لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    بحضور عقار.. رئيس مجلس السيادة يعتمد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة للعام 2023م    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    احتجز معتقلين في حاويات.. تقرير أممي يدين "انتهاكات مروعة" للجيش السوداني    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تفكُّك الدَّولة السُّودانية: السِّيناريو الأكثر تَرجيحاً «3 3»
الكُرَةُ في ملْعبِ الرئيس
نشر في الصحافة يوم 11 - 02 - 2013

1/ تظل الأزمات السياسية المتلاحقة هي السمة الرئيسة والمميِّزة للفترة الانتقالية منذ انطلاقها في يوليو 2005م، في أعقاب إبرام اتفاقية السلام الشامل بين حكومة السودان ممثلة في حزب المؤتمر الوطني، والحركة الشعبية لتحرير السودان في يناير 2005م، فمنذ نهاية الفترة الانتقالية وانفصال الجنوب، تشهد البلاد مآزق مستمرَّة ومتتابعة على نطاقٍ غير مسبوق، ومناخاً سياسياً محتقناً ومتوتراً. فالآن هناك استقطاب رأسي حاد وملحوظ بين الحكومة من جهة والمعارضة السلمية والمسلحة، على حدٍ سواء، وبعض منظمات المجتمع المدني والتكتلات الشبابية من جهة أخرى. أيضاً هناك الانشقاقات والانقسامات الأفقية داخل الأحزاب السياسية، بما فيها الحزب الحاكم والحركة الإسلامية، والتي يا للمفارقة، أتت بالحزب إلى سُدَّة الحُكم، والحركات المسلحة، وتواتر معلومات عن تذمُّرٍ وتمَلمُلٍ داخل القوات المسلحة، مع تنامي الولاء القبلي والعرقي، وظهور الجهاديين والجماعات الإسلامية المتطرِّفة وتصاعُد نشاطاتهم العنيفة والمرعبة. ويتجلى هذا الاستقطاب السياسي الحاد في النزاع المسلح وتدهور الوضع الأمني في دارفور بوتيرة متسارعة، والحرب الدائرة في جنوب كُردُفان والنيل الأزرق، وتردِّي الأوضاع الاقتصادية وتفشي الفساد، والعلاقة المتوترة مع الجنوب، وشبح الحرب يلوح في الأفق بين السُّودانَيْن، وفوق ذلك كله، كيفيَّة التعامُل مع المحكمة الجنائيَّة الدوليَّة.
2/ حقيقة، هذا الوصف للواقع الماثل أمامنا لا تخطئه عين، بل يلحظه ويراه المراقب، ولا تستقيم معه أية مكابرة أو عنادٍ أو إنكار. فلا حديث يدور في مجالس أُنس المواطنين العاديين سوى هذا المشهد السياسي المحتقن، ومآلات وسيناريوهات المستقبل، وما تحمله الأيام في جوفها من شكوكٍ وتخوُّفات! وفي ضوء هذه التطوُّرات الخطيرة، فإن المرء لا يملك إلاَّ التفكير في ثلاثة سيناريوهات للتغيير المتوقع والمنتظر.
ملخص:
رسم الدكتور الواثق كمير في الحلقتين الأولى ثلاثة سيناريوهات للتغيير المتوقع والمنتظر في السودان، السيناريو الأول يقول بالإبقاء على الوضع الراهن أي أن يستمرَّ الوضع الراهن، ولو بتغييرات بسيطة وسطحية في الشُخُوص والمواقع وبعض السياسات، وجزم بأن هذا السيناريو لا يؤدي، بأي حالٍ من الأحوال، إلى التحوُّل الديمقراطي، كما لا يُعَدُّ أو يُشكِّل مخرجاً آمناً من الأزمة الوطنية المستفحلة والمتفاقمة في البلاد، اما السيناريو الثاني الذي يرسمه كمير فهو تفكك الدولة، ويفترض هذا السيناريو تصاعُد العمل المسلَّح، في شكل حرب العصابات، أو الزحف على مركز السلطة، بهدف ممارسة ضغوط متواصلة، جنباً إلى جنبٍ مع جهود المعارضة السلمية، التي تقوم بها بقية القوى السياسية السودانية، من أجل إسقاط النظام في الخرطوم. وأشار فيه إلى أن ضعف مؤسسات الدولة السُّودانية، والتكوين السياسي المعقد للبلاد، وغياب الثقل الموازن المُوحَّد لهيمنة المؤتمر الوطني على المركز، والافتقار إلى وحدة القضيَّة والهدف والأساليب بين القوى السياسيَّة، وما نشهده من استقطاب سياسي بين مختلف المتصارعين على السلطة، يجعل الخط الفاصل بين سقوط النظام وتفكك الدولة رفيعاً جداً.
السيناريو الثالث هو «التسوية السياسية الشاملة» الذي قال إنه الوحيد الذي من شأنه أن ينقذ البلاد من الانزلاق إلى الفوضى، ويحول دون انهيار الدولة، ويحافظ على وحدة أراضي السودان. ويفترض السيناريو أن يتم التحوُّل الديمقراطي سلمياً بتوافُق كل القوى السياسية، بالطبع بما في ذلك المؤتمر الوطني، وقوى التغيير الأخرى خاصة الشباب «نساء ورجال»، دون إقصاء أو استثناء، على مشروع للتغيير يفضي إلى الانتقال من هيمنة الحزب الواحد إلى التعددية السياسية نحو بناء دولة المواطنة السودانية التي تحترم التنوع.
ويضع الدكتور الواثق كمير في الحلقة الثالثة والأخيرة الكرة في ملعب رئيس الجمهورية:
الكرة الآن في ملعب الرئيس
1/ بعد أربع سنوات من نشر سلسلة مقالاتي، في أكتوبر 2008م، أعادت مجموعة الأزمات الدولية(ICG) أطروحتي إلى الحياة، في أحدث تقريرٍ لها عن السُّودان، بعنوان: إصلاح أساسي أم المزيد من الحروب؟، في 29 نوفمبر 2012م، ويشدِّد التقرير على أن النزاع المُزمن في السُّودان مازال مستمراً، مدفوعاً بتركيز السلطة والموارد في المركز. وهكذا فإن النظام في الخرطوم يواجه أزمة عميقة وتحديات متعدِّدة تهدِّد وجوده، واستقرار السُّودان بشكل عام. ومع أن الكثيرين يأملون في انقلاب عسكري أو انتفاضة شعبية قد تجبر البشير والمؤتمر الوطني على التنحِّي عن الحكم، إلا أن هناك خطراً كبيراً في أن يفضي أي من الاحتمالين إلى مزيدٍ من العنف. ووفقاً لمجموعة الأزمات، فإن الحل يكمُنُ في حكومة انتقالية أكثر شمولاً، وذات مصداقيَّة، بمشاركة المؤتمر الوطني، وحوار وطني هادف حول دستور جديد، وخريطة طريق لتغيير دائم في كيفية حُكم السُّودان. فإذا اتخذ النظام خطواتٍ ملموسة من أجل عملية انتقالية ذات مصداقيَّة، فإنه يمكن لمجلس الأمن أن يطلب من المحكمة الجنائية الدولية إرجاء محاكمة البشير لمدة عام، قابل للتجديد، بموجب المادة «16» من نظام روما الأساسي، على ألا يكون هناك التزامٌ بالتجديد إن تراجع البشير عن تعهُّده بالإيفاء بمستحقات عملية الانتقال.
2/ بطبيعة الحال، فقد تدفقت الكثير من المياه تحت الجسر خلال هذه السنوات الأربع، من حيث التطوُّرات الجديدة والمتغيِّرات التي ظهرت في هذه الأثناء. وتشمل هذه التطوُّرات: انفصال الجنوب، وتكوين دولته المستقلة، واندلاع الحرب في جنوب كُردُفان والنيل الأزرق، وتصاعد العُنف في دارفور، وتزايد التوتر مع جنوب السُّودان، والاحتكاكات المرصودة، والصراع على السلطة داخل الحزب الحاكم نفسه. لذلك، فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل مازالت الأفكار التي أوردتها في أطروحتي صالحة وقابلة للتطبيق بعد انقضاء هذه المدة؟! أم أن هذه المتغيِّرات الجديدة جعلتها عديمة الجدوى ومنتهية الصلاحية؟!
3/ من جانبي، أنا أميل إلى الاعتقاد بأن اقتراحي مازال ضرورياً، وأن هذه التطورات الجديدة تجعله أكثر أهمية مما كان عليه قبل أربع سنوات مضت. وأثبت التطوُّر التاريخي لنظام الإنقاذ أن الرئيس هو الشخص الوحيد الذي يحظى بموافقة وقبول جميع الفصائل في المؤتمر الوطني، والحركة الإسلامية التابعة له. وعلى الرغم من الفهم بأن الرئيس هو الوحيد الذي يمتلك القدرة للحفاظ على الحزب والحركة الإسلامية معا، إلا أن هناك بعض الذين يعتبرونه عبئاً، خاصة في أعقاب مذكرة اعتقال المحكمة الجنائية الدولية. مع ذلك، فإن الأسماء المطروحة والمتداولة بديلاً للرئيس لا يبدو أنها تتمتع بقاعدة يعتد بها داخل المؤتمر الوطنى أو تأييد من قبل القوات المسلحة لحشد وتعبئة الناس حول أى منها. وهكذا، يظل الرئيس رمزاً للقوات المسلحة والقائد الأعلى للجيش، وكذلك يتسنَّم مقاليد السلطة بشكل كامل، ويسيطر على، ويدير بمهارة، عملية الصراع المحتدم على السلطة بين الأجنحة المتنافسة داخل المؤتمر الوطني. وقد تجلى ذلك من خلال الصراع الملحوظ على خلافة الرئيس في السلطة «الذي سبق أن أعلن عن عدم نيته الترشُّح لفترة رئاسية قادمة»، والذي طفا على السطح في أعقاب الإعلان الرسمي عن الحالة الصحية للرئيس والعمليات الجراحية التي أجراها خلال الربع الأخير من العام المنصرم. وعلاوة على ذلك، فقد أصبح الآن رئيس الهيئة القيادية العليا للحركة الإسلامية السودانية، إلى جانب رئاسته للحزب الحاكم.
4/ بهذه المواصفات، فعلى الرئيس أن يخلع جلباب الحزب الضيق ويتوشَّح بعباءة كل السُّودان/ الوطن بتبنيه برنامجاً لا يلبي رغبات ناخبيه فحسب، بل يتعداها ليستجيب لمطالب القوى السياسية، والتي في أصلها استحقاقات دستورية قائمة على اتفاقيات مع هذه القوى ذاتها، وبذلك يُرضي الرئيس مواطنيه من كافة الاتجاهات، ويحافظ على مكتسبات كل الشعب السوداني وتطلعاته لسلامٍ دائمٍ ولحياة آمنة وكريمة. وها هو الرئيس نفسه، في مخاطبته للشعب السوداني في أعقاب فوزه في الانتخابات، يؤكد أن: «شكرنا في هذا اليوم يشمل كل الذين وقفوا معنا وأيَّدونا من قطاعات الشعب كافة، وكذلك يشمل من لم يُؤيِّدونا، ولكن لا يخصم عدم تأييدهم لنا من مواطنتهم شيئاً، فرئيس الجمهورية يمارس سلطاته كرئيسٍ للجميع، وهو مسؤولٌ عنهم، وهذه حقيقة أؤكدها والتزامٌ أعلنه. وأيدينا وعقولنا مفتوحة لكل القوى العاملة في إطار الدستور، بالتواصُل والتحاوُر والتشاوُر لتأسيس شراكة وطنية نواجه بها التحديات». وبدورها، تستدعي هذه الاستجابة لطموحات كل المواطنين اتخاذ الخطوات العملية اللازمة لترجمة كلماته إلى أفعال ملموسة.
5/ إن الرئيس، بعد التوقيع على اتفاقية السلام الشامل، لم يعُد مجرَّد رئيس للجمهورية، يمارس صلاحياته وسلطاته العادية، بل إنه المسؤول الأوَّل عن أهم عملية انتقال سياسي وتحوُّل دستوري بعد استقلال البلاد في 1956م، وبهذه الصفة، وكضامنٍ أوَّل لسلامة الترتيبات الدستوريَّة التي قامت على اتفاقية السلام، فهو أيضاً المسؤول الأول عن إبعاد شبح تقسيم وتشظي البلاد، والحفاظ على سلامة ما تبقى من السُّودان القديم. فهناك كثيرون يعتقدون خطأ أن اتفاقية السلام تُعنَى فقط بإنهاء الحرب بين الشمال والجنوب، غافلين عن أن للاتفاقية هدفين توأم، هما 1/ وقف الحرب وتحقيق السلام، و2/ التحوُّل الديمقراطي. فحين أنه من الصحيح أن الفترة الانتقالية قد انتهت رسمياً بعد استقلال جنوب السُّودان، إلاَّ أن عدداً من القضايا العالقة وترتيبات ما بعد الانفصال مازالت قيد المفاوضات. وهكذا، فإن بنود كل من اتفاقية السلام الشامل واتفاق القاهرة، بين المؤتمر الوطني والتجمُّع الوطني الديمقراطي، في ما يتعلق بالتحوُّل الديمقراطي مازال يتعيَّن تنفيذها. وبهذا الفهم، فإن قضايا الاتفاقية العالقة لا تقتصر على النزاع في المناطق الانتقالية الثلاث «جنوب كُردُفان، النيل الأزرق، وأبيي»، بل إن الانتقال إلى الديمقراطية هو في حدِّ ذاته إحدى القضايا العالقة المهمة.
6/ لذلك، مازال لدى الرئيس البشير فرصة ذهبية في لعب دور تاريخي حاسم، الأمر الذي سيحوِّله إلى بطلٌ قومي وزعيمٌ سياسي، يقود من خلاله عملية توافُقٍ سياسي على برنامج وطني يستجيب للتحديات الجسام التي تكتنف الأزمة الوطنية الماثلة، وعلى آليات تنفيذه. فلدى الرئيس صلاحيات دستوريَّة واسعة تتيح له تطوير حزمة من الإجراءات والتدابير اللازمة التي من شأنها أن تجنب تدهور الأزمة والانحدار نحو السيناريو الثاني. وتشمل هذه الخطوات:
أ تكريس وتخصيص الفترة المتبقية من ولايته لقيادة عملية إنجاز المهام التي لم تكتمل في تنفيذ اتفاقية السلام الشامل، والمنصوص عليها في الدستور القومي الانتقالي، وذلك بهدف ضمان الانتقال السلمي إلى نظام ديمقراطي تعددي.
ب ابتدار، والشُّروع في، حوار صريح ومباشر وجاد مع جميع القوى السياسية في المعارضة من أجل التوصُّل إلى توافُقٍ وطني واتفاق سياسي على العناصر الأساسية لبرنامج قومي يُفضي التنفيذ الأمين له إلى مقابلة التحديات التي تواجه البلاد في هذا الظرف الحرج والدقيق من تاريخها الحديث.
ج توسيع قاعدة الحكم من خلال تشكيل حكومة مشاركة حقيقية، على المستويين الاتحادي والولائي، وذلك بتمثيل القوى التي لها ثقلٌ سياسي وقاعدة شعبية لدعم تنفيذ هذا البرنامج، بغضِّ النظر عن مشاركتهم في الانتخابات الماضية أو مقاطعتهم لها، في هذه الظروف الاستثنائية.
د تحديد أولويات برنامج الحكومة، وعلى رأسها: مخاطبة ومعالجة القضايا العالقة وقضايا ما بعد الانفصال، واستكمال المتطلبات المتبقية من إنفاذ عملية التحوُّل الديمقراطي، من خلال تنفيذ جميع البنود ذات الصلة من اتفاقية السلام الشامل، واتفاق القاهرة. وهذه تشمل، وقف الحرب في جنوب كُردُفان والنيل الأزرق، حلَّ قضية أبيي بطريقة من شأنها الحفاظ على تلك المنطقة بوصفها جسراً للتمازج بين الشمال والجنوب وأنموذجاً للتعايُش السلمي، وإنهاء الحرب والنزاع المسلَّح في دارفور، جنوب كُردُفان، والنيل الأزرق، بالنزوع إلى منهج شامل يتجاوز الحلول الجزئية بما يحقق العدالة والسلام الدائم، وإرساء مبدأ الشفافية والمساءلة والعدالة الانتقالية، وعدم الافلات من العقاب والمحاسبة على اقتراف الجرائم الجسيمة وانتهاكات القانون الدولي لحقوق الانسان.
ه البدء في صياغة آليات ووسائل المصالحة الوطنية الشاملة، وتضميد الجراح في جميع أنحاء البلاد، وخاصة في المناطق المتأثرة بالحرب.
و الشروع في مراجعة دستوريَّة شاملة في سياق عملية تتسم بالتوافُق والشمول والشفافيَّة والمشاركة الواسعة لكل القوى السياسيَّة والمدنيَّة، بغضِّ النظر عن الشكل الذي تتخذه هذه العملية، وذلك بهدف المعالجة، والتوصُّل إلى توافُق الآراء بشأن كل القضايا الخلافيَّة الوطنيَّة.
ز تمهيد الطريق والتوصُّل إلى توافقٍ في الآراء مع جميع القوى السياسية المتنافسة على الشروط اللازمة والتشريعات الضروريَّة لتهيئة المناخ وتسوية أرضيَّة الملعب لإجراء انتخاباتٍ حُرَّة ونزيهة بما يرضي هذه القوى، بما في ذلك تشكيل هيئة ذات مصداقيَّة لتنظيم الانتخابات والإشراف عليها.
7/ وبالمثل، فإن قوى الجبهة الثورية وأحزاب المعارضة السياسية عليهم أن يظهروا للشعب السودانى، فى المقام الأول، وللمؤتمر الوطني، بأنهم جادون في الدخول في حوار واسع مع جميع الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والمشاركة في حكومة ذات قاعدة عريضة. والكثير من السودانيين، حتى بين أولئك الأكثر ليبرالية وممن نالوا حظاً أكبر من التعليم، لا يرون كيف يمكن لهذه القوى أن تساعد فى تحريك الأوضاع الراهنة إلى الأمام، خاصة إذا كانت هناك فرصة حقيقية لحوار وطني يؤدي إلى الانتقال والتحول السلمى. إن ميثاق «الفجر الجديد» يعطي الأولوية للوسائل المدنية والديمقراطية للتغيير. ومع ذلك، يتعين على الجبهة الثورية وقوى الإجماع الوطنى الشروع في جهود علنية وملموسة توصل من خلالها رسالة إلى الشعب السوداني مفادها أنهم، في المقام الأول، يقفون مع التغيير السلمي والتسوية السياسية الشاملة. ولا شك أن مثل هذه الجهود تعزز عملية التوافق الوطني، ويمكن أن تشمل:
أ/ إنشاء لجنة رسمية من قبل هذه القوى تعهد إليها مهمة التواصل والحوار مع المؤتمر الوطني، وبقية القوى السياسية، حول العناصر الأساسية للتوافق الوطنى،
ب/ ابتدار حملة إعلامية، من جانب هذه القوى، في جميع أنحاء البلاد لتوصيل أي من الرسائل التى تفيد باستعدادهم للمضي قدماً في تنفيذ التسوية المقترحة،
وج/ إجراء مبادرة تهدف بوجه خاص إلى حوار «الشباب الشباب» عبر أحزابهم السياسة المختلفة، خاصة بعد أن أصبحت السياسة فى الحركة الطلابية فى الجامعات تتسم بالعنف المفرط والأذى المتبادل.
8/ أنا مدركٌ لأن ما طرحته من اقتراح سيرفع حواجب أعيُنٍ كثيرة، وقد يبدو مُرُّ المذاق لبعض الأطراف، وشاقاً على نفس البعض الآخر، إلا أنه يهدف إلى وضع حلٍ سلمي للأزمة الوطنية المحتدمة، وبالتالي تجنُّب انهيار الدولة السودانية، وإحباط الحلول المفروضة من الخارج. وبالمثل، لستُ بحاجة لأن أؤكد أن اقتراحي يتوقف على اعتراف الرئيس، وكذلك المؤتمر الوطني، بأن نطاق وحجم الأزمة السودانية والمخاطر التي تهدِّد وجود الدولة نفسها، أكبر بكثير من كل تجاربهم السابقة، مما يجعل اللجوء إلى المقاربات المعتادة والوصفات الجاهزة مجرَّد ممارسة عقيمة. إن التحديات التي تجابه البلاد حالياً أضخم بكثير من قدرة أي حزبٍ أو تنظيمٍ على معالجتها بمفرده.
خاتمة:
1/ للمفارقة، تجيء احتفالات السُّودان هذه الأيام بذكرى الاستقلال السابعة والخمسين، من الحكم الاستعماري، والبلاد منقسمة على نفسها من كل النواحي، رأسياً وأفقياً. فإلى جانب هشاشة مؤسسات الدولة، يُشكِّل هذا الانقسام الوصفة المثالية لتفكُّك الدولة. فنحن نفتقر إلى رؤية مستقبليَّة واضحة وقيادة توافُقيَّة ملهمة، وهما عاملان أساسيان من بين العوامل الحاسمة والمطلوبة لتحجيم ولجْم النزاعات المسلحة المتفاقمة، والانقسامات السياسية العميقة، والانبعاث المقلق للنزعات العرقيَّة والإثنيَّة والقبليَّة، وبالتالي الحفاظ على تماسُك ما تبقى من البلاد، وتجنُّب تفكُّك الدولة. حدث ذلك في الصومال، من بين حالاتٍ أخرى، وربما يحدُث في السُّودان. ففي الواقع، لم يُفلح التجانُس الإثني واللغوي والديني في إنقاذ الصومال من التمزُّق وفشل الدولة. فالحكمة التقليديَّة القائلة بأن السُّودانيين في مأمنٍ من، وبمنأى عن مثل هذا السيناريو المُرعب، بحُجَّة تفرُّد تركيبته الاجتماعية وخصوصيَّة ثقافته وقيمه السائدة، لا تصمُدُ في وجه الواقع الماثل. فلا يمكن للموروثات الاجتماعيَّة والثقافيَّة أن تمنع العُنف والصراع المنفلت على السُّلطة بدون، على الأقل، وجود قواسم مشتركة بين القوى الرئيسيَّة ومنبرٌ سياسيٌ مُوحَّد، أو توفُّر الحكمة لدى القيادات والطبقة السياسيَّة السودانية ككل، وفي الواقع، لم يتحقق الانتقال السلمي في أي بلد بالعالم في غياب قيادة حكيمة وبصيرة.
2/ لا يمكن أن نتصوَّر أن إسقاط النظام والتغيير السياسي سيتم، هذه المرَّة، بالطريقة التقليديَّة من خلال نقل السلطة بواسطة القوات المسلحة، كما حدث في 1964 و1985، أو في الثورتين التونسية والمصرية في 2011م، وبطبيعة الحال، هذا لا يستبعد انتفاضة شعبية أخرى، ولو بشكلٍ مختلف، وبتكلفة بشريَّة وماديَّة باهظة. ومع ذلك، فلدى الرئيس البشير فرصة تاريخيَّة، في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ السُّودان، لاتخاذ قراراتٍ جريئة لإنقاذ البلاد من الانزلاق إلى الهاوية، وتحويل نفسه إلى بطل قومي، مع استعادة المصداقيَّة المفقودة للمؤتمر الوطني. فعلى الرغم من أن جنوب السُّودان قد انفصل في عهد الرئيس، قد يجد له التاريخ العُذر، خاصة أن الانفصال كان استجابة لطموحات وتطلعات الجنوبيين في عملية شفافة ونزيهة بدرجة كبيرة، وبأغلبيَّة ساحقة في الاستفتاء على تقرير المصير. ولكن، إن أخذ السيناريو الثاني مجراه، فسيُسجِّل التاريخ أن السُّودان تمزَّق وتفتَّت تحت قيادة ورعاية الرئيس البشير.
3/ وأخيراً، من المهم أن نفهم أن رسم هذه السيناريوهات، خاصة السيناريو الثالث، لا يهدف إلى تقديم وصفات جاهزة لا تقبل الجدل لمآلات التغيير السياسي فى السودان. بل، إن الغرض من هذا التمرين هو المساعدة على تجاوز المأزق الحالي وتحريك الجمود في الوضع السياسي الراهن، وخلق رأي عام يضغط في وجهة المساومة التاريخية، من خلال إثارة النقاش وإثراء الحوار حول الطرق الواقعية والعملية لتحقيق الانتقال السلمي والتسوية السياسية الشاملة. وهكذا، فقد اكتفت جميع القوى السياسية، بما فيها الحزب الحاكم والمعارضة السياسية والحركات المسلحة، بالإدلاء ببيانات عامة ومعممة تؤكد تفضيلهم لخيار الحل السياسي السلمى. ومع ذلك، فإن إضفاء قدر من المصداقية على هذه التصريحات، يستوجب على هذه القوى التقدم بمقترحات واقعية وملموسة للإجابة على «سؤال المليون دولار»: كيف يتحقق هذا الانتقال السلمى؟ ولا تمثل مساهمتى هذه سوى مجرد محاولة نحو الإجابة عن هذا السؤال.
تورونتو كندا
18 يناير 2013م
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.