من المعلوم أن صراعاً قد حدث بين بطون في المسيرية من قبل أكثر من ثلاث سنين، وهو ما عُرف بصراع أولاد سرور والمتانين من جهة وأولاد هيبان من جهة أخرى، ومعروف أن المسيرية عرقياً ينقسمون الى مسيرية «حُمر» ومسيرية «زرق» فالمتانين وأولاد سرور هما من الحمر، وهيبان من الزرق. لقد عقد مؤتمر مؤخراً للصلح في الابيض قبل عامين تقريباً ولكن للأسف كعادة مؤتمرات الصلح لم تنفذ قراراتها وتتابع توصياتها مما ترك غبناً في بعض النفوس خاصة عدم دفع الديات والتعويضات حتى انفجرت المشكلة مؤخراً اوائل يناير الماضي، وأخذت المعركة الاخيرة ابعادا جديدة لم تكن كسابقاتها.. اذ كانت المعارك تقع خارج حدود المدن والقرى والبوادي حتى لا تتعرض الاسر لاضرار مباشرة، لاسيما النساء والاطفال والعجزة والاملاك المنزلية، ولكن هذه المرة فالمعركة أصبحت معركة مدن، اشتعلت داخل عاصمة غرب كردفان مدينة الفولة، واستعملت فيها الاسلحة المتطورة سواء التي أخذت من القوات النظامية او من دولة الجنوب او من أسواق الاسلحة المنتشرة في كافة الارجاء. وعلى المرء أن يتخيل حربا اندلعت في داخل مدينة، ماذا تكون النتيجة؟!. اعتداء على الاسر وقتل وترويع للنساء والاطفال والعجزة وحرق للبيوت، ومن تبقى يطرد خارج المدينة. انها مأساة حقيقية وقعت بين بطون من المسيرية، تلك القبيلة الشماء التي لم تبيت على الضيم يوما، هذه القبيلة التي تعتبر من ابكار المهدية، وهي من القبائل القلائل التي ثبتت على المبدأ والاخلاص حتى آخر رمق للثورة في كرري، وكان ناظرها المقدام الشيخ علي الجلة كان هو التلغراف والموبايل ما بين الخليفة ومقدمة الجيوش في كرري قيل انه قبل ان يوصل رسالة الخليفة للقادة يسقط من تحته اكثر من حصان من زخات الرصاص، ويواصل رحلته مشيا على الاقدام حتى يوصل مبتغى الخليفة. هذه القبيلة التي حمت ظهر السودان الجنوبي تتعرض لمحنة كبرى في داخلها، وتجد اهمالاً من الدولة لدرجة تجعل النفوس تضيق حتى تقوم المعركة من جديد للفت نظر المركز.. المؤتمر الذي انعقد في الابيض لم يجد الآلية التي تنفذ وتتابع. الأمر الآخر فان هذا الملف انتقل الى رئاسة الجمهورية بيد احد نواب الرئيس، ولكنه أُدخل اضابير الادراج وظل حبيساً لمدة تزيد عن العام لم تشهد أروقة القصر الجمهوري اجتماعا قياديا كبيرا لتنفيذ مقررات الابيض. ومن جهة أخرى فإن والي جنوب كردفان وجد نفسه في لجة من الدماء التي تنزف تحت رجليه سواء احتلال هجليج او تعديات المتمردين او ضغط قطاع الشمال، ويبدو انه طبق نظرية درب الفيل غطى درب الجمل، بمعنى أن هم الولاية في تحديات جنوب الجنوب اكبر واعظم عنده من تحديات المسيرية فيما بينهم. لذلك نجده لم يعط هذا الملف اهتماما يُذكر حتى انفجر امامه دم المسيرية في الفولة في 2/1/3102م مما اضطره ان ينقل مقر اقامته الى هناك.. ما أغنانا من سفك كل هذه الدماء اذا اعطينا اعتبارية لتنفيذ مقررات المؤتمرات. لقد حدثت مشكلة مماثلة ما بين بطون من المسيرية وبطون من الرزيقات وكان لزاما على ديوان الحكم الاتحادي ان يتابع ذلك الملف. ولكن للأسف الشديد حتى انزاح مسؤول الديوان وأطل الوزير حسبو ومن ثم تحرك الملف، والآن لولا وجود الاخ الوزير حسبو وهو ابن البيئة لمات المسيرية مثنى وثلاث دون طائل، ولكن وبحكم قربي من ملف المسيرية الاخير، أقول وبكل وضوح لولا وجود الاخ حسبو وتحريكه للملف بكل فعالية وحماس لما انعقد الصلح في الضعين. لقد انتهى مؤتمر صلح أولاد سرور والمتانين وأولاد هيبان يوم 1/3/3102م بالضعين بعد ما استمر لمدة اسبوع كامل بنجاح تام، لقد تنفسنا الصعداء وسننام ملء عيوننا عن شواردها، وسنطلق لفسحة الامل عنانها، رغم تفاؤلنا المبدئي بنجاح المؤتمر، كما يقول المثل (الشيطان في التفاصيل)، كان هذا فقط مكان حذرنا، الا ان الثوابت التي أسس عليها قيام المؤتمر هي الكفيلة بنجاحه. أولها المسيرية هم الذين طلبوا الضعين مقرا للمؤتمر والرزيقات هم الاجاويد ثانيا لدراية الرزيقات بفقه الجودية شاركوا معهم المكونات القبلية في الولاية بل شاركوا معهم كل الادارة الاهلية في جنوب دارفور الولاية الاصل متمثلة في قيادات القبائل. ثالثا اشترط الاجاويد من عند انفسهم أداء القسم من دون أي إلزام من الاطراف المتصارعة، طبعاً هذه خطة ذكية من الاجاويد لتكتيف الاطراف، لأنهم أي الاجاويد مادام ادوا القسم، فهم لابد لهم من ان يلزموا الاطراف بأداء القسم التزاما بما تتوصل اليه الجودية، وهذا ما تم بالفعل. فقد أدى الاطراف القسم بأن يوافقوا ويلتزموا بما تتوصل اليه الجودية. وبدأ العمل وكانت فترة السماع امتدت لاسبوع كامل. استمعت الجودية بكل هدوء لكافة الاطراف. ثم استجوبت الشهود، واخيرا الاستعانة بقيادات المسيرية الاخرى التي لم تكن ضلعا في المشكلة، ولكن بحكم الجيرة والقربى يعرفون الكثير عن بطونهم المتصارعة. وجاءت ساعة الصفر لاعلان مقررات الصلح التي كانت في غالبها مرضية للجميع دون شك. فالمفاوض الحصيف يعرف تماما انه يقول كل دفوعاته، ولكنه لن ينال مبتغاه والا لما جلس للصلح. يبدو انه من أقسى قرارات مؤتمر الصلح هو الفصل بين المتصارعين ويسمى عند اهلنا المسيرية الصف، أي يصفوا أي طرف في جهة أبعد ما تكون عن الاخر، ففي هذه المرة تباعدت المسافة لخمسة وعشرين كيلومترا من منطقة التماس لكل جهة، وتأتي القسوة ان تترك ديارك واشجارك وبيوتك وزراعتك وتذهب بعيدا عنها لمدة عشر سنين ربما تكون للبعض مصالح كالطواحين والمصانع الصغيرة والقشارات والدوانكي ومصاهرات، ورغم هذا حفظا لبقية الدماء لابد للجودية من اتخاذ مثل هذه القرارات. وأذكر ان مشكلة اندلعت بين بطنين من اهلنا المسيرية في أواسط التسعينات من القرن الماضي، وايضا كانت الضعين هي المقر وكان الرزيقات هم الفيصل وكان قرار الصف المر ولعدد من السنين، بعد فترة وجيزة فإن المسيرية انفسهم وبتراض كامل وبتعهدات ملزمة ألفوا هذا الشرط وانداحوا في بعضهم البعض لأن بعضهم متزوج من الاخر، ومعنى ذلك ان لا يرى الخال ابن اخته، وكانت لهم معايش مشتركة توقفت جراء الصف، التأم الشمل ومنذ ذلك التاريخ لم تحصل بينهم مشكلة. نحن نعلم ان دفع المال الذي تجاوز احد عشر ألف بقرة من جهة والجهة الاخرى تدفع اكثر من خمسة آلاف بقرة تعويضا وتقييما لديات القتلى، ولكن كل هذا يهون امام نقل قبائل كاملة من مقارها لجهة بعيدة وجديدة على المجتمع، ولكن اقول ان كل هذا يهون أيضا امام قتل نفس بشرية، هذا اذا لم تكن نفساً بشرية مسلمة وذات قربى ورحم. ومن يقتل نفسا بغير نفس كأنما قتل الناس جميعا. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم لدم المسلم أعظم حرمة من الكعبة. الحمد لله انتهى المؤتمر بسلام ورغم تشوقي لحضوره الا ان الظروف كانت اكبر من الرغبة والقرار، ولكني كنت متابعا ساعة بساعة مع قياداتنا وحتى السيد وكيل الناظر محمود موسى مادبو اتصلت به بعد لأي، لانه اغلق كل موبايلاته والغى مواعيده لانه رئيس الجودية، ولكني عثرت عليه باتصالي بالاخ محمد خميس حراز عضو لجنة الجودية ومن ثم تحدثت معه في الامر. لقد كان محمود مادبو جاداً لدرجة انه ولمدة ثلاثة ايام متتالية لم استطع الوصول اليه لاغلاقه لهواتفه حتى لا تشغله مشاكل الرزيقات المهمة عن المشكلة الأهم وهي الصلح بين أشقائه. إن كانت لي توصية أقول يجب أن تكون هناك آلية لمتابعة مقررات الصلح وهذا طبيعي ان يصدر قرار بتشكيل الآلية او اللجنة ولكن الجديد عندي ان تكون الآلية برئاسة قاض مع منحه كافة السلطات والصلاحيات في القبض على المسؤولين عن جمع هذه الابقار محل النزاع. لأن المواعيد الخاصة بالاقساط اذا جاء وقتها ولم تجمع هذه الاموال فسوف يتجدد النزاع. فصلاحية القاضي أنفع من اعطاء صلاحية لشخصية عادية. الامر الثاني ان الحكومة الآن تتعامل بإهمال وتعامٍ شبه متعمد في تحديد وتبيين الحدود بين الولايات والوحدات الادارية والمحليات، وليس بالضرورة بين القبائل يجب على الحكومة ووزارة الحكم اللامركزي تفعيل هذا الدور برصد ميزانيات وتأهيل كفاءات والامداد بالصلاحيات مع قيادة ديوانية متابعة على مدار الساعة حتى ننتهي من أزمة مفتعلة اسمها الحدود الادارية ليس لأي إنسان حق في أرض إلا التي له فيها مصالح كالزرع والبئر وغير ذلك، بعض جهات تريدها ان تكون حدودا قبائلية وعشائرية في قرن ذابت فيه الحدود بين الدول، ونحن ننهج حدود القبائل. وأخيراً اوصي بمارشال تنمية في هذه المنطقة منطقة المسيرية لاسيما ان خيرنا الان الذي نأكل منه جاء من تلك البلاد والتي حافظ عليها المسيرية على مر التاريخ. أيكون المسيرية كالعير يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول .. شكري الجزيل لقيادات مجتمع ولاية الضعين السياسية والاهلية الذين وقفوا سدا منيعا ضد شياطين الانس، حتى جاء الصلح وعلى رأسهم الوالي بالانابة أحمد كبر. والوكيل محمود موسى مادبو لدوره الرئيسي في الجودية. وشكري للجنة عبد الحميد كاشا التي لعبت دورا في تقريب وجهات النظر وتليين المواقف قبل المؤتمر واثنائه. وشكري للاهل في جنوب دارفور متمثلين في قياداتهم الاهلية التي ساهمت بكل حب وجد واخلاص للم الشمل. وارجو ان احيي الوزير حسبو محمد عبد الرحمن الذي ما ان استلم الملف والا وسهر فيه وذهب به الى الضعين وهو الذي حدد هذا التاريخ رغم اعتراض البعض ان الوقت غير مناسب لأن الدماء لم تجف بعد، ولكن باصراره والمصلحين حدّد المؤتمرات بالتشاور مع آخرين وكان النتاج الطيب يوم 1/3/3102م. شكري لكل من ساهم من بعيد او قريب. ولكل اهلي.. ورجائي ان تكون هذه آخر دماء تسيل بيننا حتى نلتفت الى التحديات التي تجابهنا وهي معروفة للجميع. (والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) صدق الله العظيم.