا المضمار فكانت (مونت كارلو) والقناة (فرانس 24) العربية وكذلك الألمانية، وكذلك روسيا. وهذا تأكيد على ان الاعلام هو الذي يمهد الطريق لكل السياسات والبرامج حتى وان كانت (استعمارية) وهذا تأكيد على ان الاهتمام بالاعلام هو اهتمام بكل الأهداف المدرجة في جدول التنفيذ ان كان عبر خطة استراتيجية قصيرة أو بعيدة المدى. والسؤال المطروح هل استفدنا من كل هذه التجارب وتم وضع الاعلام في مكانه الصحيح أم ان القائمين على أمر الحكومة لا يعرفون حقيقة أهمية الاعلام كما عرفتها بريطانيا وأمريكا وفرنسا والمانيا وروسيا. ان السودان في حاجة كبيرة لدور الاعلام ليسهم مع جميع المؤسسات القائمة في الدولة ان كانت تنفيذية أو تشريعية لحل كافة القضايا والمشكلات التي تعاني منها البلاد ان كانت على المستوى الداخلي أو الخارجي. وما أكبر التحديات على المستوى الداخلي والتي يعلمها الجميع. فهي لن تحل بمجهود سياسي أو اجتماعي دون أن يكون للاعلام دور في ابراز ذلك المجهود ان كان سياسياً أو اجتماعياً. ولكن تبقى المعضلة التي تواجه الاعلام في تلك العقليات التي تمسك بالشأن السياسي أو الحكومي في الدولة والتي لا تعطي الاعلام أهميته في قيادة المبادرات وتهيئة الأجواء وتوضيح الرؤى وبث المعلومات الصحيحة وتصحيح المفاهيم الخاطئة عن السودان مثل قضايا حقوق الانسان والتعايش الديني والمرأة وغيرها من القضايا التي تثار في الاعلام الخارجي وهي مدعاة للتدخل في الشأن الداخلي ان كان عبر المنظمات الدولية أو الاقليمية أو الدول التي تدعى انها راعية لتلك الحقوق. وإذا أخذنا وكالة السودان للأنباء وهي المؤسسة الوحيدة في السودان المصدر الرئيسي والرسمي الأول لأخبار الدولة ومروجها المعتمد لدى كل وسائل الاعلام المحلية والاقليمية والدولية ولها صلات عميقة وقديمة مع وسائل الاعلام العالمية وخاصة وكالات الأنباء ، بل ان كثيراً من وسائل الاعلام العالمية الأخرى تسعى لعمل شراكة مع وكالة أنباء السودان (سونا) لتكون بوابتها الاخبارية للسودان وأفريقيا، ولعل آخر هذه الطلبات ما تقدمت به مؤسسة (داو جونز) الدولية المرموقة المعروفة بمؤشرها الاقتصادي العالمي ورغم ذلك الدور الكبير الذي تقوم به وكالة السودان للأنباء من خدمة كبيرة إلا انها تعاني في أداء رسالتها كاملة وتعاني من نقص كبير في الجوانب البشرية والتقنية مما يجعلها عاجزة تماماً في أن تكون مثل رصيفاتها. وقد لا يعلم وزير المالية ومن بعد وزير الاعلام وبقية الشعب السوداني ان (50%) من الوظائف في سونا شاغرة في كل مستويات الهيكل منذ عام 1993م أي لمدة عشرين عاماً رغم الأرقام الكبيرة التي تعلنها الحكومة لتعيين الخريجين في كل عام لم يعتمد إى وزير مالية من عام 1993 وحتى 2013م أي ميزانية لملء الوظائف الشاغرة في الهيكل رغم ان في هذه الفترة تعاقب على وزارة المالية ووزارة الاعلام عشرات الوزراء ذهبوا ولم يكن لهم أثر أو فضلا في دعم مؤسسة اعلامية بذات الأهمية مثل وكالة السودان للأنباء، وإذا نظر الوزير إلى العاملين الآن وهم دون (50%) من القوة لا يوجد بينهم واحد دون سن الخامسة والثلاثين. أما الأمر الثاني الذي تعاني منه وكالة السودان للأنباء هو ان وزارة المالية توقفت عن تمويل أهم جزء من أجزاء مشروع تحديث الوكالة وهو المتعلق بربط الوكالة بمناطق الأحداث داخل السودان وخارجه، وبهذا الأمر تكون وزارة المالية أهدرت (80) مليون دولار التي صرفت على الأجزاء الأخرى التي تم جلب معداتها منذ عام 2007م وظلت الكثير منها في المخازن أو مركبة على كبائنها في المقر الرئيسي أو على أسطح البنايات في الولايات أو السفارات السودانية في الخارج دون استخدام. ان مشروع شبكة الربط (menos) يعد من المشروعات الاعلامية الضرورية وفوق ذلك يعد من المشروعات التنموية والايرادية وهو قابل للتوظيف في مهام متعددة مثل التدريب والتعليم والتطبيب وغيرها. قد يكون حل هاتين المشكلتين سهلاً لوزير المالية والاعلام والذي تلقى توجيهاً من النائب الأول الأستاذ علي عثمان محمد طه في آخر لقاء جمع بينهما على تمكين (سونا) من أداء رسالتها بحل جميع مشاكلها. ان الاتفاق على (سونا) وتمكينها من أداء رسالتها والقيام بوظيفتها في صناعة الأخبار والمعلومات هو في الحقيقة اتفاق على وسائل الاعلام الوطنية التي تستفيد من خدمات سونا. ووكالة السودان تحتاج ان تعيش (ربيعاً) مع بداية العام المقبل بأن تجد الاهتمام المادي والمعنوي فالأولي تتمثل في حل مشاكلها خاصة المشكلة المتعلقة بالكادر البشري والأخرى المتعلقة بالجانب الفني والتقني وليس في الأمر صعوبة إذا ما قدر القائمون على الأمر أهمية الاعلام والدور الكبير لسونا. أما الدعم المعنوي فيتمثل في ان ينعقد مجلس الوزراء الاتحادي بكامل أعضائه في وكالة السودان ليقف على حقيقة الأمر والدور الكبير الذي تقوم به الوكالة في خدمة الوطن والذي لا يقل عن دور القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى ان لم يكن يتفوق عليهم. وبالتالي تخرج هذه المسؤولية من عباءة وزارة المالية والاعلام إلى عباءة مجلس الوزراء بقيادة البشير واعتقد ان النائب الأول علي عثمان محمد طه سيقدر هذه المبادرة لعلمه بدور الوكالة.