تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    أبل الزيادية ام انسان الجزيرة    الفاشر ..المقبرة الجديدة لمليشيات التمرد السريع    وزير الداخلية المكلف يستعرض خلال المنبر الإعلامي التأسيسي لوزارة الداخلية إنجازات وخطط وزارة الداخلية خلال الفترة الماضية وفترة ما بعد الحرب    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    وزير الصحة: الجيش الأبيض يخدم بشجاعة في كل ولايات السودان    نائب وزيرالخارجية الروسي نتعامل مع مجلس السيادة كممثل للشعب السوداني    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    استجابة للسودان مجلس الأمن يعقد اجتماعا خاصا يوم الاثنين لمناقشة العدوان الإماراتي    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العمل في التوعية والتربية تبرىء ساحة الجمهوريين من الانتهازية!! (3-3)
قراءة في سيرة (طِيبِ عَرْفِ العُودِ)
نشر في الصحافة يوم 04 - 01 - 2013


أول سجين سياسي؟!
* يقول غسان: "تقول الرواية، أو الرواية الجمهورية تقول"، وهذه من غسان سفسطة لا تبين، كان على غسان أن يقول: قال الجمهوريون في الوثيقة كذا، القول كذا، حتى نكون على بينة من ما يقول، ومثل هذا الكلام الملقى على عواهنه لا يقود إلى نقاش موضوعي..
ثم ينتقل غسان فجأة وبلا مقدمات من ابهام الرواية ليشكك في كون الأستاذ محمود اول سجين سياسي!!..
* من المعروف أن مطلع القرن العشرين في السودان، شهد نشأة التعليم الحديث أثناء فترة الحكم الثنائي البريطاني- المصري (1898م-1956م)، حيث رفدت مؤسسات التعليم الحديث واقع الحياة السودانية بالطلائع الأولى للمتعلمين، وقد تخرجوا في كلية غردون التذكارية التي افتتحت عام 1902م، والمدرسة الحربية (مدرسة الخرطوم الحربية) التي تأسست عام 1905م. والمعهد العلمي بأم درمان الذي أُنشىء على غرار الأزهر عام1912م. إلى جانب القلة التي درست في مصر ولبنان فيما بعد. يقول المؤرخ القدال: كان إنشاء نادي الخريجين بأم درمان عام 1918م، الثمرة الأولى لنشأة التعليم الحديث في السودان، وكان بمثابة أول تنظيم يضم المتعلمين على أساس التعليم وليس المنطقة أو القبيلة، ولذلك بدأ نشاطه مهتماً بنشر التعليم وتوسيعه بالنشاط الثقافي عامة. على أن تطور النشاط السياسي وجد طريقه إلى النادي الثقافي الاجتماعي وتحول إلى منبر للعمل السياسي. (محمد سعيد القدال، الانتماء والاغتراب، دراسات ومقالات في تاريخ السودان الحديث، دار الجيل، بيروت، ط1، 1992م، ص 122). كما أثمر التعليم الحديث في السودان، بالإضافة لعوامل أخرى خارجية، من أهمها الحركة الوطنية المصرية، في قيام ثورة عام 1924م، بقيادة الشباب الأفندية. وعلى ضوء كل هذا مع نمو الحس القومي والوطني قام مؤتمر الخريجين 1938م ومن ثم قيام الأحزاب في السودان عام 1944م. بهذا المعنى يمكن القول إن الأستاذ محمود هو أول سجين سياسي بعد ثورة 1924م، بينما نجد أن لثورة 1924م عند الجمهوريين تقييم مختلف ويمكن البحث عن ذلك في مظانه. ومن المعروف أن ثورة 1924م خضعت لتقييم من قادة ومؤرخين كثر، منهم السيد عبدالرحمن المهدي (1885م-1959م) فقد قوَّم ثورة 1924م قائلاً: "وإنني وإن كنت أكبر صفات الرجولة والصبر التي امتاز بها أعضاء جمعية اللواء الأبيض إلا أنني لا اعتبر حركة 1924م ممثلة للمطالب الحقيقية لشعب السودان". راجع محمد سعيد القدال، الانتماء والاغتراب، دراسات ومقالات في تاريخ السودان الحديث، مرجع سابق، ص 126.وكذلك أنظر: عبدالله الفكي البشير، التنوع الثقافي والأمنية العذراء: خَيْبَة القادة والعقول الراكدة (7 حلقات)، صحيفة الأحداث غرة أبريل 2010م-14 مايو 2010م.
كما قدم المرحوم عبدالخالق محجوب (1927م-1971م) تقويماً لثورة 1924م، قائلاً: "فقد كان شعار الجمعية والثورة التي فجرتها هو (وحدة وادي النيل) يعبر عن العجز السياسي والاقتصادي للطبقة الوسطى السودانية، أكثر من التعبير عن رغبة الجماهير الشعبية في الانعتاق من عسف الاستعمار البريطاني. كما أن حركة 1924م كانت خالية من أي برنامج يمكن بمقتضاه تعبئة الجماهير وحملها على الانضمام إليها، إذ أن البرنامج في مجمله لم يخرج عن ترديد ألفاظ الحرية ووحدة وادي النيل وعاشت مصر، أما المستقبل الذي يمكن أن تلقاه الجماهير من نظم ديمقراطية للحكم وتقدم اقتصادي واجتماعي، فأمور كانت مهملة من جانب تلك الحركة. وكان تنظيم الحركة ضعيفاً وغير متسع في المستوى المطلوب لمجابهة الاستعمار. كانت به بعض العناصر الخائنة التي اتهمت بنسفه والتآمر على أعضائه" راجع محمد سعيد القدال، الانتماء والاغتراب، دراسات ومقالات في تاريخ السودان الحديث، دار الجيل، بيروت، ط1، 1992م، ص 126
* ومن المعلوم بداهة أن الحركة السياسية السودانية الحديثة بدأت بتأسيس الكيانات الحزبية كما ذكرنا، فتكوَّن في العام 44 - 1945 حزب الأمة القومي، وحزب الأشقاء (المكون من مجموعة أحزاب)، والحزب الجمهوري، ثم تكون الحزب الوطني الاتحادي في العام 1952، ومن هنا يبدأ العمل السياسي المحدد بالتكوينات السياسية المختلفة!.
يقول عبد الرحمن علي طه:
"في 4 نوفمبر 1945م اعلن عن قيام حزب استقلالي آخر وهو الحزب الجمهوري [*] وبميلاد هذا الحزب نشأت علاقة جديدة بين الاحزاب والمستعمر لأن الحزب قرر سبيل الكفاح والجهاد ضد المستعمر وأخذ يلهب حماس الناس ويوزع البيانات والمنشورات ممهورة بتوقيعاتهم، حتى قدموا أول سجين سياسي في الحركة الوطنية الأستاذ محمود محمد طه. بعدها بدأ الناس يؤمنون بفكرة الكفاح ضد الاستعمار وبدأت حملة الاعتقالات التي طالت رجال المؤتمر والأحزاب فيما بعد.[*]
* فيصل عبد الرحمن علي طه: الحركة السياسية السودانية
أنظر ويكيبيديا الموسوعة الحرة الرابط: الحكم الثنائي http://ar.wikipedia.org/wiki/
* وفي العام 1924 حين تم اغتيال السير لي ستاك حاكم عام السودان بالقاهرة قررت الحكومة البريطانية مسؤولية الحكومة المصرية عن الحادث وترتب على ذلك إخراج الجيش المصري من السودان.. وزاد في تعقيد الوضع تضامن عدد من الضباط السودانيين مع المصريين واندلعت في البلاد ثورة 24 بقيادة علي عبد اللطيف وآخرين. تم إخماد الثورة وقتل قادتها وأسر علي عبد اللطيف وتم نفيه لاحقا إلى مصر وتم طرد الجيش المصري من السودان...(أنظر ويكيبيديا الموسوعة الحرة المرجع السابق)
* ما زلنا بصدد الرد على اتهامات غسان علي عثمان الواردة في حلقته الثانية - المنشورة بجريدة الصحافة صفحة الرأي يوم الثلاثاء 18 ديسمبر 2012 العدد 6943 - والتي كالها في حق الأستاذ محمود محمد طه والجمهوريين، واتهامات غسان جاءت غُفْلاً من الاستشهاد بنصوص من كتب الأستاذ محمود او كتب تلاميذه الجمهوريين، أو أي وثائق أخرى، باختصار كتابة غسان جاءت بلا علم ولا هدى ولا كتاب منير، واعتمدت على شهادة وحيدة ومجروحة!!..
مع ختان الإناث وضده؟؟!!
لا شك أن الكاتب الراسخ في معرفته بالتاريخ وحقائقه وأحداثه، هو موضع احترام وتقدير حتى ولو اختلفت معه كلية في التحليل والاستنتاجات، بينما تكون في موضع الإشفاق والعطف على الكاتب الجاهل بحقائق التاريخ. يتساءل غسان في مقاله والذي يدل على شح في الاطلاع، فالأمر مبذول في موقع الفكرة الذي ذكره غسان نفسه، ويدل أيضاً على قصر نظر في التفسير حين يقول: " فهل هم (يعني الجمهوريين) مع الختان أم ضده؟.."
لا يمكن ان يجتمع ضدان في عقل متناسق، اجتماع الضدين في عقل متشاكس أولى، ولا يمكن أن يكون الجمهوريون مع الختان وضده في آنٍ واحد، والسر في الأمر يكمن في ضرورة قراءة الظروف التاريخية المحيطة بتأنٍ وروِيَّة، وعنها يحدثنا البيان الأول الذي اصدره الجمهوريون في (ديسمبر) 1945 لمحاربة قانون الخفاض الذي اصدره الانجليز في الشهر والعام نفسيهما (ديسمبر) 1945 يحدثنا المرحوم طه اسماعيل ابوقرجة المحامي نقلاً عن بيان الجمهوريين الأول ضد القانون:-
- "لا نريد بكتابنا هذا أن نقف موقف المدافع عن الخفاض الفرعوني، ولا نريد أن نتعرض بالتحليل للظروف التي أوحت به لأهل السودان، والضرورة التي أبقته بين ظهرانيهم إلى يومنا هذا. ولكننا نريد أن نتعرض لمعاملات خاصة، وأساليب خاصة، وسنن خاصة، سنتها حكومة السودان، أو قل ابتدعتها ابتداعاً، وأرادتنا أن ننزل على حكم ابتداعها إرغاما"..
- "ومن الآيات الدالة على سوء القصد، في هذه الأساليب، إثارة مسألة الخفاض الفرعوني في هذا الظرف، وأساليب الدعاية التي طرقتها له، والطرق التي ارتأتها مناسبة لإبطاله، والقضاء عليه، ولقد جاءت هذه الآيات دليلاً واضحاً على التضليل المقرون بسبق الإصرار".
- ومضى البيان ليقول:- "قل لي بربك!! أي رجل يرضى بأن يشتهر بالتجسس على عرض جاره؟؟ وأي كريم يرضى أن يكون سبباً في إرسال بنات جاره أو صديقه أو عشيره للطبيب للكشف عليهن؟؟ عجباً لكم يا واضعي القانون- أمن العدل والقانون أن تستذلونا باسم القانون؟؟ أومن الرأفة بالفتاة أن تلقوا بكاسيها في أعماق السجون".
يقول أبوقرجة: "ومن المهم أن اذكر هنا أن الجمهوريين قد نبهوا منذ أول بيان لهم ضد قانون محاربة الخفاض، في ديسمبر 1945 (وهو تاريخ سن القانون)، إلى أنهم لا يدافعون عن عادة الخفاض، وإنما يعارضون المرامي السياسية من وراء القانون، كما يعارضون طريقة محاربة عادة الخفاض بالقانون." (مقال د. خالد المبارك يكشف عن حقائق مؤسفة..لأبي قرجة (3 من 3)) - موقع الفكرة المقالات alfikra.org ) والمرامي السياسية كانت تهدف إلى التنصل من حق تقرير المصير الممنوح للشعوب المستعمرة بموجب وثيقة الأطلنطي الموقعة في 14 أغسطس 1941 وذلك بتصوير الشعب السوداني في نظر الرأي العام العالمي بأنه شعب همجي يمارس عادة بهذه الهمجية والتخلف، ولإقناعه بضرورة استمرار الحكم البريطاني على السودان ليخرج شعبه (حسب تقديرهم) من دياجير تلك الظلمات، والغرض الخفي لحملة الانجليز ضد العادة المتأصلة هو الطمع في استغلال خيرات السودان الواعدة إلى أقصى مدى!!.
الجمهوريون بين أمرين أحلاهما مرُّ
هنا أيضاً يطالعنا بجلاء جهل غسان بحقائق التاريخ المحيطة بمجىء مايو وعجزه في تفسير ملابسات المجىء، ولو بحث عن الاجابة لوجدها حاضرة في موقع الفكرة الجمهورية التي يعرفها، وفي الصحف السودانية السيارة، وفي وقائع التاريخ الماثلة، فقد تيسر لي الكتابة والنشر في صحيفة الأحداث السودانية (رد الله غربتها)، في أربع حلقات بعنوان "الجمهوريون ومايو: جرد حساب"، نشرت في الفترة من الثلاثاء 8 يناير 2008 إلى الثلاثاء 29 يناير 2008، ولكنه الغرض (غرض غسان)، والغرض مرض، نسأل الله لنا وله العافية..
الملابسات التاريخية قبيل مجىء مايو تقول ان الفترة المشار إليها اتسمت بالنزاع الساخن بين دعاة تطبيق ما يسمى بالدستور الاسلامي والمستغلة للأغلبية الميكانيكية المتوفرة لها آنذاك وقوى المجتمع المستنيرة المتمثلة في الجمهوريين خاصة وقوى اليسار عموماً.
في هذه الفترة (1965 - 1969) - فترة سخونة الصراع بين دعاة ما يسمى بالدستور الاسلامي والقوى المستنيرة - تم حل الحزب الشيوعي 1965، ونصبت محكمة الردة في 18/11/1968 لاسكات صوت الجمهوريين الشرس في مقاومة الهوس الديني..واقتربت البلاد من قراءة مسودة الدستور في مراحلها النهائية واجازتها وفي هذه اللحظة الفاصلة جاءت مايو او في الحقيقة: جيء بمايو!!..
والسؤال لماذا ايد الجمهوريون مايو؟!، والاجابة قريبة وبديهية: لأنها اوقفت المد الطائفي الباحث عن تعزيز سلطته الدينية بسلطة زمنية شاملة.
الجمهوريون سذاجة أم حصافة
الجمهوريون - على عكس جميع الذين ايدوا مايو - عَفُّوا عن المغانم ولم يشتركوا في أجهزة النظام تشريعية كانت أو سياسية أو تنفيذية، الأمر الذي قاد مراقبيهم لوصفهم بأنهم "مايويون من منازلهم" او "مايويون بالمجاني" كما هو عند الشاعر المرحوم صلاح احمد ابراهيم لأن في عرف هؤلاء المراقبين لابد من جني ثمار التأييد مالاً أو وظيفة او جاهاً وسلطة.
الاستبداد بين الملسا والكوكابا
الطرفة تقول: إن درويش المهدية حينما ادرك طريدته المستيقنة من الموت التفتت إليه مستحلفة له: عليك الله بالملسا..وللذين لا يعلمون (الملسا) و(الكوكابا)؛ هي حربة ذات رأسين أحدهما املس والآخر مُشرشر.
دحين نقول لصديقي د. محمد المهدي بشرى الذي وصف مايو بالاستبداد: الفرق بين استبداد مايو واستبداد الطائفية هو الفرق بين "الملسا والكوكابا"، فاستبداد مايو علماني ومقدور عليه من حيث امكانية كشفه بسهولة أما استبداد الطائفية فيلتحف الدين وكشفه "عويص"، في حين أن كليهما استبداد فانظر هداك الله..
الجمهوريون والقضية الفلسطينية
الجمهوريون يتعاطفون مع القضية الفلسطينية، ومن تعاطفهم تقديم العقل، وتأخير العاطفة، ومن باب "اسمع كلام المبكيك!"، لذلك محضوا الجميع النصح العاقل بالقراءة المتأنية، وتعمقوا في جذور التاريخ، وقالوا بلا مواربة: لن ينتصر العرب إلا بما انتصر به أوائلهم بالرجوع إلى "لا إله إلا الله"، وقالوا: إسرائيل سوط يسوق به الله العرب من عنصرية العروبة، إلى سماحة الاسلام، من اغترابهم عنه إلى كنفه الرحيم، ودعوا العرب للاعتراف بإسرائيل وتولي أمرهم في التفاوض مع إسرائيل مباشرة لا من وراء حجاب الشيوعية الدولية أو الانحياز (في أتون الحرب الباردة) إلى احدى الكتلتين المتصارعتين الغربية أو الشرقية، وذكروا لهم أن الاسراع في اتخاذ الموقف المباشر يضمن اكتساب حقوق أكثر، تخوفاً من فقدان اللحظات المواتية للاستجابة عبر تراخي الزمن، وهاهي المبادرة السعودية القريبة تؤكد صدق قول الجمهوريين، وحسن تقديرهم، فقد قبلت المبادرة السعودية باعتراف العرب بإسرائيل مقابل إقامة دولة فلسطينية على حدود عام الرابع من يونيو 1967 .
حينما كتب الأستاذ محمود كتاب مشكلة الشرق الأوسط وأصدره في أكتوبر 1967 وصف الكتاب بأنه تحليل سياسي، واستقراء تاريخي، وحل علمي، والكتاب صدر في عنفوان الأزمة وكان صادماً للعاطفة الساذجة، ولكنه بلا أدنى ريب كان مرسياً للعقل الفاحص الأريب، قال لي الأستاذ محمد أدروب أوهاج أستاذ الأجيال في التاريخ ان سبب التزامه الفكرة الجمهورية هو كتاب مشكلة الشرق الأوسط.
أهدى الأستاذ كتابه قائلاً: "إذا كنت مؤمنا باللّه، ثم بكرامة الإنسان - كرامة الفكر - فإن هذا الكتاب لك.. وإن لم تك مؤمنا فمن الخير لك أن تؤمن، بل لا بد لك من أن تؤمن وسيكون هذا الكتاب لك.".
قدم الأستاذ محمود في الكتاب حلاً عاجلاً دعا فيه العرب والمسلمين للاعتراف باسرائيل وتولي قضيتهم بأنفسهم بدلا من تركها في يد الشيوعية الدولية تستغلها لتنفيذ أغراضها ونبه لازدواجية عبد الناصر (ضلل العرب ودعاهم للقومية العربية) في مخاطبة العرب بوجهين وجه خادع للعرب ووجه مهادن للغرب.
جاء في الكتاب باختصار أرجو ألا يكون مخلاً:
الحل على مرحلتين
مرحلة عاجلة، ومرحلة آجلة: فأما المرحلة العاجلة فهو حل سياسي، ومرحلي، في نفس الأمر، وهو حل يقتضيه حل المرحلة الآجلة.. وهذا وحده الحل المستديم السليم.. وبالحل المرحلي، العاجل، يستطيع العرب أن يرجعوا الى نقطة الإعتدال بين الكتلتين: الكتلة الشرقية، والكتلة الغربية. وهي النقطة التي فيها يقومون مقام الكتلة الثالثة وهي كتلة لا شرقية ولا غربية ومقامها قد قامه قديما أوائلنا، وقاموه من جميع الوجوه، وقد قال الله تبارك وتعالى عنهم، "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيدا".
الحل الآجل
أول ماتجب الاشارة اليه هو ان العرب اليوم يواجهون تحديا حاسما، وليس هذا التحدي هو قيام دولة اسرائيل، في ارض فلسطين، بعد ان اقتطعتها، وشردت أهلها، واعانها، على كل اؤلئك، قوم آخرون، في طليعتهم الشيوعية الدولية التي تدعي صداقة العرب اليوم، وتتباكى على مأساتهم.. بل ان النظر العميق في حقيقة هذا التحدي ليظهر دولة اسرائيل وكأنها صديق في ثياب عدو.. أو انها نعمة في ثوب نقمة.
واما التحدي الحاسم الذي يواجه العرب فانه يتمثل في ان منطق تطور الحياة البشرية المعاصرة في هذا الكوكب يقول للعرب ان عليكم، منذ اليوم، ان تدخلوا التاريخ في القرن العشرين، كما دخله أوائلكم في القرن السابع، فاشرقت بدخولهم على عالم يومئذ شمس مدنية جديدة.. أو ان تخرجوا عن التاريخ، لبقية التاريخ..
كلمة لا بد منها
وهناك أمر لا بد ان يشار إليه، حتى يوقظ من عساه يحتاج لاستيقاظ، الغرب هو من يملك الآن العلم بالسلاح وتقنياته المتطورة، وقد ضمن هذا الغرب لإسرائيل تفوقها العسكري على محيطها من العرب والمسلمين، وبعد هذا الضمان تعمل اسرائيل على تعزيز هذا التفوق من جانبها بشتى السبل حتى بمعزل عن الغرب الداعم لها، فهل من يريدون زج الفلسطينيين في أتون حرب كفتها راجحة ابتداءً لصالح إسرائيل، محضوهم النصح أم يعدون من الخائنين لضمائرهم ثم من الخائنين للفلسطينيين؟!!..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.