قبل اسبوعين تقريباً كنا في اجتماع مع وزير رئاسة مجلس الوزراء الامير احمد سعد عمر بخصوص مشكلة دارفور، فما أن خرجت من الاجتماع حوالى الساعة الثانية ظهرا حتى ادرت محرك العربة، ولكن بدون فائدة، فقد تعطلت العربة تماماً، اتصلت بصاحب الورشة التي اتعامل معه في مثل هذه الحالات، فما كان منه الا ان رد عليّ ما عليك الا ان تضعها في سحاب وتحضرها للورشة، لأن حالات كثيرة مشابهة لحالة عربتك حصلت لبعض العربات بسبب الجازولين..!! فما كان منا الا ان بحثنا عن دابة لتحملها للورشة، وقد كان، وكانت المفاجأة امامي عشرات من العربات المشابهة ترقد «مريضة» امام الورشة، ومنذ ذلك التاريخ وحتى تحرير هذا المقال فإن عربتي مازالت ترقد امام حفر الورشة الخاصة بالفحص وقصة الجازولين هذه طويلة، ولكن بالنسبة لي انتهت بعطل حاجة اسمها «إنجكترات» بلغة «ميكنية» الورشة وهي اشبه بشفاطات للجاز التي توصل من الطلمبة الى الماكينة. فبعد الفحص بحوالى ساعتين اتصلت بالاخ ياسين الدرديري صاحب الورشة. وقال لي يا اخ محمد والله إنجكترات العربة كلها تعطلت بسبب هذا الجازولين الملوث، قلت بانزعاج ما هي قصة الجازولين الملوث هذه؟!! مع اني صببت الجازولين من طلمبة مشهورة ومعروفة، فرد عليّ قائلا: عشرات العربات الآن مكدسة في الورشة بسبب هذا الجاز الملوث..! بعد برهة قلت له ما ممكن تنظف هذه الإنجكترات؟! قال لي للأسف «قلوبها ماتت»!! فقلت له ما الحل؟ قال لي تشتري جديد!! والله كل ما في مخيلتي ان الإنجكتر ربما يكون بمائة او مائتين جنيه، لأنه لأول مرة تمر بي مثل هذه الحالة، ولكن كانت المفاجأة ان قال لي ان الإنجكتر الاصلي الواحد في السوق بحوالى (3.250) جنيهاً (بالجديد)..!! - اما المجدد بعد استعمال الواحد بحوالى (1200) جنيه.. فقلت في نفسي ولم ابدها للمعلم يس (مات قلبي انا ما ماتت قلوب الانجكترات)! وبعد صمت على الهاتف حوالى نصف دقيقة، قلت له غداً نلتقي ان شاء الله بالورشة صباحاً.. وفي الصباح الباكر سلمني انجكترات في يدي وبدأت رحلة الضنى في البحث عن الإنجكترات، بعد ان هدأت اعصابي قليلاً جلست استمع للمعلم يس بهدوء وهو رجل مثقف في تواضع عالم في مجاله في هدوء متدين دون ادعاء والتحاء..! ومن الجوانب المهمة في فكره أن اخضع ابناءه لهذه المهمة الإنسانية وهم حذوا حذوه في الخلق والادب والتعامل مع الناس، حتى أن ورشته تحسبها سوقاً من كثرة الواردين والخارجين منها، وفي المساء لا تبقى في الورشة الا عربات قليلة، وعربتي من ضمن هذه القلائل.. لسبب واحد اني عجزت عن أن ادفع ثمن الإنجكترات الاصلية، وهي بأكثر من ثلاثة عشر مليون جنيه بالقديم، لذلك اضطر شيخ يس إلى ان يبحث معي عن البدائل، وهي الإنجكترات المجددة او المصلحة او المصانة بعد استعمال، وهي تصان في كوريا ثم يعاد استيرادها مرة ثانية، ولكن حتى هذه المجددة اشتريناها مع شيخ يس، ولكن يتم استرجاعها لأنها فاشلة، والميكنيكية يقولون «الانجكتر بال» يعني عديل كده، بمعنى أنه لم ينتظم في الرشح ولكنه يزيد في الرشح بصورة تعطل تدوير الماكينة ويقولون «الانجكتر بال»، فكل انجكتراتي «بالت»، وبالت على رأسي الثعالب، ومن الحيرة والاندهاش، ظللت اسجل حضوراً متواصلاً للورشة، وارى واسمع العجب العجاب عن هذا الجازولين الملوث..! قال لي أحد المواطنين وجدته في دكان اسبيرات، انت مشكلتك عربة واحدة، هناك جهة أممية ذكر رقم عرباتها، ولكني لن استطيع ذكر هذا الرقم للمبالغة التي ظننتها في هذا الرجل!! ولكنه على العموم الرقم بالآلاف .. قال الرجل إن كل هذه العربات قد تعطلت بسبب الجازولين الملوث!! وتفاجأت بشدة من تقرير جريدة «الصحافة» عن الجازولين الملوث بالمادة الشمعية الذي عطل اربعة مصانع للسكر.. شيء مفزع جداً أن يتسرب هذا الجازولين اللعين الى الاعمدة الاقتصادية للوطن، فأصبح كدابة الارض التي اكلت المنسأة التي يتكئ عليها الانبياء، وعندما اتصل بي الاخ الصحافي «أرباب» لأنه سمع بالاضرار التي ألمت بي بسبب هذا الجازولين، وجهته لورشة يس الدرديري للاستفسار عنه، وهذا ما تم، وايضا نشر هذا الخبر في جريدة «الصحافة» ومن هناك تسرب هذا السائل بخفاء الى كراسي المسؤولين حتى بدأوا يتحركون ليقولوا كلمتهم. فقد تحدث عن ذلك مدير شركة بتروناس، لا ادري لماذا تحدث مدير بتروناس، مع ان هناك عدة شركات توزع هذا السائل من الحكومة، فالرجل رمى القنبلة بعيداً عن جلباب شركته، وفي اليوم التالي اوضح وزير الدولة بوزارة النفط ان لديهم اجهزة متقدمة للمواصفات والمقاييس لفحص هذا الجازولين!! ونفهم ان لا مسئول يتحمل هذا الوزر، رغم ما اختتما به من حديث طيب، بأن هناك لجاناً للتحقيق تعمل لكشف الحقائق. وفي هذا الاطار اتصل بي مدير الإعلام بوزارة النفط طالباً مني بصفتي احد المتضررين ان امدههم بالمعلومات التي تساعد على الوصول للنتائج. فقلت له يمكنك الاتصال بالورش العاملة في هذا المجال ربما تجد عندها المعلومات.. ولكني شخصياً اتعامل مع ورشة «يس» غرب مقابر الفاروق مباشرة.. وسوف تجد الجازولين مصبوباً من العربات على براميل رأيتها بأم عيني.. واتصل بي مرة اخرى وطلب مني ان ادلهم على الطلمبة التي صببت منها، قلت له بالتأكيد لن ادلك عليها!! مع انها معروفة لديّ! ولكن لما كنت غير متعاقد مع اية شركة او طلمبة مثلي مثل معظم السودانيين «العنقالة» ولم آخذ ايصالاً لأني لا اتعامل مع اية جهة رسمية او غير ذلك..! اصب من جيبي وأمشي، ولما بلغ السيل الزبى والاضرار بلغت ما بلغت.. من يدري ربما صاحب الطلمبة يتنكر لي ويقول «يا زول ما شفتك ولا شفتني» وعندما صببت الجازولين لم يكن معي شاهد، لذلك لا استطيع ان اعلن على الملأ اسم الطلمبة..! ولكن قلت للاخ مدير اعلام وزارة النفط: يا اخي السؤال هل شعرتم ان هناك جازوليناً ملوثاً ام لم تشعروا؟! اذا لم يحصل ذلك والمشكلة بقت في عربتي الحمد لله جاءت سليمة، وأحمد للأخ المتصل مدير الاعلام انه كان رجلاً مهذباً مؤدباً رقيقاً في حديثه معي. وعلى كل هذه قصتي مع الجازولين الملوث.. ومازلت اتساءل هل هذه العربات تعطلت بهذه الصورة المفاجئة، أي الأمر عبارة عن مصادفات؟ ويا ليت اذا اكتفينا بالعربات السابقة.. بالامس حضر احد الشباب مهندس الى الورشة منزعجاً جدا، وقال للابن حمدتو ابن صاحب الورشة الشيخ يس، قال له الآن «كبيت» جازولين من الطلمبة.... وطوالي المكنة ارتجفت وولع الطبلون check.. وبعد الفحص الذي لم يكلف حمدتو كثيراً تبسم وقال له مشكلتك زي مشكلة عم محمد، والتفت اليّ الشاب وحكيت له القصة.. والله لقد شاهدت الرجل في حالة استغراب لا تُصدق وذهول لدرجة الشرود الذهني، ونصحته وقلت له اذا كان الامر كذلك ولديك امكانية امشي طوالي اشتري الانجكترات الاصلية.. بحوالي ثلاثة عشر مليون جنيه.. بالقديم..!! وما تبقى مثلي ستضيع عشرات الايام على الفاضي، واخذت اسم المهندس وموبايله.. ويعني ذلك ان قصة الجازولين الملوث مازالت (سايلة) مع السوائل لأكثر من اسبوعين، يا ترى اين الحقيقة؟! الشيء الذي عليه خلاف أننا نعيش ازمة مواصفات ومقاييس في هذا البلد!! ودليلي على ذلك الجهد الذي تبذله جمعية حماية المستهلك في هذا الخصوص وكشفها لكثير من المواد المخالفة للمواصفات التي دخلت البلاد ولم تخرج الا بخروج ارواح كثيرة من الناس.. ولقد تحدثت عن هذه المواصفات اكثر من مرة، وقلت إن على الاجهزة ان تراقب بشدة الدكاكين في الاحياء الطرفية، وذكرت ان ابن اخي جاءني بقصة علبة الصلصة المنتهية صلاحيتها من ست سنوات وعندما ارجعها لصاحب الدكان رد عليه بكل صلف فيها شنو أنا الآن سويت بيها حلتي..!! فكم مستهتر مثل هذا لم يجد العقاب الرادع.. اما والامر يتعلق بموضوع تطرحه الحكومة نفسها في الاسواق كما ذكر مدير بتروناس وفيه هذا التلوث اذا كانت لا تدري فالمصيبة كبيرة، واذا كانت تدري فالمصيبة اكبر..! فكم يا ترى قطع غيار استوردت بالعملة الصعبة جراء هذه الخسائر؟! وفي النهاية الخصم على حساب من؟! اعتقد على حساب الدولة وليس المواطن الغلبان مثلي فقط.. وكنت اتوقع في اليوم التالي لاكتشاف هذا الجازولين الملوث أن يخرج بيان صغير يؤكد هذا الموضوع ويقدم اعتذار للذين تضرروا، ويعد البيان الناس بالتحقيق ونشر ذلك في العلن، ولكن ان «تتنتكر» الجهات الرسمية وشبه الرسمية الموضوع برمته فهذا شيء محير وما يتحير إلا متحير!! مشكلة مياه السلمة: في نفس هذه الايام تفاجأ سكان السلمة جنوبالخرطوم وشخصي الضعيف من بينهم، بمياه ملوثة ايضا طعمها مُر وفيها رائحة نتنة ولونها كلون موية الليمون.. وبعد اتصالات عديدة اجراها المواطنون رد عليهم المسؤولون بأن بئراً جديدة دخلت الضخ، فهذا التغير من تلك البئر، ولكن المسؤولين طمأنوا المواطنين بأن المياه صحية بعد الفحص عليها، ولكن المواطنون ردوا على المسؤولين.. ولكن كيف نشربها وهي مُرة ورائحتها نتنة؟! فسكت المسؤولون!! إلا أن المواطنين ظلوا في اجتماعاتهم في دار العمل الوطني وقالوا لا بد من الحراك الجماعي لمعالجة هذه المشكلة ان لم تعالجها الجهات المسؤولة، فلاحظ الجماعة غيابي عن اجتماعاتهم، وهم ما عارفين اني مرابط في ورشة «عم يس»، يا اخي انت وين ما قاعد تحضر اجتماعات الموية الملوثة، فرددت عليهم ساخراً من نفسي، وقلت لهم احسن تحلوا مشكلتهم براكم انا اذا حضرت معكم وذهبت معكم الى د. عبد الرحمن الخضر والي الولاية وهو يعرفني جيداً وعمل عندنا محافظاً.. حيقول لي يا محمد عيسى إنت اطلع من الصف الموية الزي دي هناك في بلدكم لاقيها؟!! وطبعاً سأعاند نفسي وادخل معه في كلام «خارم بارم» واخرب عليكم موضوعكم!! فاستحسنوا حديثي وانصرفوا.. وهم ما عارفين اني عايش مشكلة «الانجكترات البالت»...! والانجكترات دخلت الحمام والنظافة!! على العموم اتمنى وارجو من المسؤولين اعلان التحقيق في امر الجازولين الملوث، وعربتي رقمها «5097» تراكان موجودة في الورشة، وحتى الأمس الجازولين بالبراميل في ورشة يس.. ولا ادري هل دلقوه في الخلاء الآن ام لا؟! وموية السلمة مازالت مرة ولونها متغير ورائحتها نتنة، وعندما كنا طلاباً في المدارس الاولية علمونا أن الماء لا طعم له ولا لون ولا رائحة.. هل تغيرت هذه القاعدة العلمية التاريخية ام تغيرت موية السلمة؟! وبرضو في انتظار التحقيق والحلول، مع العلم أن الجهات الرسمية ألزمت المواطن بدفع فاتورة المياه مع الكهرباء.. وهذا جمع أموالاً عظيمة، ومع ذلك المياه غير صالحة للشرب مما اضطررنا إلى أن نشتري المياه المعدنية من سوق الله اكبر بحر مالنا، لا ترف منا، ولكن خوفاً على الصحة التي ستكلفنا الأكثر.. وانها غير مستساغة الشرب اصلاً.