سنقدم في (الصحافة) مقالة للأستاذ محمد أدروب حول العنصرية ، وهذا المقال يطرح قضية بالغة الحساسية ، ولكن الكاتب ينظر اليها من زاوية تستدعي أن نقف أمامها متأملين ، لأنها تخرج عن مألوف الكلام الذي يتردد . وقد دأبت الأنظمة السودانية المتعاقبة على توجيه الاتهام بالعنصرية لكافة الحركات والانقلابات المناهضة لها ، وكثيراً ما يردد الاعلام الرسمي «مؤامرة عنصرية « . والقبلية والجهوية التي حاربتها النخبة السودانية ، على أيام الاستعمارعادت من جديد ، وبشكل أكثر وضوحاً .. وأذكر أن الراحل أحمد باشري قد أخبرني أن الشيخ علي عبدالرحمن الأمين ? طيب الله ثراه ? قد استمع الى اسمه من المذياع ، وسأل عن الأمر فعلم أن هناك مؤتمراً دعا اليه الرئيس نميري لمراجعة الحكم المحلي ، فطلب ممن حوله أن يوصلوه الى القاعة ، ولما أتيحت له الفرصة اعترض على اسلوب اذاعة المشاركين من خلال المذياع دون اخطارهم ، ثم قال أن الحكم المحلي بوضعه ذاك سيقود السودان الى مهاوى العنصرية والجهوية من جديد بعد أن حاربناها أيام الاستعمار ، وكان يردد في مجالسه أن حامد علي شاش كان محافظاً في الجنوب ، وأن جيرفس باك كان محافظاً للخرطوم ولم يعترض أحد ، والآن الاعتراض على محافظ جاء من محافظة مجاورة .. وبعدها جرى اعتقال شيخ علي ، وأطلق سراحه بعد تدخل د. أحمد السيد حمد . ولكثرة الحديث عن الهُوية ، فقد ملها البعض وتشعبت السبل بشأنها ، ولكن السودان هو الأكثر حاجة لقراءة مكوناته الثقافية والحضارية من جديد . ولابد أن تتسع مواعين الثقافة وأن يستمر اعلامنا بالوعي والاستنارة في مناقشة هذه الآراء والأفكار ، وسيظل الجدل دائراً في مجتمعنا وفي مجتمعات أخرى ، حول قضايا الهُوية .. وسنتعرض في عدد قادم لكتاب د. عبدالله القذامي حول الهوية ، فلربما كان مفيداً لنا في تجربتنا الحالية .