قدم التقي عثمان وآدم محمد من خلال حوار بالصحافة يومي 14، 16مارس الجاري قدما اطروحات قادة ما عرف مؤخرا بمجموعة سائحون، وهي ضمن مجموعات حكم الانقاذ، الا انها تمثل تيارا وسط الشباب متحفظ على سياسات المؤتمر الوطني في الحكم والادارة.. ثم انها مجموعة ادركت ضمن آخرين حجم المخاطر على تيار الحركة الاسلامية السودانية الحاضنة لافرادها تربويا وسياسيا، كما تعرفوا على حجم المخاطر على السودان في العموم، وهو يمثل انتماءهم الى المجتمعات الاقليمية والدولية. قالت المجموعة انها بدأت بفكرة الدعوة الى اصلاح ذات البين في اجنحة الحركة الاسلامية بما في ذلك الشعبي والوطني، بوسائل الحوار والعمل السلمي ونبذ العنف ولكن سرعان ما تجاوز طموحها تلك المحطة الى ضرورة ان يكون الاصلاح عميقا و (لا يكون اصلاحا ذا طبيعة جزئية، ولابد من بلورة مشروع عام بشأن الاصلاح في احوال البلد ككل..).. على صعيد اضافة ، ادركت المجموعة في اطار مرجعيتها الفكرية ان الاصلاح السياسي لا يمكن ان يكون بمعزل عن الاصلاح الفكري والاجتماعي والثقافي والاقتصادي والعدالة الاجتماعية، على ان يشمل ذلك اعادة تقسيم الثروة ومعالجة قضايا البطالة وتوفير العدالة، واصلاح متعلقات الامن القومي بالاصلاح القانوني وتقاسم السلطة في الدولة.. ان تلك الاصلاحات انما تصبح اكثر جدوى بالانفتاح على المجتمع العريض بالحوار، وبناء المستقبل بالشراكات.. من تلك القضايا العاجلة التي طرحتها المجموعة، قضية الدستور، حيث اختارت اسلوب الاستفتاء بديلا من اسلوبي اللجنة القومية والمؤتمر الدستوري اللذين ظلا يترددان في المنابر ، والمجموعة لم تكن تدري انها بذلك الاقتراح المستعجل قد وضعت نفسها ضمن الخيارات الصمدية الاخرى او قل ان المجموعة وضعت ضرورة الاخذ بوجهة نظرها او سيكون الطوفان، وهو خيار يزيد من تعقيد المشكلة بدلا ان تكون وجهة نظر من بدائل الحل.. من خلال تقديم المجموعة لآرائها، اكدت انها لا تجد تعارضا بين (ما كنا نتقاتل عليه في الغابات وما ندعو اليه اليوم...)، وبحسب المجموعة ان ما يحدث في حالتها تراجع مشروع عن اساليبها الحربية القمعية في الماضي، الى تطوير اساليب جديدة بالحوار والمراجعات ، ولكن كما يبدو دون احساس بالذنب او الاعتراف بحق المعتدى عليهم في التعويض.. لتمضي المجموعة خطوة اخرى الى الامام اغلقت على نفسها باب الفكر الانقلابي (نحن نفتكر ان كانت هناك ملائكة جاءت من السماء وقادت انقلابا فنحن لسنا معها، لأننا نفتكر ان الحوار فيه قيمة انسانية سامية).. في هذا الباب فإن المجموعة لم تدع الى اطلاق سراح المعتقلين مؤخرا بخلفية المبادرة الانقلابية المزعومة، انما تركزت دعوتها الى تقديم المعتقلين الى محاكمة عادلة..! من واقع شعور المجموعة بالتميز، تعتقد ان ثمة مجموعات في المؤتمر الوطني تتربص بها، وتتعامل معها كخصوم واعداء، وفي ذلك اتجاه وامكانية تطوير لخط اكثر استقلالا عن المؤتمر الوطني متى ما كان ذلك متيسرا.. لقد توسعت المجموعة في حواراتها مع قادة الرأي السياسي والطائفي والقبلي والجهوي خاصة جهة نهر النيل حيث بدأت اشارات مبكرة لضرورة عودة (الاسلاميين) للوحدة، والعمل المشترك، مما يمثل هدفا مشروعا لمجموعة سائحون، ايضا اشارت المجموعة ان المرشح لرئاسة الجمهورية المستقل عبدالله علي ابراهيم وهو من افاضل ابناء الشمال ابدى حماسا لدعم المجموعة سياسيا، ويأتي ذلك مؤشرا لأهمية الجغرافيا والتاريخ لتنمية قدرات الحوار مع الآخرين في الوطن.. على ما تقدم، فإن تجربة سائحون تبدو جزءاً من تيارات الانشقاق والاختلاف في تيار الانقاذ الحاكم منذ وقت مبكر نسبيا، وهي مجموعة ليست بمعزل عن تجارب سابقة، خاصة عندما يعاد قراءة تجربة العدل والمساواة السودانية انه بعد الانهيار الكبير في مشروع الاسلام السياسي في السودان، بنهاية القرن الماضي، حيث ادى ذلك الى بروز حزبي المؤتمر الشعبي والوطني، حدث كذلك تصدع فكري واسع التأثير وسط القادة الشباب، وايامئذ دهشت كثيرا عندما بادرني احدهم وكنت اعتبره من المغالين في تصعيد الصراع السياسي الانقاذي في مواجهة الآخرين، بادنى بالقول انه ادرك (الآن ما كنا فيه من حماقة ، لقد بذلت جهدا كبيرا في الاتجاه الخاطئ)..! على نحو ما قال به علي عثمان احد قادة مجموعة سائحون للصحيفة، قال (لدينا شجاعة كافية تمكننا من ان نقول انه خلال ال 23 سنة الماضية حدثت اخطاء كبيرة في الدولة السودانية.. وجزء منها اننا جئنا بدبابة وعمل عسكري..)، على ان الفرق الجوهري في هذا السياق ان العدل والمساواة وبعد ان حملت السلاح ضد الدولة تصحيحا لما اعتقدته اخطاء، ادركت في خاتمة المطاف ان التصحيح يمكن ان يكون افضل بالحوار والتفاوض ولجأت اليهما بالفعل، فيما اتاح الزمن لمجموعة سائحون فرصة اوسع ليقولوا ما قالوا انهم (ضد الانقلاب العسكري بشكل مطلق سواء اكان في 1989 او الآن)..! مع كل ذلك فان العنف والعمل المسلح لم يتوقف في كل الاطراف الانقاذية، وان الوقت لم يحن بعد لوقف اطلاق النار النهائي بين المجموعات السودانية وفي كل الاصعدة، خاصة انها تجري تحت مسميات مختلفة بما في ذلك السعي للمشاركة في السلطة والثروة بقوة السلاح، او الخداع بحمل السلاح..! من مظاهر الشبه ايضا ، فإن حركة العدل والمساواة اتجهت غرب البلاد، في محاولة لتوسيع قاعدة التأييد الجهوي في مواجهة دولة هي في اساسها ومن صناعها، ولطالما تحدثت باسمها واستثمرت افضل اوقاتها في تشييد منابرها فيما اتجه السائحون شمالا بذات الحجة والمنطق، هذا فضلا عن تيارات اخرى جرت اختلافاتها مع الانقاذ على الصعيد السياسي، كما حدث من مؤسسي حزب العدالة الثلاثة الراحل مكي بلايل، وامين بناني، ولام اكول، كل تلك التيارات ظلت تتطلع ان تصبح ذات تأثير واسع يعم كل السودان، ومن ناحية اخرى فإن قيادات تلك المجموعات، هم الذين بذلوا جهدهم لتأسيس القاعدة السياسية الفكرية للانقاذ.. وذلك مما يلاحظه المراقب مع ملاحظة ان فيهم ثقة وجرأة ورغبة بلا تراجع للانتصار على ما يرد في بالهم انه باطل، وهذا ما جعلهم وان استنصروا بالوعي السوداني العام، ظلوا اقرب الى تيارات الانقاذ. ان الملاحظة الاكثر اهمية في هذا المقام وما يجعل التقارب في الامزجة السياسية، انه حتى حزبي المؤتمر الوطني والشعبي يودان تجاوز قاعدتهما البغيضة بالقمع ورفض الآخر، والانطلاق نحو قواعد جديدة من التحالفات السياسية والقبائلية والصوفية والاستثمارية بأمل الارتباط بمستقبل تتوفر فيه الضمانات والشراكات والقبول بحق الاستمرار في الحقل السياسي الوطني دون الارتداد الفكري والعقدي.. بعد تجربة قاربت ربع القرن من الحكم للانقاذ ، او قل للحركة الموسومة بالاسلامية، تحت واجهات متعددة وممارسات متنوعة لا تخلو من الاذى لكل الاطراف السودانية بمن في ذلك الحركة التي يتم الحكم باسمها، وقد وصل الاذى بالسودانيين محيطات علاقاتهم الاقليمية والدولية. لقد اضحى السودانيون اقرب لعدم تصديق اجهزة السلطة، وتبريراتها، وما يجعل منهم شعب هي عاداتهم وتقاليدهم المشتركة وما توارثوه من نظم خدمات ومؤسسات مجتمعية، ومع كل التنبيهات وآخرها مجموعة سائحون اضحى لا مناص من الانتقال الى واقع سياسي اقتصادي بتراضى كل المجموعات السودانية.. لقد ادرك السودانيون تماما ان الدين الاسلامي خاصة، لا مجال معه لمزايدة ، فأصبحت العقيدة جزءاً لا يتجزأ من خصوصية السودانيين ومع ذلك هم فيه مختلفون، ذلك ان الدين جاء متمما لمكارم اخلاق المجتمعات السودانية، وان تطوير المتمسك بمبادئه والالتزام بفقهه انما يقع مسئولياته على العلماء والفقهاء والمفكرين والفلاسفة الذين لا يخلو منهم اي مجتمع في السودان، وذلك هو التنوع في السودان، اذا ما تمت المحافظة على حقوق الاديان الاخرى بما يؤكد خصوصية التنوع للمجتمع السوداني الذي كثيرا ما امتدح انه خبير في قبول النافع في بناء تنوعه المجيد.! ويبقى القول واضحا امام مجموعة سائحون ومجموعات الشباب الاخرى، بان الوقت لم يعد كافيا للثرثرة حول الاوقات المهدرة والقدرات الضائعة والصعاب والمشاق التي مضت ، ولكنه كاف تماما للحوار حول امكانية بناء قاعدة سياسية اقتصادية منتجة على محور اللا مركزية والديمقراطية، وذلك ما اكدته اتفاقات السلام التي لن تسقط محتوياتها لأنها المستقبل، وفي هذا السياق سعدت كثيرا بمبادرة اتحاد طلاب دارفور لنبذ العنف، الذي طوروا حواراتهم فيه الى المنابر الاعلامية المختلفة، على ان وقف العنف وحده ليس كافيا، ومرحب بالسائحون والكل لبناء سودان متنوع ورائع بكل السودانيين...