تواصلت احتفاءات جائزة الطيب صالح والتي امتدت الى آثار البجراوية وذلك بدعوة من نادي النيل بمدينة شندي ، حيث شارك الدكتور عبدالله ابراهيم والدكتورة أسماء معيكل بمعية الأمين العام للجائزة الناقد مجذوب عيدروس وممثل شركة زين الأستاذ صلاح فضل الله وعضو مجلس الأمناء محمد المهدي بشرى في أمسية ثقافية شهدت فعالياتها حدائق شندي وقد شاركت فيها جامعة شندي ممثلة في مديرها ونخبة من الأساتذة وشرفها كبار المسئولين بالمنطقة ... كما شارك من رابطة الكتاب السودانيين الأستاذ عبدالله الشيخ والأستاذ أحمد عوض ... واشتمل برنامج الرحلة على زيارة الى منطقة البجراوية عاصمة الحضارة المروية حيث استمعوا الى مداخلة قيمة حول تراث المنطقة من الأستاذ محمد البشير محمد عثمان ، وقد رافقهم الدليل ، قدم للأمسية البروف محمد المهدي بشرى ...لم أكن بمعية هذا الوفد الكريم ولكن كانت آلة تسجيلي حاضرة لتوثق لتلك الزيارة المهمة والتاريخية ... الأستاذ خالد عامر جمال الدين رئيس نادي النيل رحب بالضيوف في كلمة ضافية . وقدم دكتور عبدالله ابراهيم اضاءات حول ملامح النقد العربي ثم قدم اشارات للأديب الطيب صالح فقال : سمعتم دونما شك بعبارة وعثاء السفر، أنا مترحل منذ صباح هذا اليوم ، وآخر ما ختمت به سفري هو زيارة اهرامات مروي، فخيمت علي وعثاء السفر ولكن حينما وصلت الى هذا المكان وتشممت نسائم عليلة تفكرت أنها من نسائم النيل تذكرت نسائم دجلة وتفكرت بل أحسست بأنني واحد منكم ...فربما ننتسب الى أصل واحد ، لا تنقصني سوى عمامة لأكون سودانياً مثلكم ، طلب مني أن أتحدث عن تجربتي النقدية ، وعن الاتجاهت النقدية في الثقافة العربية الحديثة ، وأن أعرج بالحديث على أميرها الطيب صالح ... ولست مخيباً ظن المقترحين ولا ظنكم ولكنني سأراعي المقام وأختصر ما استطعت ... شاكرا لكم لطفكم فقد وفيتم وكفيتم .. أنا مثل أي منكم يخامرني خجل انساني وتأدب ثقافي حينما أتحدث عن نفسي .. وعلى هذا سأنحي هذه الذات الى الجانب وأتحدث بشكل عام عما كنت قد عاصرته من تحول نقدي في الثقافة العربية الحديثة خلال العقود الثلاثة التي مضت ، فقد تفتح وعي النقدي في اللحظة الفاصلة التي اصطرعت فيها المناهج النقدية التقليدية مع أولى بوادر المناهج النقدية الجديدة ..ولعلكم تدركون الأذى الذي يلحق بامرئ من حال ليلتحق بحال .. فقد تدرجت جامعياً على المناهج التقليدية المناهج الانطباعية والتاريخية والنفسية والاجتماعية التي كنا نخال اللا سواها من مناهج .. لكننا ذهلنا بتيارات من المناهج الجديدة في نهاية سبعينيات القرن الماضي وبداية الثمانينات .. ولم أكن طالبا امتثالياً فقد تشربت نزعة الخروج على الأنفاق الثقافية التقليدية منذ مطلع الصبا.. فشقفت بالمناهج الجديدة وعلى رأسها المناهج الشكلية والبنيوية ثم مناهج التفكيك .. وحينما التحقت بالدراسات العليا كنت قد حسمت أمري وهجرت القديم الى الجديد ، لكن الجديد عسير على الهضم : أولاً لا يقبل الجديد في وسط تقليدي مشبع بالقديم ثانيا تكاد تلتبث على العموم كل المفاهيم الجديدة الملازمة للنقد الجديد لأنها غير معروفة، وثالثاً لا يكاد يعرف أحد لا نقادا ولا أديبا ولا كاتباً السياقات الثقافية الحاضنة لهذه المناهج الجديدة ، ولازمت جيلي حيرة وقلق طوال عشرة سنوات.. قبل أن تصطك الغاز هذه المناهج فنتشربها ونعيد انتاجها ونتفاعل معها الى درجة أصبحنا نفكر بها ونحلل بها دون أن نعي كثيرا من التفاصيل ، وفي ضوء هذا التحول والتشبع اخترت الدراسات السردية طريقا لي ، فأنا أعد القليل مما قال د. بشرى أنا لم أكتب شيئاً عن الشعر بل لم أكتب الا عن السرد ، وكتبي التي تزيد عن العشرين كتاباً عالجت هذه الظاهرة قديماً وحديثاً ، وأزعم بأن السرد العربي قارة لم تستكشف حتى الآن وبخاصة قديم ذلك السرد ، ولهذه المهمة انتدب نقاد جيلي أنفسهم لازالة الغبار عن هذه القارة ، لكننا الى هذه اللحظة لم نفلح الا بالتعريف بجزء ضئيل منها ، فان كان بينكم باحثاً أو دارساً أو ناقداً فأرجوه أن يتعمق في دراسة هذه الظاهرة ويستكمل ما لم نستطع نحن القيام به .. لا أجد المقام مناسباً للدخول في تفاصيل هذا العلم ..الذي يطرح عليه بالسرديات انما أشير فقط الى تحديد المصطلح الذي طرحته منذ نهاية الثمانينات .. وهو السردية مقابلا للأرطولوجي اخترت ذلك ممتثلاً لصيغة المصدر الصناعي في اللغة العربية تلك الصيغة التي تفيد الوقت والتسمية معاً .. السردية هي اسم لذلك العلم ووقت للممارسات السردية التي يعنى بها.. ومن بين مئات الروايات والشخصيات الروائية التي اشتغلت عليها طوال ثلاثين عاماً تبوأ الطيب صالح الموقع الأول في كل ما كتبت وحاورت .. ولن أكشف سراً اذا ما قلت بأن أول بحث كتبته في حياتي كان عن الطيب صالح ، الطيب صالح هو ليس فقط ملهم للروائيين انما هو ملهم للنقاد أيضاً .. فمدونته السردية المتنوعة سواءاً أكانت روايات أم قصص قصيرة أم مقالات معمقة احتوتها تسعة مجلدات غطت معظم حقول الثقافة العربية يعد ملهماً للدارسين بكل معنى الكلمة ... في الحفل الختامي لجائزته في دورتها الثالثة تحدثت ووصفت الطيب صالح بأنه أمير الرواية العربية ... وانا أعرف أنه عرف منذ أربعين عاماً بأنه عبقري الرواية العربية .. وربما يأتي شخص آخر ويقترح وصفاً له ذلك لأنه يستحق هذا الوصف ، حينما نقلب مدونة الطيب صالح نجد فيها مشكلات عصرنا كاملة نجد فيها البيئة السودانية الأصيلة في تنوعاتها الثقافية والعرقية واللغوية ..وحينما نفتح اشكالية العلاقة مع الآخر لا نجد أحداً أفضل من الطيب صالح قد عالج تلك المشكلة برؤية حوارية عميقة .. وحينما نفتح سجل التاريخ وصراعاته نجد أن الطيب صالح له بصمة لا تلحق في هذا الموضوع .. وحينما نريد أن نتعرض للفلكلور الأفريقي وفي قلب الفلكلور السوداني لا نجد مدونة أثرى من مريود والزين وضوالبيت .. هذه مناسبة لتحية الطيب صالح ولتحية أهل الطيب صالح وانا مفعم بالفرح والسرور لأن أتحدث أمام هذه النسائم العليلة والوجوه الكريمة . ومن جانب آخر نظم منتدى جبل البركل أمسية قدمت خلالها اضاءات حول الجائزة تحدث فيها الأستاذ مجذوب عيدروس والبروف محمد المهدي بشرى والبروف مختار عجوبة وتخللت الأمسية تكريم للشركة ولمجلس الأمناء ممثلة في رئيسه البروف علي شمو وشارك فيها الدكتور عمر عبدالماجد بالقاء شعري وعطر ألأمسية الفنان صديق أحمد وفرقة سحرالتراث . ووقفت خلف هذا العمل الأستاذة فتحية محمد الحسن. قدم كلمة الترحيب الأستاذ طارق الجاز رئيس رابطة أبناء البركل مشيرا الى أن البركل هو الحضارة والقيمة والتراث وأكد على أن الأمسية هي امتداد لنشاطات سابقة للمنتدى شملت كل الجوانب سياسية ، اجتماعية وثقافية وحتى قضايا الشباب ... مجذوب عيدروس قدم اضاءات حول الجائزة مشيراً الى أن الطيب وضع السودان في خارطة الأدب العالمي وهو كاتب استطاع أن يحطم اسطورة الهامش والمركز واستطاع أن يكون واحداً من الأسماء التي يفخر بها السودان كما استطاع أن يحطم اسطورة المركز العربي فكانت الحفاوة به من العواصم المختلفة وقد كان نجماً بارزا في احتفالات المربد يتدافع نحوه أهل الاعلام فينبههم الى أن بالوفد أسماء كبيره غيره وكان بفعله هذا يلقي الضوء على رفاقه القادمين من السودان لذلك كان جدير بالاحتفاء ولذلك كان لابد أن يكون الاحتفاء به بشكل يليق به ولذلك حرصنا على أن يشاركنا في الاحتفاء مجموعة من كبار الكتاب العرب وقد كان ... الأستاذ صلاح فضل الله قدم كلمة شركة « زين « التي أزجى فيها شكره للجهة المنظمة وأضاف أن « زين « تتشرف بأن يقترن اسم الأديب الطيب صالح بها ، وأن الشركة أطلقت هذه المبادرة دعما للثقافة السودانية التي نأمل أن تشهد الساحة مبادرات أخرى تدعم هذا القطاع للتضافر الجهود من الشركات الأخرى لدعم مثل هذه المبادرات .. وهي مبادرات ناجحة والدليل نجاح هذه الدورة والتي شهد بنجاحها الوسط الثقافي بأجمعه وقد أصبحت الجائزة الآن تعلن عن نفسها بحضور الكتاب والأدباء من داخل السودان وخارجه وسيكون هذا النجاح دافعا لنا لانجاح الدورات القادمة ونزجي شكرنا لمجلس أمنائها الذي ظل يعمل معنا دون كلل أو ملل ونأمل أن تظل الجائزة منارة تزين شركة « زين « . البروف محمد المهدي أضاف الى اضاءات عيدروس أن شركة زين تتحمل كل نفقات الجائزة في ظل ارتفاع الأسعار في جميع منصرفاتها للجائزة وتتقبل هذا العمل بأريحية وكرم وأشار الى أنها لا تتدخل في شئون الجائزة ، وأكد على أن المشاركة السودانية في ازدياد كما أشار الى مساهمة مركز عبدالكريم ميرغني في هذا المجال باعتبار أنها جائزة رائدة في هذا المجال .. كانت مشاركة الدكتور عمر عبدالماجد بالالقاء الشعري وقد أشار في بداية حديثه الى أن منتدى البركل أثار في نفسه ذكريات ماضية تعود الى وقت أن كان طالبا بقسم التاريخ والتراث عندما زار المنطقة بمعية عالم الآثار هيكوك حينها كتب قصيدته رؤيا البركل المنشورة في ديوانه أسرار تمبكتو القديمة ثم قرأ القصيدة وأعقبها بقصيدة أيها العائد مرحى وهي القصيدة التي قدمتها فرقة عقد الجلاد في الاحتفالية ...كان ختام الحديث للبروف عجوبة فقد طرح سؤال من اكتشف الطيب صالح ؟ وواصل أن الطيب صالح اكتشفه أهله من أبناء المنطقة وكان كل من يقرأ له يظن أنه من القرية التي ينتمي اليها ، الطيب صالح استطاع أن يستوعب ثقافة المنطقة كلها ويصور كل المنطقة بكل أجزائها واستوعب التراث العربي والاسلامي والعالمي وهذا ميز الطيب صالح ، كنت قد كتبت عن موسم الهجرة الى الشمال وقلت أنها أعظم ما كتب وتمثل تحولاً في كتابة الرواية العربية .... شارك في الأمسية من « العين « عبر الهاتف دكتور محمد بادي بقصيدة كتبها للطيب وقد قال قبلها أن الطيب صالح كان النموذج الأمثل للشخصية السودانية بكل تجلياتها ، كان متصالحاً مع نفسه الى حد بعيد ، كما كان مشبعاً بتراث غني ونهل من حضارة متوازنة وهكذا يكون الأدب الشامل .