: خصتني احدى المؤسسات بدعوة لحضور مؤتمر دولي بمدينة الرياضة «برشلونة» بمملكة أسبانيا بحكم عملي في جريدة الشرق الأوسط. وبالرغم من معلوماتي التي كنت أتابعها كصحافي أن أسبانيا كبلد أوروبي يعاني من أزمة اقتصادية حادة، إلا أنني لم ألحظ ذلك لا في السوق بوصف أن برشلونة تعتبر إحدى أهم مدن أوربا من حيث السياحة والتبضع، كما لم ألحظ شيئا من ذلك في الشارع العام، إذ كان الناس يمشون في الأرض و»يركبون» المواصلات ويجوبون الأسواق والحدائق والمطاعم بكل أريحية لا ترى على وجوهم غبرة ولا قترة أو شيئاً من اليأس والبؤس. وبدت لي برشلونة مدينة بسيطة هادئة جميلة، تجمع بين المدنية وحياة الريف في انسجام تام لا ترى في ذلك تفاوت، وبالرغم من أنها مدينة الفريق الكروي الأوروبي العالمي والشهير ومحبوب الملايين «برشلونة»، ولكن وجدتها مدينة متصالحة مع نفسها رياضيا، إذ لا تعادي من يشجع «ريال مدريد» من زائريها سواء من خارج برشلونة أو حتى من خارج القارة الأوروبية. شاهدت مباراة الفريقين العملاقين «برشلونة» و«ريال مدريد»، ودهشت حينما كنت أرى في طريقي ل«أستاد برشلونة الدولي»، أن الشيوخ والأطفال والنساء من كل الأعمار، يهرولون مشيا بالأقدام لقطع مسافات بعيدة، بغية حضور تلك المباراة. وجدت الاستاد مكتظا بالمشاهدين عن آخره، وصوت التشجيع المنظم بطريقة غنائية تعلو المكان في غير ضجيج مزعج، وبالرغم من أن النتيجة كانت هزيمة «برشلونة» صفر/3 من قبل نظيره «ريال مدريد»، وهي هزيمة قاسية لفريق عملاق ومحبوب للملايين من مشجعي المستديرة على مستوى العالم، إلا أن الدرس الذي استفدته أن الهزيمة ليست نهاية المطاف ولربما تكون لنصر كبير كما فعل فيما بعد. والدرس الثاني الذي استفدته وأنا أرى أن غالبية مشجعي فريق «برشلونة»، يمارسون التشجيع حتى نهاية المباراة بالرغم من معرفة نتيجتها المأساوية، تذكرت أننا في السودان لم نبلغ شأوا في ثقافة التشجيع، حيث أن بعض المشجعين، الذي أغضبتهم الهزيمة لم يعبروا عنها بالسبّ أو الإساءة أو القذف بالحجارة والكراسي والعصي كما يحدث لدينا، بل اختاروا الانسحاب من الأستاد بكل أدب ورقي. وجدت برشلونة في طقس تحت الصفر، تتدثر بمطر غزير دون دوي رعد، وأن المارة فيها يهتمون بالحيوانات وخاصة الكلب بشكل مبالغ فيه، حيث بعضها يلبّس واقياً من البرد وآخر واقياً من المطر، وأهم من كل ذلك وجدت أن القطار يمثل إحدى أجمل وسائل النقل المريحة والتي تتشعب سككها الحديدية داخل شوارع السيارات العادية وتتقاطع معها الإشارات، دون أن تميز بينها، وحينها تمنيت أن يطبق والي ولاية الخرطوم هذه الفكرة بالشكل الذي وجدته عليه في برشلونة. كما لاحظت أن برشلونة بلاد نظيفة من الأتربة والغبار سواء في شوارعها أو في حاراتها، وكذلك تنساب سيارة المواصلات بشكل ممتع دون زحام أو غبار .