رجلان سودانيا الملامح والمحيا، تظلهما ابتسامة وتواضع التقيا في الابداع يأسران ويؤثران في دواخلي أحدهما الموسيقار عبد الفتاح الله جابو الذي يرسل الأنغام للدواخل، والآخر هو البروفيسور علي محمد شمو، وله آلاف الكلمات التي تلامس شفيف الروح والبروفيسور علي شمو مع الموسيقار شكلا وجدان الأمة السودانية ومازالا يرسلان اشعاعاتهما إلى دواخلي، متعهما الله بالصحة والعافية، وشمو الفنان الانسان أولاً قبل المدير والوزير فهو يضيف رونقا وجمالا للمكان بحضوره وبهائه بعلمه وتواضعه وبساطته، وإن كان الله جابو اختصه الله بحمل الكمان وارسال النغمات فإن شمو حمل الكلمة رسالة وريادة وتفرد وهو كالغيث أينما هطل اخضرت الأرض وأثمرت، وان كانت جدباء وبرغم الأوسمة والنياشين والوشاحات التي تتلألأ على صدره وقلبه العامر بالمحبة وإن كانت الصدفة وحدها هي التي جعلته يتجه للإذاعة عندما زار زميله عز الدين فودة في منتصف الخمسينيات بالقاهرة وهو الدارس للغات وتحديداً العربية، فإن ذلك جعله واحداً من ثلاثة سودانيين تميزوا بإذاعة القاهرة وركن السودان مع رفيقيه محمد عثمان العوض والدكتور حسن عباس صبحي، ولي مع حسن عباس صبحي ذكريات فهو أستاذنا للغة الانجليزية بالمعهد العالي للموسيقى والمسرح سابقاً كلية الدراما حالياً بجامعة السودان وقد فتح آفاقنا على الثقافة والأدب الانجليزي - رحمه الله رحمة واسعة - ولعل ذلك الجيل كان ميزته التميز والتفرد لذلك عرف صوت شمو أولاً من خارج السودان وصار مذيعا متمرسا صقلته التجربة والمثاقفات في تلك الفترة، وصار إذاعيا مقتدرا لتمكنه من اللغات ولجمال الصوت من طبقة الباص ولادراكه للغات عربيها وعجميها لذلك صار شاهدا على مرحلة الانتقال والتطور في تقنيات وسائل الاتصال على النطاق الدولي، وقد كان في منتصف الخمسينيات السوداني الوحيد في مدينة أمريكية إنه التفرد والنبوغ الذي لازم البروفيسور طيلة حياته وحتى الآن فنان في حديثه وفي اهتمامه بالرياضة، ولعل البعض يشاهده في كبري شمبات وهو يمارس الرياضة وقد كان لاعب كرة ماهرا بالمعهد العلمي كما يقول مجائلوه وقد لعب في الدوري المصري بالكركاسة لذلك عندما جاء تقديمه لأول برنامج رياضي في الإذاعة المصرية حالفه النجاح لأنه انطلق من أرضية ارتبطت بعلي شمو تدرك مكنونات الأشياء وتفاصيلها، لذلك يدهشك عندما تسمعه أو تقرأ كتاباته إن كان في سفره الهام أسياسيات الاتصال ومهاراته من منشورات جامعة السودان المفتوحة ففيه حكي وقصص وجودة اتصال وحياة وحواس وتداخل ومعلومات وأقمار تبهرك وتجذبك لمتابعة كاتب يمتلك أدواته والرؤية الفنية.. وفي كتابه الرائع تجربتي مع الإذاعة مسيرة طويلة مع الإذاعة السودانية نتلمس ونحس بها بأنفاسه وانفعالاته وإبداعاته ومواقفه في تجلياتها.. وندرك انه السوداني المتشبع بالوطنية وهو يرفض أن يهاجم بلده وناسها وهو في الغربة ونجده يتحدث مع نفسه في شكل منلوج داخلي ويقف معه نفسه ويطرح أسئلته المشروعة بصوت واضح، وكأنه يفكر بصوت مسموع لأن دواخله هي دواخل الفنان صاحب الموقف «نحن كسودانيين نتحدث عن مزايانا ولا نتحدث عن عيوبنا إلا قليلاً، ومن العيوب أننا أقل حباً لبلدنا من الآخرين».. هذه لوحة فنان في حب الوطن رسمها الرسام الفنان علي شمو لأنه من جيل العملاقة المذيعين أبو عاقلة يوسف وعبد الرحمن زياد ومحمد صالح فهمي وعبد الرحمن الياس ويسن معني وصالح أحمد محمد صالح الإذاعي والشاعر وصلاح بحسه الفني عندما يسافر إلى بريطانيا يختار أن يخلفه فنان في تقديم برنامج حقيبة الفن ويختار الفنان علي شمو وتتلألأ الحقيبة في سماء السودان بحضور نجوم وقامات سامقة في الحياة السودانية بجانب البروفيسور علي شمو منهم أبو داؤود وعلي المك فشمو سنوات من العطاء في الإذاعة السودانية وضع فيها بصمته وفكره وجهده ثابر حتى حقق المجد له ولأجيال جاءت من بعده لأنه وضع منهجا للإعداد وللدراسة والتحليل خابر في دراساته وبحوثه وكتاباته سافر لانديانا بأمريكا لينال الماجستير في علوم الاتصال ما أجملها من فرصة حولته للإذاعة التي ظل يحمل لها وفاءً نادرا، وقد انتقلت المعارف بين السودان وخارجه من البروفيسور علي شمو لأجيال كثيرة وتحديداً في الإمارات العربية والتي تعتبر علي شمو أحد بناتها ومن الإذاعة المسموعة جاء علي شمو للاذاعة المرئية وصار أول مراقب للتلفزيون وقد أسس وخطط وبرمج وعلم وأذاع وحاور وحواره الشهير مع كوكب الشرق أم كلثوم مازال يبث من الأمس إلى يومنا هذا كأحد الحوارات المتميزة التي أجراها علي شمو بلباقته وفصاحته وحضوره الطاغي.. وآخر حوار أجراه الأستاذ المتمكن علي شمو كان مع نائب رئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه وقد أثبت أنه من القلة الذين يستطيعون قيادة دفة حوار. لك التجلة أستاذنا وشيخنا علي محمد شمو، ولك التقدير والاحترام وأنت تعلمنا معنى الاحترام وكيف يكون العطاء وتدركه خلال مسيرتك الممتدة والعامرة بالجمال في مجال الإعلام والثقافة، وقد كتبت اسمك بأحرف من ذهب في الحياة الوطنية والثقافة السودانية ورسمت جداريات لنا وللأجيال القادمة، وان أسلوبك قد غرس محبة المهنة في قلوبنا.. أستاذنا شمو، إنك شاهد عيان على حياتنا السودانية ومن رسمت للإعلام طريقاً واضحاً لأنك صاحب مقدرات على الابتكار وصاحب ثقافة موسوعية وجذورك العلمية عميقة وراسخة ومرتبطة بالحياة السودانية. لك التحايا والسلام وفي بساطتك يتجلى السلام وأنت ترسل السلام للجميع.. وقد نما بيني وبينك خط من الجاذبية لسنوات طويلة، وذلك لعدة أسباب أذكر منها انني أعتقد جازماً ان الله منحك عددا من المواهب وانك تؤمن إيماناً قطعياً بتواصل الأجيال لذلك تمنحهم العلم والمعارف زملاء وطلابا وتحفظ الوطن في دواخلك انسانا ومعنى. لك الحب والمودة والأشواق، ولو كنت صاحب قرار لبنيت لك جدارية عند مدخل كل مدينة.. ويكفي أن نذكرك في اليوم عشرات المرات ونحن نخرج وندخل للاستديو المسمى باسمك تاج يزينه استديو علي شمو ويكفي أن رسمك لا يغادر مخيلتي وكلماتك ومقولاتك في صدري وقلبي، ولك السلام ودوام الصحة والعافية والعطاء أستاذ علي شمو، وأنت رئيس للصحافة والمطبوعات مجلساً ولجائزة المبدع الطيب صالح ويمتد عطاؤك في المنابر والجامعات داخل السودان وخارجه، وأنت خبير في اتحاد إذاعات الدول العربية وأول رئيس له. dakhilala@ hotmail.com